07-أغسطس-2016

(Getty) إيزابيل الليندي

إيزابيل الليندي كاتبة تشيليّة ولدت في آب/أغسطس عام 1942، غادرت تشيلي مع عائلتها عام 1973 بعد مقتل عمها الرئيس سلفادور الليندي إثر الانقلاب العسكري الذي قام به أغوستو بينوشيه، وفي المهجر كتبت أولى رواياتها التي لاقت نجاحًا كبيرًا؛ "بيت الأرواح"، وتوالت نجاحاتها فأصدرت "عن الحب والظلال" و"إيفا لونا" و"باولا" الذي أهدته لروح ابنتها المتوفاة إثر مرض البورفيريا. 

إيزابيل الليندي: عندما نمرّ بأزمةٍ ما فإن اللحظات الأولى ستكون الأصعب على الإطلاق

تعد إيزابيل الليندي الروائية الأولى في أمريكا اللاتينية التي كسبت مؤلفاتها شهرةً عالمية، تقيم حاليًا في مدينة سان رافائيل في ولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية. وتتحدث هنا في هذا اللقاء عن الإبداع والمراحل التي مرت بها من بين مواضيع أخرى. 

اقرأ/ي أيضًا: بيازولا: ليس بالضرورة أن يكون التانغو بكّاء

عن العملية الإبداعية

"يحدث في مكانٍ ما في الفكر والجسد خارج سيطرتنا، يتساءل المرء أحيانًا عن السّبب الذي يدفعه للكتابة عن موضوعٍ معين خلال وقتٍ محدّد لكنّه لا يملك إجابةً واضحة، فلكي أصدر كتابي الأول على سبيل المثال استغرق مني ذلك تسعًة وثلاثين عامًا، ولا أدرك حتى الآن ماهيّة التكنيك أو العملية الإبداعية التي مررت بها لأصل أخيرًا لإنجاز روايتي، أعتقد أنها أشبه بنمو الجنين داخل الرحم، وفي الوقت المناسب بعد اكتمال القصة ونضوجها يحين موعد ولادتها لترى النور، ولا يمكن لأحد أن يحدّد التوقيت فذلك يمكن أن يحدث في سنوات أو خلال دقائق لا أحد يعلم".

عن المراحل التي مرّت بها

"أعتقد أنّ ما ينقصني حقيقةً هي المبررات لأستمر في الكتابة، وأنا دائمة البحث عنها في كلّ كتابٍ أنجزه، لأنّ تلك العملية تعبّر عن المرحلة التي أخوضها حاليًا وهي الشيخوخة. أرى أنّ هنالك لحظاتٌ في الحياة أشبه بالعتبات التي علينا اجتيازها لفتح أبوابٍ جديدة، فالمراهقة على سبيل المثال تمثل عتبة تنقلنا من الطفولة إلى البلوغ، كذلك عندما تنجب المرأة أو يصبح الرجل أبًا فهي مراحل تفرض علينا توجهًا مختلفًا، أيضًا حين تدخل النساء في سن اليأس ومن ثم الشيخوخة، وهي المرحلة التي يترك المرء فيها جزءًا من حياته ويعبر باتجاه الجزء الأخير منها، وبالمناسبة فهي تتشابه مع مرحلة المراهقة من حيث المبدأ حيث يأتي الوقت الذي تشعر فيه بأنّه عليك أن تترك كلّ شيءٍ خلفك وتهيم مغمض العينين نحو المجهول".

طريق الروح

"أؤمن بأنّ هنالك دائمًا فرصة للشفاء، عندما نمرّ بأزمةٍ ما فإن اللحظات الأولى ستكون الأصعب على الإطلاق، لكنّنا لا ندرك بأنّنا نتعلم شيئًا جيدًا خلال تلك الفترة بالذات وأنها تمثل ذخرًا معرفيًّا سيفيدنا لاحقًا، كما أنّها فرصة للنضوج أيضًا. في الفترة التي عانيت فيها إثر وفاة ابنتي على سبيل المثال، لم أستطع رؤية أي شيء إيجابيًّ في تلك المعاناة، بل شعرت بفظاعتها. لكن مع مرور السنين أدركت بأنني تعلمت أشياء رائعة من كل ذلك الألم لم أكن لأتعلمها بأيّ حالٍ من الأحوال لو لم أخض تلك التجربة. فالذي كنت أراه فظيعًا ولا يحتمل تمخض عنه نتائج جيدة في النهاية. لذلك علينا ألا نكون متشائمين لأنّ كل شيء متغير ومتجدّد تلك هي دروسٌ لنا، وكل مرحلةٍ هي خطوةٌ في الطريق اللانهائية للروح".

إيزابيل الليندي: نجد أنفسنا في ظرف معيّن فإنّ قدراتٍ خفيّةٍ لم نكن نعلم بوجودها فينا، تظهر

تغير المسار

"يحدث أن تضعك الحياة في ظروف صعبة تفرض عليك تغير مسار حياتك، يكون لديك مخطط ما لكنّك تُجبر على تغيير اتجاهك والبداية من جديد. وقد حدث ذلك لي عدّة مراتٍ خلال حياتي، أوّلها كانت عندما غادر والدي المنزل وكنت لا أزال طفلة، واضطرت أمي إلى العودة لمنزل والديها حيث أشرف جدّي على تربيتي، وثانيها عندما رُزقت بأطفالي، وبعدها كانت مغادرتنا تشيلي لنعيش في فنزويلا إثر الانقلاب العسكري، ثم بعد ذلك أُغرمت بأمريكي وانتقلت معه إلى الولايات المتحدة الأمريكية، تبع ذلك وفاة ابنتي، وأخيرًا عندما أصبحت كاتبة، جميعها كانت تغيراتٍ جذريةٍ ومفاجئة حدثت دونما تخطيط. وهذا عزّز قناعتي ليس فقط في أنّه من غير المجدي التخطيط لشيء، بل بضرورة أن نكون منفتحين على الحياة وأن نسمح لها بالاقتراب منّا ونعيش من أجلها حبًا بالمغامرة والعيش يومًا بيوم. حينما نجد أنفسنا في ظرف معيّن فإنّ قدراتٍ خفيّةٍ لم نكن نعلم بوجودها فينا، تظهر، وأقول خفيّة لإيماني بأننا جميعًا نملكها وهي تنتظر الفرصة الملائمة للتفجر والظهور، وتكون المسؤولة عن التحوّل الجذريّ الذي نخضع له".

اقرأ/ي أيضًا: جلوريا فورينتس.. 99 عامًا من الطفولة

جدّي

"كان لجدّي شخصيةً قويّة، باطرياركٌ حقيقيّ، وكان مُلهمي الذي استعنت به لأرسم أحد شخصيات روايتي "منزل الأرواح" وهو ستيفان ترويغا. كان عارفًا بالتاريخ، يحكي القصص ويردد أشعارًا طويلة عن غيب، قصّ عليّ جميع حكايات العائلة ومغامراته الشخصيّة كذلك. عشرون عامًا مضت منذ بدأت بالكتابة ومازلت إلى اليوم أستقي تفاصيل وأفكار لأدخلها في كتاباتي مما حكاه لي جدي يومًا".

الشباب

"يُحكى كثيرًا عن أنّ الصداقة والتعاون هي قيمٌ يفتقد لها عالمنا الحالي، لكنّي لا أعتقد بصحّة ذلك، بل أؤمن بأنّ تلك القيم النائمة فينا تعود للظهور مع كلّ أزمةٍ نواجهها، ففي أحيانٍ كثيرة لا تكون لدينا الحاجة لاستعمالها، لكن إذا حدث زلزال في تشيلي على سبيل المثال فإن التعاون والدعم بين الناس يظهر بشكلٍ رائع، وهو شيء لا يمكن أن نراه في الأحوال الطبيعية، لكنّ القيم موجودةٌ لدينا جميعًا، وبالأخص لدى الشباب الذين ما زالوا يتحلون بالشجاعة والصدق والتعاون والفضول، تمامًا كما كانت لدينا نحن في شبابنا وكما وجدت لدى الشباب منذ مئات السنين، هذا لن يتغير أبدًا". 

اقرأ/ي أيضًا:

سالغاري والقرصان الأسود

نيرودا وماركيز.. قصة دردشة معلنة