03-يونيو-2018

صورة لطالب في جامعة بجنورد وهو يحاول الانتحار

يقدم الكاتب الإيراني محمد حیدري، في هذا التقرير المترجم عن الفارسية، شرحًا واسعًا لواقع الانتحار في إيران، إذ بات هناك من يراه نوعًا من الحلّ لأزمة الحياة الإنسانية، أو سلاحًا سياسيًا.


في السنوات الأخيرة، نمت معدلات الانتحار في إيران وبلدان الشرق الأوسط بشكل غير مسبوق، كما أنّ الأنواع المبتكرة لهذه الظاهرة كالعمليات الانتحارية لأغراض دينية أو سياسية أو محاولة الانتحار كتحدٍّ أو هواية، قد أضيفت إلى هذه الإحصاءات المذهلة، فما هي دوافع حالات الانتحار هذه، وكيف ينبغي فهمها؟

في السنوات الأخيرة، نمت معدلات الانتحار في إيران وبلدان الشرق الأوسط بشكل غير مسبوق

تم تداول صورة لطالب في جامعة بجنورد وهو يحاول الانتحار، وجهه إلى الأسفل، يداه متباعدتان عن جسده قليلًا، ويقبض أحد كفيه، لكن ليس من الواضح ما إن كان ظهره للكاميرا أو أنّ وجهه باتجاهنا، هو يقف في منتصف الصورة وعلى سطح المبنى، والتي يمكن التعرّف عليها من خلال اللوحة أنّها في الحرم الجامعي. الجزء الأكبر من الصورة تشغلها السماء الزرقاء، وإلى اليمين أيضًا تبدو صورة كبيرة لآية الله خامنئي، المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، أيضًا يظهر علم إيران في ذلك الاتجاه، ويبدو أنّ جميع "الإشارات والعلامات" تجتمع معا في مكان واحد.

اقرأ/ي أيضًا: مذكّرات قبل الانتحار

بالطبع لم ينجح هذا الطالب بالانتحار، لكن مثل هذا الفعل في بعض الأحيان له نتائج أخرى، فمنذ حوالي الشهر في السابع من تشرين الثاني/ نوفمبر، انتشر خبر آخر حول انتحار طالب في كلية الحقوق بجامعة بهشتي في طهران، الطالب الشاب كان قد حصل على الميدالية الذهبية في الأولمبياد الوطني في مجال الأدب 2015، ثم دخل بعدها إلى الجامعة لمتابعة دراسته في قسم الحقوق. وفقًا للأخبار المتداولة، فإنّه ألقى نفسه من فوق مبنى كلية الحقوق وعلى إثرها فقد حياته.

الانتحار في إيران ودول الجوار هي أخبار يومية، وربما نستطيع القول أنّ كمّ الذين ينتحرون/"يقتلون أنفسهم" في منطقتنا يجعل منها سلوكًا عامًا، فكل من يفجّر نفسه وسط السوق ليقتل نفسه إلى جانب الآخرين، وأولئك الذين يقتلون أنفسهم ليريحوا أنفسهم، كلا المجموعتين جزء من هذه الأزمة الكبيرة.

لا يمرّ يوم دون خبر عن تفجير انتحاري في المنطقة، أو انتحار شاب، أو عجوز، امرأة أو رجل بسبب الاستياء من الحياة، أو عدم القدرة على تحمّل معاناتها، فالانتحار هنا إن لم يكن هناك طموح عام مثل "الهجرة"، فهو على الأقل مثل انتشار السرطان، ولكن على عكس أي مرض ينتشر دونما قصد، فإنّ أهمية واختلاف الانتحار تكمن في فعل الإرادة خلفها، وليس غريبًا أن تظهر "لعبة الانتحار" في هذه البيئات، وبالطبع هذا الانتحار له أنواع مختلفة من الدوافع.

الانتحار كسبيل للخلاص

ثمة من يجد في قتل نفسه حلًّا للخلاص من المعاناة، على ما يبدو فإنّ البقاء على قيد الحياة والعيش للعمل ليس سهلًا، والانتحار هو الحلّ، وبهذا الاعتقاد يستطيعون الخلاص.

ثمة من يجد في قتل نفسه حلًّا للخلاص من المعاناة، على ما يبدو فإنّ البقاء على قيد الحياة والعيش للعمل ليس سهلًا، والانتحار هو الحلّ

لقد قرأت تقارير حول ضحايا لعبة الحوت الأزرق، حيث يؤكّد التقرير أنّ اللعبة تثير الإعجاب بشكل واسع في الهند، وعدا الهند لها ضحايا في بلدان أخرى أيضا، فقبل يومين وجد مراهق بعمر الثانية عشرة في دولة آذربيجان مشنوقًا، وقيل أنّه نفّذ جميع متطلبات اللعبة الداعية للموت. باستثناء هذه اللعبة الجديدة، فإنّ أخبار الانتحار في أفغانستان وإيران وكردستان والعراق وغيرها، تظهر بهذا القدر في الإعلام كلّ بضعة أيام.

اقرأ/ي أيضًا: انتحار في العيد.. لماذا ينهي الشباب حياتهم في مصر؟

يُنظر عادة إلى الانتحار كطريقة لإنهاء المعاناة، وأحيانًا ينظر إليه بعين الشفقة والتعاطف، وأحيانًا بعين القلق. يتخيّل الناس أنّ الدمار الذاتي وجِد كطريقة سهلة لحلّ المشاكل، حتى حين يشمتون بك ويخبرونك أنّ البقاء والمعيشة أصعب ويفرون، ويصفون الانتحار بأنّه فعل الضعفاء، لكن هل اختيار الحياة أكثر شجاعة من اختيار الموت؟

الانتحار كوسيلة

ثمة نوع آخر من الانتحار وهو كونه وسيلة وأداة للقتال، وأداة للتعبير عن الغضب. هنا فإنّ الشخص الذي يقدِم على الانتحار بشيء من قبيل سكين يقتل به الآخرين وينهي حياتهم وحتى قتل الأبرياء والعابرين يستخدم أيضًا كوسيلة للتعبير عن عدم الرضى.

لقد ارتفعت أخبار الهجمات الانتحارية على مدى العقود الثلاثة الماضية، وربما كان السبب في ذلك هو فورة الغضب لدى جيل فاشل لم يرَ أية طريقة للتضحية بذاته للانتقام.

في أفغانستان وحدها قتِل المئات من الناس في الهجمات الانتحارية العام الماضي. لسنوات طويلة كان يقال في إيران عن هذه الهجمات "العمليات الاستشهادية" في الآونة الأخيرة ومع توسّع عمليات من هذا النوع، يبدو أنّ هناك صمتًا حيال استخدام هذا المصطلح.

إنّ استخدام الانتحار كسلاح حرب يعني طريقًا مظلمًا، فالشخص الذي يقوم بفجّر نفسه بالآخرين يثير كراهية العامة، لكنه لا يصير موضوعًا للرأي العام.

في بعض المناطق كالعراق وأفغانستان، قد لا يكون هذا الشخص معروفًا أبدًا، ويكون الضحايا الأبرياء كثيرين لدرجة لا يترك مجالًا للتفكير في مصير من قام بتفجير نفسه، ولكن بما أنّ الانتحار كأسلوب للحرب مفتوح لمن يقرّرون قتل أنفسهم، فيبدو أنّه يواجَه بطرق مشابهة.

إنّ استخدام الانتحار كسلاح حرب يعني طريقًا مظلمًا، فالشخص الذي يفجر نفسه بالآخرين يثير كراهية العامة

من هو الشخص المستعدّ لتقطيع نفسه إلى أشلاء؟ ربما يستعدُّ لأشهر أو لأسابيع ويفكّر بيوم الحدث، ويتردّد مرة ثم يقرّر مرة أخرى، وفي النهاية يقرّر ترك مخاوفه من الموت، ويقتل نفسه في مجموعة من الناس؟ ما الذي فكّر فيه في تلك اللحظة؟

اقرأ/ي أيضًا: الانتحار.. غول أطفال تونس

عادة ما تكون ثمة إجابات مختلفة على هكذا سؤال، بعض الناس يعرفون أنّ هؤلاء لهم معتقدات فاسدة وأنّ أرواحهم مريضة، وقد تم غسل دماغهم وخداعهم، ويعتقد بعض الناس أيضًا أنّ هؤلاء ليسوا على دراية بما يقومون به بفعل المواد المخدرة، ولا يعرفون ما الذي سيحدث في الأساس.

هناك من يعتقد أنّ هؤلاء مجبرون على القيام بذلك، فهناك شيء أو رهينة لدى المجرمين مما يضطر الشخص إلى القيام بذلك، إذ لا يمكن للناس أن يصدّقوا أنّ شخصًا غير مجنون أو ليس به مسّ أن يقتل الآخرين ويمزّق جسده بملء إرادته، لكن عادة ما يتناسون إرادة الفرد.

 الإنسان هو الكائن الحيّ الوحيد الذي يدرك نهايته، وهو الوحيد الذي يفكر بالموت!

وما زال ثمة أمر غير واضح: وهو أنّ هؤلاء الناس الذين يقتلون أنفسهم في نهاية المطاف ليس من السهل عليهم اختيار الموت لشخص آخر يودّ أن يعيش حياته، فالاختيار ليس سهلًا.

اقرأ/ي أيضًا: لعبة الانتحار.. "الحوت الأزرق" مصدر هلع كوني

حتى وإن كان هذا اعتقاد، فيمكن التردّد حياله في أيّ لحظة، حتى وإن كان حالة لاواعية، فالخوف من الموت أيضا حالة لاواعية.

الانتحار كمصير

إن كان الانتحار ليس حلًا أو طريقة، فربما يجب قبوله كجزء من مصيرنا، فالإنسان هو الكائن الحيّ الوحيد الذي يدرك نهايته، وهو الوحيد الذي يفكر بالموت. نتيجة لهذا الوعي الكبير بالنهاية، فيجب السعي للحفاظ على دوام الحياة، ولكن إن كان "الموت" مصيرنا المحتوم، فلماذا لا تكون نهاية العمل بإرادتنا؟ وبعبارة أخرى، كلما زاد الوعي الذاتي الذي نعمّقه في النهاية، كلما كان أكثر انتقائية، ويصبح هذا الوعي الذاتي أعمق وتصبح الحياة أكثر انقسامًا والأمل أكثر من ذلك كله، وهذه ليست حقيقة الحياة؟

أي أنّ اختيار عقوبة الإعدام في بلادنا "إيران" هو أيضًا واقع وهو أيضًا مصيرنا، حيث لا يكون لون الحياة آسرًا لدرجة أنّه يؤدي إلى الخوف من الموت.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الشباب وتزايد حالات الانتحار.. نهايات صادمة لواقع معقد

نورهان حمود.. جدل تصاعد الانتحار في لبنان مجددًا