15-فبراير-2024
موظف في الأونروا يحمل طفلًا في إحدى المدارس التابعة للوكالة

(Getty) تسعى إسرائيل إلى القضاء على الأونروا لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين

انطلقت صحيفة "إل باييس" الإسبانية، في تقرير نُشر أمس عن الاتهامات الإسرائيلية المتواصلة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، من اقتباس مأخوذ من مذكرات دافيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لدولة الاحتلال، يقول فيه: "يجب علينا أن نفعل كل شيء لضمان عدم عودتهم أبدًا"، ويقصد اللاجئين الفلسطينيين الذين قامت العصابات الصهيونية بتهجيرهم في عام 1948.

يوضح الاقتباس السابق جزءًا من أسباب العداء الإسرائيلي المستمر والمتصاعد للوكالة. فبحسب الصحيفة، لا ينفصل الجرح الجماعي الذي يعرفه الفلسطينيون بـ"النكبة" عن تاريخ "إسرائيل"، كما لا ينفصل عن إنشاء "الأونروا" التي لم تعد مجرد وكالة مساعدات إنسانية، بل مستودعًا لذكرى منفى الفلسطينيين على حد قولها.

وأوضحت "إل باييس" أن سجلات الوكالة، وأرشيف الصور الفوتوغرافية، وشهادات اعتماد اللاجئين، بمثابة: "جواز السفر الذي ينبغي أن يضمن لهم حق العودة إلى ما أصبح الآن الأراضي الإسرائيلية، واستعادة ممتلكاتهم أو الحصول على تعويض عن خسارتهم"، مذكّرةً بأن الأمم المتحدة اعترفت بحق العودة للفلسطينيين عام 1948، لكن "إسرائيل" ترفض عودتهم.

تُظهر "الأونروا" أن "إسرائيل" مشروع استعماري وحصري يمنح الشعب اليهودي جميع الحقوق، لكنه يحرم الفلسطينيين من حق العيش على أرضهم

وتُعيد الأكاديمية المتخصصة بشؤون الشرق الأوسط، جولييتا إسبين أوكامبو، رفض الإسرائيليين عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى اعتقادهم بأنها ستجعل من اليهود أقلية، وتضر بطابع "إسرائيل" بوصفها "دولة قومية للشعب اليهودي"، تهدِّد عودة الفلسطينيين وجودها. ولذلك، ترى أن اتهامات "إسرائيل" لموظفي "الأونروا" بالمشاركة في هجوم "حماس" يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، تعود جزئيًا إلى ارتباط الوكالة بحق العودة.

وترى لبنى الشوملي، مسؤولة المناصرة في "مركز بديل لحقوق المواطنة واللاجئين الفلسطينيين"، أن الهجوم الإسرائيلي المستمر منذ سنوات على "الأونروا" يخدم عدة أهداف برزت إلى الواجهة مجددًا بسبب الحرب على غزة، إحداها إنهاء المساعدات الإنسانية التي تقدّمها الوكالة بهدف "طرد الفلسطينيين من القطاع" وضمه إلى "إسرائيل". ففي ظل عدم وجود طعام وماء ورعاية طبية وكهرباء ومأوى، تخلق "إسرائيل" بيئة قسرية تضع سكان القطاع أمام خيارين: إما البقاء والموت، أو الهجرة.

وهناك هدف آخر يتمثّل في القضاء على حق العودة لـ5.9 مليون لاجئ فلسطيني. وأوضحت الشوملي الأمر بقولها: "إن وجود الوكالة في حد ذاته، وتفويضها المتمثل في تقديم مثل هذه المساعدة للاجئين الفلسطينيين، يشكل تهديدًا لرواية إسرائيل وإصرارها على عدم وجود اللاجئين الفلسطينيين". وأضافت قائلة: "إذا لم يكن هناك لاجئون، فلن يكون هناك حق في العودة".

وللإشارة إلى مكانتها وأهميتها للقضية الفلسطينية، قال الأكاديمي والمؤرخ الإسباني خورخي راموس تولوسا، الذي أصدر عدة كتب عن فلسطين، إن: "الأونروا، وهي وكالة تابعة للأمم المتحدة مكرسة للاجئين الفلسطينيين، هي تذكير لماذا لا يزالون لاجئين، ولماذا لا يُسمح لهم بالعودة".

وأكد أن الوكالة تُظهر أن: "إسرائيل مشروع استعماري وحصري يمنح الشعب اليهودي جميع الحقوق، لكنه يحرم الفلسطينيين من حق العيش على أرضهم"، لافتًا إلى أن مصطلح لاجئ في حد ذاته يذكّر "إسرائيل" بكيفية إنشاء دولتها في عام 1948، أي بـ"النكبة".

ويرى إيسياس بارينادا، خبير بشؤون الشرق الأوسط، أن "إسرائيل" تحاول خنق "الأونروا" لكي: "لا تتمكن من الوفاء بتفويضها فيصبح محكومًا عليها بالاختفاء (...) هذا سيؤدي أيضًا إلى اختفاء مسألة اللاجئين".

وذكرت الصحيفة في تقريرها أن دافيد بن غوريون، حين كتب "الشيوخ سوف يموتون؛ سوف ينسى الشباب"، ويقصد النكبة؛ لم يكن يعتمد على الشعور القوي بالهوية الفلسطينية، أو تصميم اللاجئين على العودة، ولا على حقيقة أن "الأونروا" التابعة للأمم المتحدة ستساهم، وبحسب إسبين أوكامبو، في بناء القومية الفلسطينية بشكل لا إرادي.

ولفتت إلى أن بطاقات الهوية، والحصص التموينية، والخدمات الصحية، ومخيمات اللاجئين، والنظام التعليمي الذي تقدّمه "الأونروا"، كان لها تأثير عميق على تطور الهوية الفلسطينية. كما أنها ساهمت، وعلى خلاف رغبة "إسرائيل"، في حفاظهم على هويتهم وعدم اندماجهم في البلدان التي لجأوا إليها.

وختمت "إل باييس" تقريرها بالإشارة إلى "حنظلة"، شخصية رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي، التي تُعتبر من رموز المقاومة والنضال ضد الاحتلال. وحنظلة لاجئ لن يكبر إلا عندما يعود إلى وطنه.