23-ديسمبر-2021

لوحة لـ تمارا السامرائي/ الكويت

إلى الرجل الذي قلتُ له يومًا: أنا لا أشتهي رجلًا إلا إذا أحببته، ولم أكن أعلم أنه رجلي المشتهى..

1

 شفتاكَ اللتان بلون العناب يُشبهان آلةٍ زمنية مصنوعة لأغراض الرغبة. أتأملّهما على مهلٍ، فيأخذانني إلى عالمي الطفولي الأول. أشاهد نفسي في ذلك العالم طفلة تقفُ أمام شجرة ممتلئة بثمار العناب الناضجة، تقطفها ثمرةً ثمرة، وتضعها في كيسٍ تحمله في يدها، وكلما تملكتها رغبتها في تذوقها، خبأتها في جيبها حتى تعود إليها لاحقًا وتأكلها على مهلٍ وتتلذّذ بها، وكأن الوصول إلى اللذة القصوى التي بها لا يحدث إلا بفعل التمهل؛ يأخذانني إلى عالم رغباتي الطفولية الماضية، يُلقيان بي فيها فأصحو وأتذكّر عالم رغباتي النسائية الحاضرة، تلك التي تتلخّص في أن أغدو امرأة كلّية القدرة، تملكُ من الأدوات ما يُمكنها من التهام ثمرتا العناب اللتان تتصدران وجهك على مهلٍ وروية، مراراً وتكراراً، عبر قُبلاتٍ طويلة وقصيرة، عادية وفرنسية، تتذوّق فيها لذتهما القصوى وكأنها أول وآخر المشتهيات والرغبات في هذا الكون.

 

2

هل قلتُ لك سابقاً بأن لفظة "هئا" التي تستخدمها في تعبيراتك النافية، هي من أكثر الألفاظ جاذبية على الإطلاق؟ لا أعرف حقًا من أين تأتي جاذبية هذه اللفظة تحديدًا، ربّما من صفة الغنج التي تحملها في طياتها وأنت تنطقها. نعم، إن هذه اللفظة لفظة مغناجة جدًا، أخالها وهي تخرج من حنجرتك كما لو كانت تخلع عن نفسها كل أثواب الثقل لتكون لفظة تشبه كائن كونديرا الذي لا تُحتمل خفته.

يلفتني فيها ظرافتها النافية وخفة ظلها. إنها لا تأخذ النفي على محمل الجد كغيرها من الألفاظ الجامدة (اللا مثلًا). تؤديه كما لو كان رقصة شرقية، تربط على خصرها وشاح غوايتها، وتخرج في صوتك بانسيابية، واثقة بما فيها من فتنةٍ وسحر، وكأنها توقن من تلك الحقيقة القائلة بأن أقصر الطرق إلى قلب المرأة المهووسة باللغة، هي اللفظة المغناجة.   

 

3

احذرني وأنا أسألك أن تُعرّفني على شاماتك المخبّأة في أماكن جسدك السرية، فأنا أسألك بشبقية عاشقةٍ لا تُفرّق بين الاستحقاق وغيره. شبقية ترى أن عشقها لك يجعلك كلك استحقاقًا لها، بجسدك وتفاصيلك وتقاسيمك. إن شبقيتي العاشقة تريد أن تجعلك مملوكًا لها، وهي تسألك عن شاماتك لتشعر بنشوة التملك؛ تملّكُ جسدك عبر أساليب المعرفة، وصدقني أنها ما أن تعرف إحدى تلك الأماكن حتى ترسم دائرة حمراء على خريطتك الجسدية؛ دائرة تأتي كإقرارٍ بأن المعرفة في حالات العشق قد تكون هي أيضًا شكل من أشكال التملك والاستعمار.

 

4

أغارُ من الصبارة التي رفضت إخباري باسمها. أغارُ منها لأنك تحبها كامرأةٍ ترغب بأن يظل اسمها طيّ الكتمان. تذكرني بمقطع أغنية للسيدة فيروز، تقول فيه: "لا تسألوني ما اسمه حبيبي أخشى عليكم ضوعة الطيوب". أضحك حين أتذكره، فأي نوعٍ من الطيوب الشوكية قد يحمله اسم تلك اللعينة، "اللعينة" بالمناسبة أفضل اسم لها، إنه اسمٌ أنصّب فيه نفسي كآلهة تصبّ لعناتها فوق رؤوس نِداتها من العناصر الأنثوية الأخرى اللواتي ينافسنها في حبك. ولو سألتني عن تعريف الصبارة هنا لقلت: إنها إحدى العناصر الأنثوية التي أدّت ندّيتي لها إلى الارتقاء بها من سلّم الكائنات الأدنى كنبتة غير عاقلة إلى أنثى من نوعٍ ما لها اسم وعمر وكينونة".

 

5

إذا كانت عبارة "بتقول للقمر قوم تأقعد محلّك" تَردُ في سياقات وصف الوجه الجميل، فأنا سأستخدمها في وصف وجه ذاتك الجميل الذي أرى انعكاسه في ذائقتك الانتقائية. إن ذائقتك الانتقائية لها وجهٌ قمريٌّ ساحرٌ، كالبدر في ليلة تمامه. إنها فاتنتك التي عرفتها من أول أغنيةٍ أسمعتني إياه وأول فيلم أرسلته إليّ لأشاهده وأول مقطعٍ شعري بعثته إلي لأقرأه. إنها بنت الجمال الأصيلة، هو والدها وهي من نسله، وهي ايضًا ربّته الأصيلة، فهي والدته وهو من نسلها، وأنا التي كلما شاهدتها في صورتها القمرية الكاملة أصابتني الحيرة في تصنيفها وردّها إلى سلالتها الأولى. أهي تنحدرُ من أصل الجمال، أم أن الجمال هو من ينحدر منها؟!

 

6

إنني في كل مرة أتأملك فيها، أدخل في حربٍ مع إرهاب رقتك، وأكون عندها تلك المرأة التي تهرب من كل ما تحبّه لكي لا يخطفها، ويستولي عليها. ألمحني أخطو من جماليات رقتك شيئًا وشيئًا، أقتربُ منها بوقعٍ خفيفٍ وكأنني أريدها وأخشاها في آن، وكأنني أخاف أن تفتح عينها وتوقظ جميع جمالياتها الكامنة لتغتالني، لتأخذني كلي إليها، بوعيي ولاوعيي، تجرني بسلاسلها وتحبسني داخلها. يا عزيزي، أنا أخاف رقتك وكأنها هي نقيضها، وأهرب منها وكأنني أهرب من نقيضها، أو بعبارةٍ صريحة: إن رقتك هي أعنف ما رأت عيناي!

 

اقرأ/ي أيضًا:

هستيريا الضحك

لم أنتبهْ إلى النّهاية