أثار الإعلان السنوي لشركة "زين" للاتصالات موجة غضب وتنديد عارمة من قبل كثيرين على وسائل التواصل الاجتماعية، ممن رأوا أن المحتوى الخاص بالإعلان فيه تحريف للحقائق ومحاباة غير مباشرة للأنظمة الديكتاتورية.
أثار إعلان شركة "زين" للاتصالات موجة غضب وتنديد عارمة من قبل كثيرين على وسائل التواصل إذ اعتبروه تزييفًا للتاريخ والحقيقة
ففي كل عام، كما عرف عن شركة زين، تستهل المناسبات الدينية كشهر رمضان والأعياد بإعلان تسويقي لها، تقحم فيه فنانين ومغنين عربًا، يقدمون الأغاني من حكاية صغيرة تتحدث عادة عن المحبة والألفة بين الناس. كان بطل الإعلان لهذا العام المطرب الإماراتي حسين الجسمي الذي بدأ غناءه بالتكبيرات، وما سبقها كان أشبه بعبارات شعرية مكتوبة خصيصًا للإعلان، بدأت بجملة شهيرة قالها طفل سوري "سأخبر الله بكل شيء"، وصارت لاحقًا معتمدة للدلالة على الظلم وويلات الحرب.
اقرأ/ي أيضًا: عمران.. الطفل الذي أصبح رمزًا لمعاناة حلب
الأمر الذي أثار الاستغراب، في صفوف العرب وخاصة السوريين، هو تشخيص الطفل عمران دقنيش في الإعلان، والذي عرفه الجميع وتناقلت صوره وسائل إعلام عديدة إثر انتشاله من تحت الأنقاض بعد قصف جوي روسي لمدينة حلب شهر آب/أغسطس من عام 2016، حيث جسد طفل آخر في الإعلان شخصية عمران وحمل صورته، تكلم مع الإرهابي الذي جاء ليهاجم حافلة كان يجلس فيها مع آخرين، كانوا مجموعة من ضحايا تفجيرات وهجمات لتنظيمات رهابية متطرفة في عدة مناطق من الوطن العربي، كالعراق والكويت والأردن. كما ويحوي الفيديو مشاهد من تفجيرات لجوامع وأسواق وأحياء شعبية.
لا تتوافق رسالة الفيديو مع التجسيد والتشخيص للضحايا، فالخلط الواضح بين من تضرر من هجمات إرهابية ومن تضرر من نظام بلده ومن حرب شنها هذا النظام عليه، جعل من الأمر أكبر من مجرد دعوة للسلام، وأقرب لإنكار الحقيقة وتزييف التاريخ.
يجزم الكثيرون أن غاية الإعلان وشركة زين للاتصالات من ورائه، هي جلب أكبر عدد من المشاهدات، لا أكثر، وبالتالي مزيدًا من الأرباح من وراء الرسالة التي تخص بها شهر رمضان لهذا العام. فكان الاعتماد على صورة الطفل، التي تحولت إلى أيقونة تشهد بتخاذل العالم وصمته عن الضحايا وخصوصًا الأطفال الذين يموتون في سوريا إثر القصف، بغرض جذب الاهتمام، لذلك لم يضايقهم خرق الحقيقة وتشويه الوقائع.
أوليس من حق الطفل الذي لم ينقذه العالم وقتها أن يعترف بمن حاول قتله ويستمر بقتل الملايين من السوريين؟ هل نقتل الطفل عمران مرتين، مرة بتعريضه للموت، ومرة بإنكار من قام بقصف مدينته وأنزل البيت عليه. أم إن المتاجرة بصورته لغايات إعلامية بحجة الحرب على الإرهاب تسوغ ذلك؟ من يهدف لنشر المحبة ونبذ العنف والإشارة لمصادر الإرهاب لا يعني ذلك أن له الحق في تشويه الحقائق والتاريخ.
وبالعودة إلى الجانب الفني للفيديو فقد اعتبرت التكبيرات التي يقولها المغني حسين الجسمي في بداية مقطعه الغنائي مستفزة ومزعجة لكثيرين، بسبب ربط صوته مونتاجيًا مع صور لهجمات وتفجيرات، فمن وجهة نظر البعض هذا يكرس وجهة نظر مسيئة للإسلام والتي تربط تنفيذ العمل الإرهابي بكلمة "الله أكبر".
اقرأ/ي أيضًا: ماذا لو مات.. عمران
هكذا إذن كانت إحدى أهم الانتقادات التي وجهت للشركة هي تزييفها للحقائق، وتغافلها عن التمييز بين موضوع محاربة الإرهاب، والإشارة إلى منابع العنف الأخرى المنتشرة كقمع الأنظمة الدكتاتورية، فالطفل عمران لم يكن من ضحايا التطرف الديني، وإنما كان ضحية لقصف طائرات النظام.
كما ووجهت اتهامات لقناة الـ mbc واتهمها البعض بالتضليل، عندما وصفها عبد اللطيف سمارة على صفحته قائلًا: "عندما يخفي الإعلام القذر جرائم إسرائيل في فلسطين، وجرائم بشار وروسيا في سوريا، وجرائم الهندوس في بورما، وتاريخ جرائم الفرنسيين في الجزائر وتاريخ جرائم بريطانيا في فلسطين وجرائم أمريكا في العراق. ويركز على جرائم فئة ضالة من المسلمين. ويربطها بأشهد أن لا اله إلا الله. هنا يتضح تزوير الحقائق و تغيير التاريخ أو ما يسمى بمحو التاريخ ورسم خطوط جديدة لتاريخ جديد، على كيفهم".
ويذكر أنّ الطفل السوري عمران دقنيش هو واحد من عدة أطفال تم انتشالهم من تحت الأنقاض جراء القصف الجوي الروسي على منازل المدنيين في حي القاطرجي في مدينة حلب. وظهرت صورته في وسائل الإعلام المختلفة بتعابير وجهه المذهولة وهو ملطخ بالدماء والتراب.
كما دعا نشطاء عبر مواقع التواصل إلى سحب إعلان زين "لأنه يسيء لضحايا القصف الروسي ويسيء للسوريين"، وذلك من خلال انتشار هاشتاغ #اسحبوا_اعلان_زين.
وأكدت الممثلة السورية يارا صبري، المهتمة بمتابعة شؤون المعتقلين السوريين في سجون الأسد، كما عرف عنها منذ بداية الثورة، عبر هاشتاغ #زين_تشوه_الحقيقة، أن الطفل عمران هو ضحية إرهاب دولة وليس إرهاب أفراد متطرفين.
هل نقتل الطفل عمران مرتين، بتعريضه للموت، ثم بإنكار من قام بقصف مدينته. أم أن المتاجرة بصورته بحجة الحرب على الإرهاب تسوغ ذلك؟
ودعا ناشطون للضغط على شركة الاتصالات زين لسحب إعلانها عبر ذات الهاشتاغ على تويتر وفيسبوك، مؤكدين أنه يتلاعب بمآسي الشعب السوري، ويعبث بالحقائق والوقائع.
نسب الجريمة لطرف آخر والتغاضي عن المجرم الحقيقي وإدانات أخرى حملها الناشطون على شركة الاتصالات وطالبوا باعتذار تقدمه الشركة للسوريين على تشويهها للحقيقة التي تمس دماءهم وتستهزئ بها.
وعلق آخرون أن شركة اتصالات زين، التي وصلت بعد الأردن لدول عربية أخرى مثل الكويت والسعودية والعراق والبحرين، لديها العديد من المشتركين في العالم العربي، ومن غير الممكن أن تكون إعلاناتها اعتباطية، حيث يتم العمل عادة على مثل هذه الإعلانات خلال فترة طويلة باعتبار أنها تهدف للوصول إلى أكبر عدد من الجمهور، وعليه لا يمكن أن يكون التزييف الحاصل في الإعلان قد سقط سهوًا.
كان من الممكن لهذا الإعلان أن يمر شأنه شأن بقية الإعلانات التي أنتجتها الشركة، في محاولاتها السابقة لنشر رسالة إيجابية في شهر رمضان، إلاّ أنها وقعت في فخ التزوير والتضليل باستغلالها لصورة، تعتبر من أهم الصور الصحفية التي توثق وتؤرخ للدموية والعنف الممارس ضد الشعب السوري من قبل نظامه الحاكم والمتحالفين معه. واختصرت بالتالي "زين" المأساة السورية في المتطرفين دينيًا، وهي صورة لا تحقق آمال السوريين ولا تعني الحقيقة دائمًا.
اقرأ/ي أيضًا:
شبيحة الأسد.. تعرف على أبرز المليشيات الأجنبية المقاتلة مع النظام السوري (1-3)
شبيحة الأسد.. تعرف على أبرز المليشيات الأجنبية المقاتلة مع النظام السوري (2-3)
شبيحة الأسد.. تعرف على أبرز المليشيات الأجنبية المقاتلة مع النظام السوري (3-3)