12-سبتمبر-2018

يمارس السيسي تفاصيل الحكم السلطوي بكل علانية مطلقة (Getty)

لا يمكن للمتابع لردود الأفعال الدولية على قرار المحكمة الجنائية المصرية التي قامت بإصدار حكم إعدام بحقّ 75 متهماً في قضية فضّ اعتصام رابعة، يوم السبت الذي وافق 8 أيلول/سبتمبر الجاري،  إلا أن يلاحظ حجم الاستنكار الدولي الكبير لهذه الأحكام.

لا يهتم نمط نظام السيسي من السلطوية الوقحة كثيرًا بالترويج لشكل حكمه، فهو لا يعنيه مظهره أمام مواطنيه أو محيطه الدولي

فقد عبّرت نجية بونعيم مديرة الحملات بشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية عن إدانتها لهذه الأحكام بقولها: "لقد صدرت هذه الأحكام بحق ما يزيد عن 700 شخص، في محاكمة جماعية مخزية، ونحن ندين حكم اليوم بأشد العبارات. ويجب ألا تكون عقوبة الإعدام خيارًا تحت أي ظرف من الظروف. فعدم تقديم ضابط شرطة واحد للمساءلة عن مقتل ما لا يقل عن 900 شخص في فضّ اعتصامي رابعة والنهضة يدلّ على مدى الاستهتار بالعدالة في هذه المحاكمة. فينبغي على السلطات المصرية أن تشعر بالخجل من هذا الأمر. ونطالب بإعادة المحاكمة أمام محكمة نزيهة، ومع الاحترام الكامل للحق في محاكمة عادلة لجميع المتهمين، دون اللجوء إلى استخدام عقوبة الإعدام".

اقرأ/ي أيضًا: بشار الأسد واعظًا.. جناية السلطة ضد النص والتفسير!

وقامت مفوّضة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه بالإعراب عن قلقها الشديد حيال هذه الأحكام، مبينة أنّها في حال تمّ تنفيذها فإنّها تُشكّل "إساءة فاضحة لتطبيق أحكام العدالة لا يمكن العودة عنها"، ومشيرة إلى ذلك التناقض الواضح بين المحاكمات الجماعية والقانون الحديث الذي تمّ إقراره في مصر، والذي يُمنح على إثره أفراد قوات الأمن حصانة كاملة تحميهم من المحاكمة على أي جرائم يُمكن أن يكونوا قد ارتكبوها، ومفصحة عن أمنياتها في أن تعيد محكمة الاستئناف المصرية النظر في حكم محكمة الجنايات وأن تضمن احترام المعايير الدوليّة للعدالة.

وإنّ تعدّد ردود الأفعال الدولية هذه، والتي أتت في معظمها بما يدين ويستنكر هذه الأحكام، إنّما تعكس نوعًا من الإجماع الدولي حول شكل النظام السلطوي الذي يترأسه عبد الفتاح السيسي اليوم في مصر.    

هذا النظام الذي يتبنى ما يُمكن تسميته بالسلطوية الوقحة، وهي السلطوية التي لا يعنيها مظهرها أمام العالم الخارجي، ولا يعنيها ما يعني بقية الأنظمة السلطوية التي تهتم بتجميل صورتها وترميمها أمام محيطها الدولي على الأقلّ.

إذ أنّ غالبية الحكومات السلطوية المعاصرة تُعنى بتجميل مظهرها أمام المحيط الدولي سواء عبر إخفاء عدائها الصريح للمؤسسات القضائية المستقلة، أو عبر السعي نحو التجمّل بإبعاد شكلي للمكوّن الأمني عن واجهة الحكم، والحكم من وراء ستار. وبينما تصرّ غالبية هذه الحكومات السلطوية على تأكيد احترامها لسيادة القانون واستقلالية القضاء، وذلك عبر إعلانها الامتناع عن التدخّل في أعمال المؤسسات القضائية والمحاكم بمختلف أنواعها ودرجاتها، وعبر إقرارها بعدم ممانعة وجود نصوص دستورية تنصّ على استقلالية المؤسسات القضائية وحياد القضاة، وترسي مبادئ الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية.

اقرأ/ي أيضًا: حتمية الحب التعيس.. العيب ليس فيكم ولا في حبايبكم!

صحيح أنّ إعلانات وإقرارات هذه الحكومات يبقى شكليًا ولا يحول دون السعي المستمرّ منها للسيطرة على القضاء وإخضاعه لسطوتها، ولا يمنع سعيها الدائم إلى الضغط على المؤسسات التشريعية وتحويلها إلى مؤسسات تقتصر في دورها على تمرير مشروعات القوانين التي تطرحها الحكومات والموافقة على كلّ ما يقرّه الحكام دون تفعيل حقيقي للوسائل والأدوات الرقابية التي تمتلكها هذه المؤسسات.

يُمارس السيسي سلطويته بارتياح مطلق وجرأة هي أقرب ما تكون إلى الوقاحة

صحيحٌ ذلك كلّه، إلا أنّ هذا النوع من الأنظمة السلطوية الذي يُمكن تسميته بالسلطوية المتوارية، يختلف، ولو ظاهريًا، عن ذلك النوع الآخر الذي يتبنى نمطًا مختلفًا من السلطوية يُمكن تسميته بالسلطوية الوقحة.
إنّ هذا النوع من الأنظمة السلطوية، الذي يُمثّله نظام عبد الفتاح السيسي اليوم، يُمارس سلطويته بارتياح مطلق وجرأة هي أقرب ما تكون إلى الوقاحة، فعوضًا على أنّ هذه الأنظمة تُظهر عداءها الصريح لوجود مؤسسات قضائية مستقلة ولا يُثنيها شيء عن التغوّل في المحاكم والتدخّل في صميم أعمالها بشتى الطرق، فإنّها كذلك تضرب عرض الحائط بكلّ القوانين واللوائح عبر إمعانها في قمع المواطنين وضبط المجتمع وعبر سعيها الحثيث إلى إخضاع المؤسسات القضائية والتشريعية معتمدة على المتاح لها من أدوات القوة الجبرية والعنف المادي.

إنّ هذا النوع من الأنظمة السلطوية الوقحة لا يهتم كثيرًا بالترويج لشكل حكمه، فهو لا يعنيه مظهره أمام مواطنيه أو محيطه الدولي، وهو لا يتأخر عن استخدام مناخ الترهيب من أجل أن يُعلن على الناس والمجتمع الدولي أنّ نظام حكم الفرد الواحد أو حكم الحزب الواحد هو ضرورة وخيار لا بدّ منه من أجل استمرار الدولة واستقرار المجتمع.

إنّه مناخ الترهيب وفزاعة الإرهاب، تلك الأداتان اللتان طالما استخدمتهما الأنظمة السلطوية في تقديم نفسها وتعريفها كحامية للأمن والأمان وضامنة للسلم والاستقرار، وهما تماماً ما يستخدمه نظام عبد الفتاح السيسي اليوم عبر تقديم نفسه ونظامه السلطوي كحامٍ للأمن والأمان وضامن للسلم والاستقرار، وعبر استخدام هذا التقديم لتبرير كلّ ممارسة سلطوية وقحة تستهدف القضاء وتتدخل في تشريعات البرلمان، وتقمع المعارضين وتحجر على الصحافة وتحتكر الحيز العام، وكلّ ذلك باسم محاربة الإرهاب والحفاظ على أمن واستقرار الدولة والمجتمع وإن كانت لا تتمّ إلا على أنقاضهما!

 

اقرأ/ي أيضًا: 

في علاقة الجزائريين بالنّوم والكسل.. أسئلة يقظة

الخطاب السياسي بين الفكر والبلاغة