30-مايو-2021

مرحلة جديدة من التصعيد الأمريكي الصيني (أ.ب)

يبدو أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ماضية في تصعيدها دبلوماسيًا مع الصين، وفقًا لعديد التقارير التي تم تداولها مؤخرًا حول طلب الرئيس الديمقراطي من هيئات الاستخبارات الأمريكية إعداد تقرير حول أصل فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19)، في الوقت الذي يتجه مجلس الشيوخ الأمريكي الذي يسيطر عليه الديمقراطيون إلى إقرار تشريعات بعشرات المليارات من الدولارات بهدف تعزيز قدرة الولايات المتحدة على التنافس مع التكنولوجيا التي تنتجها الصين.

في جديد التصعيد الأمريكي اتجاه السياسة الصينية التوسعية وجه بايدن طلبًا للهيئات الاستخباراتية الأمريكية بـ"مضاعفة جهودها" بشأن  معرفة أصول فيروس كورونا

بايدن طلب من الهيئات الاستخباراتية "مضاعفة جهودها"

في جديد التصعيد الأمريكي اتجاه السياسة الصينية التوسعية سواء أكان في شرق آسيا فيما يتعلق بمحاولة بكين فرض نفوذها على جزيرة تايوان، أو في سياق صعودها تجاريًا وتكنولوجيًا لتكون القوة الاقتصادية الأولى للعقد الجاري، وجه بايدن طلبًا للهيئات الاستخباراتية الأمريكية بـ"مضاعفة جهودها" بشأن  معرفة أصول فيروس كورونا، على أن يقدموا تقريرهم في غضون 90 يومًا، وذلك وسط انقسام يخيّم على الهيئات الاستخباراتية حول أصل الفيروس بين من يقول إنه ظهر للمرة الأولى في مختبر، وبين من يقول إنه انتقل من الحيوان إلى الإنسان.

اقرأ/ي أيضًا: ماذا وراء انفتاح الصين على رؤوس الأموال الغربية؟

ووفقًا لما تناقلت تقارير، فإن بيانًا صادرًا عن المكتب البيضاوي أشار إلى أن بايدن طلب من الهيئات الاستخباراتية تقريرًا حول إن كان الفيروس قد "ظهر نتيجة اتصال بشري مع حيوان مصاب أو إثر وقوع حادث في مختبر" في وقت سابق، وذلك بعد استلامه تقريرًا بدون أن يقدم إجابة وافية على ما يبدو في وقت سابق من الشهر الجاري، وهو الأمر الذي دفع بالرئيس الأمريكي لطلب "متابعة إضافية".

وقال بيان البيت الأبيض إن الهيئات الاستخباراتية "توافقت حول سيناريوهين محتملين، لكنها لم تتوصل إلى نتيجة نهائية حول هذه القضية"، وطالب البيان الكابيتول هيل بأن يبقى "على اطلاع كامل" على الأمر، لافتًا إلى أن واشنطن "ستتابع العمل مع الشركاء الذين يشاركونها الرأي، للضغط على الصين للمشاركة في تحقيق دولي كامل وشفاف قائم على الأدلة، وإتاحة جميع البيانات والأدلة ذات الصلة".

من جهتها اعتبرت السفارة الصينية في واشنطن أن "تسييس منشأ كورونا سيعرقل التحقيقات"، وقال بيان صادر عن السفارة الصينية للرد على المعلومات التي وردت في تقارير الهيئات الاستخباراتية الأمريكية المرتبطة بتسرّب الفيروس من أحد مختبراتها إن "القوى السياسية ركزت على التلاعب السياسي ولعبة إلقاء اللوم"، ودعت إلى إعداد "دراسة شاملة لجميع الحالات المبكرة لكورونا التي ظهرت في جميع أنحاء العالم، وإلى إجراء تحقيق شامل في بعض القواعد السرية والمختبرات البيولوجية في جميع أنحاء العالم".

ميزانية أمريكية بمئات المليارات لمواجهة صعود الصين عالميًا

تأتي توجهات إدارة بايدن للتحقيق بالأسباب التي أدت لظهور الفيروس لأول مرة، في وقت يتجه مجلس الشيوخ الأمريكي لاستئناف النظر في حزمة شاملة من التشريعات تهدف إلى تعزيز قدرة الولايات  على التنافس مع التكنولوجيا الصينية، إلا أن التشريعات التي رصد لها الديمقراطيون ميزانية تقدر بـ250 مليار دولار اصطدمت باعتراض الجمهوريين الذين أرجأوا التصويت عليها حتى يمنحوا الديمقراطيين المزيد من الوقت للنظر في تعديلاتهم المقترحة على التشريعات، على أن يتم التصويت عليها في الثامن من حزيران/يونيو القادم، وفقًا لزعيم الأغلبية الديمقراطية السيناتور تشاك شومر.

 وتهدف التشريعات الأخيرة المتوقع صدورها قريبًا إلى التصدي للصين التي دخلت في حرب تجارية مع الولايات المتحدة خلال ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب، والتي تعتبر واحدة من استراتيجية السياسة الخارجية التي يحاول إكمالها الرئيس الأمريكي الحالي (بايدن)، فضلًا عن الاتهامات المتكررة التي وجهتها واشنطن لبكين بشأن أنشطتها التجسسية على القطاع الصناعي الأمريكي، وتهديد بكين للأمن القومي الأمريكي كذلك.

وفي ذات السياق، قدمت الإدارة الأمريكية لأعضاء الكابيتول هيل مشروع ميزانيتها الدفاعية للعام القادم 2022، والتي تبلغ نفقاتها ما يصل إلى 753 مليار دولار، بنسبة تزيد على 1.7 بالمائة عن ميزانية العام الجاري، على أن يخصص القسم الأكبر من الميزانية لتطوير واختبار الأسلحة فرط الصوتية وغيرها من أنظمة "الجيل القادم"، وذلك في إطار الجهود لتطوير القدرات العسكرية الرامية لمواجهة روسيا والصين.

بايدن يبدأ حملة الضغوط التي وعد بها اتجاه الصين

التصعيد الأمريكي الأخير اتجاه الأزمة التي تسبب بها الفيروس، مع استعادة لنظرية أنه سُرِب من مختبر أبحاث، يعيدنا إلى التعهدات التي أطلقها بايدن خلال حملته الانتخابية بشأن مواجهة النفوذ الصيني المتصاعد في أنحاء العالم، والذي تظهر وتيرته بشكل متزايد في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه في شرق آسيا.

فقد جدد مسؤول إداري كبير في الإدارة الأمريكية وجهة النظر المتداولة في المكتب البيضاوي بأن فيروس كورونا ظهر لأول مرة في الصين، متهمًا الصين بامتلاكها معلومات حول أصول نشأته لكنها لم تقم بمشاركتها مع المجتمع الدولي، معتبرًا أنها تدخل في صلب المعلومات التي يحتاجونها لمنع ظهور وباء مماثل خلال الأعوام القادم، وأضاف المسؤول الأمريكي مؤكدًا لمجلة نيوزويك الأمريكية بأن واشنطن لن "تسمح للتعتيم الصيني" بتحديد الأدوات والوسائل التي تنتهجها الإدارة الأمريكية لـ"حماية الصحة العامة" للأمريكيين.

وتعليقًا على ذلك، نقلت المجلة الأمريكية أن متحدثًا باسم السفارة الصينية في واشنطن أخبرها عن تركيز "بعض القوى السياسية على إلقاء اللوم" على الصين بشأن ظهور الفيروس لأول مرة العام الماضي، معتبرًا أن تجاهل "القوى السياسية" الحاجة الملحة لمكافحة الجائحة العالمية، وكذلك تجاهلها التعاون على المستوى الدولي للتصدي لها، كانا السبب وراء ما وصفه بـ"الخسائر (البشرية) المأساوية"، داعيًا إلى الاستفادة من "درس" المعركة الجيوسياسية التي بدأها ترامب ضد الصين العام الماضي.

وعادت التقارير الأمريكية التي تطلب التحقيق بأصل الفيروس للظهور مجددًا، بعد المعلومات التي تضمنها التقرير الصادر عن البعثة المشتركة بين منظمة الصحة العالمية والصين في آذار/مارس الماضي، والذي أشار إلى أن الفيروس ربما انتقل من الخفافيش إلى الإنسان عبر حيوان آخر، فضلًا عن أن "نشأته من خلال حادث بمختبر تعد أمرًا غير مرجح إلى حد بعيد".

وعلى الرغم من تأكيد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس أن نظرية تسرّب الفيروس من المختبر هي الأقل احتمالًا حتى الآن، فإنه دعا إلى إجراء المزيد من التحققات من أجل الوصول إلى أدلة تستبعد نظرية تسرّب الفيروس من المختبر الصيني بشكل نهائي.

وكانت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية قد نشرت قبل أيام تقريرًا بالاستناد إلى تقرير استخباراتي أمريكي، يتحدث عن نقل ثلاثة باحثين من مختبر ووهان إلى المستشفى بعد ظهور "أعراض مشابهة" لفيروس كورونا في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2019، أي قبل شهر واحد من تأكيد أول إصابة بالفيروس في الثامن من كانون الأول/ديسمبر من العام عينه، لكن الصحيفة الأمريكية أشارت كذلك إلى أن هذه الأعراض قد تكون أيضًا ناجمة عن "العدوى الموسمية" التقليدية.

هل تؤدي أزمة أصول فيروس كورونا إلى حرب باردة جديدة؟

يشير تقرير من إعداد شبكة CNN الأمريكية إلى أن الدعوات الأمريكية المتزايدة بشأن معرفة الأسباب التي أدت إلى ظهور الفيروس قد يكون لها تداعيات على السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة، والتي تأتي في سياق سياسة الرئيس السابق ترامب من جهة، والرئيس الحالي بايدن من جهة أخرى، حول حملة الضغوط على الصين أولًا، وتحديد نشأة الجائحة العالمية ثانيًا، كما أنها ستثير المزيد من الشكوك حول قدرة منظمة الصحة العالمية على استنباط الدروس من الأزمة الحالية من أجل منع ظهور الأوبئة على المستوى العالمي في المستقبل.

ووفقًا لـCNN فإن تركيز الإدارة الأمريكية على نظرية ظهور الفيروس لأول مرة في مختبر ووهان الصيني قد يؤدي إلى تزايد الأصوات التي تطالب الإدارة الأمريكية بمعاقبة الصين على ذلك، حتى قبل معرفة الأسباب الكاملة وراء أصول الفيروس وطريقة نشأته، إلا أن تداعياتها ستنعكس بطبيعة الحال في تصعيد دبلوماسي قد تنجم عنه مواجهة جيوسياسية من الممكن أن تؤدي إلى حرب باردة جديدة، ستكون هذه المرة بين الولايات المتحدة والصين.

لكن المحاولات الحثيثة للإدارة الأمريكية من أجل معرفة الإجابة على السؤال المرتبط بأصول الجائحة العالمية ستكون مهمة صعبة، نظرًا لوجود العديد من الأسباب التي ستدفع بالصين لإخفاء أي أدلة تربطها بأصول الفيروس، ويعود ذلك إلى أن أي دليل يربطها بأصول الفيروس سيؤثر على صورتها كقوة دولية صاعدة اقتصاديًا وتكنولوجيًا وسياسيًا على المستوى العالمي، بعدما سجل حتى الآن إصابة أكثر من 170 مليون شخص، ووفاة أكثر من 3.5 مليون على مستوى العالم.

وتوضح الشبكة الأمريكية في تقريريها أن الرئيس الصيني والأمين العام للحزب الشيوعي الصيني الحاكم شي جين بينغ لا يملك أي وقت لإظهار الشعور بـ"الذنب" بسبب ظهور الفيروس لأول مرة في الصين، وترجع CNN سبب ذلك إلى تركيز جين بينغ على واحدة من القضايا التي يروج لها حاليًا، والتي تدور في إطار أن حكم الحزب الواحد يتوافق بشدة مع السياسة العالمية للقرن الـ21 بدلًا من أنظمة الحكم الديمقراطية، وهو ما تعهد بايدن خلال حملته الانتخابية بمواجهته في مقابل تعزيز أنظمة الحكم الديمقراطية.

وعلى الرغم من أن إدارة الرئيس السابق ترامب قد بدأت بإجراء تحقيق حول أصول الفيروس في الأيام الأخيرة من فترة ولايته التي كان يقضيها في البيت الأبيض، فضلًا عن تكرار اتهامه للصين بالوقوف وراء انتشار الوباء عالميًا، فإن إدارة بايدن قامت بعد توليها مهامها رسميًا بإغلاق التحقيق الذي بدأته إدارة ترامب، وفيما بررت وزارة الخارجية الأمريكية في عهد بايدن إغلاقها التحقيق بسبب اكتماله، فإن مصدرين اثنين أبلغا CNN بأن التحقيق كان يحتاج المزيد من العمل لإثبات أن الصين هي من يقف وراء ظهور فيروس كورونا.

وتحدث المصدران عن أن التحقيق الذي كانت تعمل عليه إدارة ترامب كان يهدف إلى الحصول على جميع الاستنتاجات، قبل أن يقوم بعد ذلك باختيار أكثر الاستنتاجات قربًا من وجهة نظر ترامب إلى جانب الجمهوريين المرتبطة بأن الصين هي من يقف وراء ظهور الفيروس، وزاد عليها قرار إدارة ترامب بانسحاب واشنطن من منظمة الصحة العالمية بسبب خضوعها لـ"سيطرة" الصين.

المحاولات الحثيثة للإدارة الأمريكية من أجل معرفة الإجابة على السؤال المرتبط بأصول الجائحة العالمية ستكون مهمة صعبة، نظرًا لوجود العديد من الأسباب التي ستدفع بالصين لإخفاء أي أدلة

وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت انضمامها مجددًا لمنظمة الصحة العالمية بعد فترة قليلة من تولي إدارة بايدن مهامها في البيت الأبيض، وذلك على الرغم من حالة القلق التي تسود في إدارة بايدن بشأن الهيكلية التنظيمة للمنظمة العالمية في وضعها الحالي، في ظل وجود مخاوف من إن كانت تتمتع بثقل دبلوماسي يمنحها القدرة على إجراء تحقيق شفاف ومستقل بدون أن تعمل الصين على عرقلته.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"الحل الصيني" يُزاحم أمريكا ببطء على قيادة العالم

أمريكا "الحمائية" ونسخة الصين من الأسواق المفتوحة.. العولمة إذ ترتبك