21-يوليو-2017

لم تلتزم الموازنة المصرية هذا العام بالنسب الدستورية الخاصة بالتعليم والصحة والبحث العلمي (خالد دسوقي/أ.ف.ب)

منذ بداية شهر تموز/يوليو الجاري، نشرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إحدى منظمات المجتمع المدني، مجموعة من التحليلات المبسطة المصورة للموازنة العامة للدولة تكشف بها أولويات الحكومة المصرية في إطار حملة "أين تذهب أموالنا هذا العام؟"، التي تتركز على موازنة العام المالي الحالي 2017/2018.

مررت الموازنة العامة المصرية لهذا العام رغم عدم التزامها بالنسب الدستورية الخاصة بالتعليم والصحة والبحث العلمي

الموازنة العامة جرى تمريرها عبر البرلمان المصري أواخر حزيران/يونيو الماضي، رغم الانتقادات الموجهة إلى الحكومة بشأن عدم الالتزام بالنسب الدستورية الخاصة بالتعليم والصحة والبحث العلمي، لتنضاف شبهة عدم دستورية موازنة الدولة إلى شبهات دستورية أخرى تلتصق بسياسات نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي. لذلك، عملت الحملة التي دشنتها المبادرة المصرية على تتبع الإنفاق الحكومي من أجل تقديم إجابات عن مجموعة من التساؤلات المحيرة التي تشغل بال المصريين، في مقدمتها، التساؤل الخاص بالزيادة المتواصلة لعجز الموازنة عامًا بعد عام وتضاعف الدين الحكومي، رغم إعلان الحكومة المتكرر عن خطط لخفضهما، وتساؤلات أخرى حول مصير كل تلك المليارات المقترضة من الدول الأجنبية والمصارف الدولية، وإلى أين تذهب أموال المصريين إذا كانت الحكومة لم ترفع مخصصات التعليم والصحة؟

تقوم تلك التحليلات المصورة على أساس توضيح أن الإنفاق الذي توجهه الحكومة إلى الموازنة العامة يأتي من جيوب دافعي الضرائب من المصريين، وبالتالي فمن حقهم معرفة كيف تنفقه الحكومة"، وفقًا لعبد الحميد مكاوي الباحث بالمبادرة المصرية. وتستقصي الحملة أهم ملامح الإنفاق الحكومي، أي الأولويات الفعلية لدى الحكومة، وأبعاد العدالة الاقتصادية والاجتماعية في الموازنة، ومقارنتها بالسنوات الماضية لمعرفة وتحديد اتجاهات الإنفاق العام على مدار زمني طويل، وذلك بالتركيز على ملفات الدعم والتعليم والصحة وأجور الموظفين الحكوميين والاستثمارات والضرائب وغيرها مما يهم المواطنين. "قل لي في جيب من تضخ الحكومة المليارات، أقول لك أين هي أولوياتها الحقيقية"، تقول سلمى حسين الباحثة في العدالة الاقتصادية والاجتماعية بالمبادرة المصرية.

اقرأ/ي أيضًا: خصخصة المرافق العامة في مصر.. طحن ما تبقى

أولويات الحكومة.. تصحيح الأخطاء

أكبر الزيادات التي طرأت على الإنفاق الحكومي في مصر، خلال العام المالي الحالي، كانت من نصيب فوائد الدين وأقساط القروض

اعتمدت التحليلات التي قدمتها الحملة بشكل أساسي على البيانات الحكومية المنشورة عن الموازنة العامة، وهي الخطوة التي اعتبرتها المبادرة "هامة في اتجاه الشفافية وبدونها لم يكن هذا العمل ممكنًا". وأوضحت بيانات المبادرة أن أكبر الزيادات التي طرأت على الإنفاق الحكومي، خلال العام المالي الحالي، كانت من نصيب فوائد الدين وأقساط القروض، حيث تضاعف الإنفاق على قطاع الخدمات العامة في الموازنة نتيجة ارتفاع مدفوعات الفوائد على الدين الحكومي إلى الضعف تقريبًا، مقارنة بالعام 2014-2015.

وتعتزم الحكومة أن يصل إجمالي الإنفاق العام في الموازنة الجديدة إلى 1488 مليار جنيه. يذهب ما يقرب من ثلث هذا المبلغ إلى خدمة الدين، في شكل أقساط وفوائد، كما توضح تحليلات المبادرة المصرية. وبلغت مخصصات الفوائد على الدين في هذه الموازنة نحو 380 مليار جنيه، أي أنها تعادل نحو ثلث الإنفاق الحكومي، وما يقرب من 40% من إيراداتها المتوقعة خلال نفس العام.

أسباب ذلك تعود إلى الشرط الأساسي الذي وضعه صندوق النقد الدولي لتحصل مصر على قرض بقيمة 12 مليار دولار، وهو خفض سعر الجنيه أمام الدولار، لتكون النتيجة المنطقية لهذا القرار مضاعفة المبالغ المطلوبة من الحكومة إنفاقها لسداد فاتورة الواردات، وهو ما يفسّر زيادة مخصصات الدين والقروض في الموازنة الجديدة.

ورغم الحملات الحكومية لتصدير نجاحها المزعوم في خطة "الإصلاح الاقتصادي" التي تنتهجها، يبقى الأمر الواقع المعاش أصدق إنباءً عن حال المصريين بعد 4 سنوات من بداية تطبيق الخطة ودعوات الرئيس عبد الفتاح السيسي للمصريين بالتحمل والصبر، حيث تؤكد بيانات المبادرة على حقيقة أن كل ما تحمّله المصريين طوال 4 سنوات ذهب هباءً، بسبب التعويم.

اقرأ/ي أيضًا: 102 مليار دولار ديون مصر الخارجية.. فلنسأل السيسي!

أولويات الحكومة

الكهرباء.. فشل كبير

رغم ارتفاع سعر فواتير الكهرباء المطالب المصريين بسدادها كل شهر، مع استمرار الحكومة في خطتها الساعية لرفع الدعم نهائيًا عن الكهرباء خلال سنتين،  تزداد قيمة الدعم الذي توجهه الحكومة إلى الكهرباء في العام المالي 2017-2018 إلى 30 مليار جنيه، ما يعني فشل خطة تحرير أسعار الكهرباء التي تبنتها الحكومة خلال السنوات الخمسة الماضية.

وأوضحت المبادرة أن الهدف المبدئي الحكومة كان تحرير المليارات التي تذهب كل عام لدعم الكهرباء، من أجل توجيه جزء منها إلى قطاعات أخرى أولى بالدعم ومن أجل تخفيض عجز الموازنة. ولكن ما حدث نتيجة قرار تعويم الجنيه والتزام الحكومة بخطة صندوق النقد الدولي، جعل المواطنين عرضة لتحمّل فواتير مضاعفة، وضاعف كذلك من فاتورة الدعم المقدم حكوميًا مقارنة بما كان عليه عند بداية الخطة أيام رئيس الوزراء السابق إبراهيم محلب، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى زيادة عجز الموازنة بدلًا من تقليلها.

التعليم.. أقل من نصف المطلوب

طوال ثلاث سنوات، منحها الدستور كمهلة للتوافق حول الحد الأدنى للإنفاق على التعليم، كانت الحكومة المصرية تسير في الاتجاه المضاد، بحسب ما تقول المبادرة المصرية، فقد تناقصت نسبة الإنفاق العام الموجهة إلى التعليم ، بدلًا من أن تزيد. ومنذ العام الماضي، صارت الحكومة المصرية ملزمة، وفقًا للميزانية العامة المعتمدة، بإنفاق ما نسبته 4% من الناتج المحلي الإجمالي على التعليم المدرسي، مع مدّ التعليم الأساسي إلى شهادة الثانوية العامة، بدلًا من الإعدادية. كما كان عليها أن ترفع الإنفاق الحكومي على التعليم الجامعي إلى 2% من الناتج المحلي.

ولكن في العام التالي من الاستحقاق الدستوري، نجد أن مجموع الإنفاق على التعليم بأنواعه، الأساسي والجامعي، لا يصل إلى ما يلزم للتعليم المدرسي وحده. يأتي ذلك وسط تلميحات وإشارات متواترة تخرج من مسؤولين رسميين تفيد باتجاه الحكومة لرفع يدها تدريجيًا عن دعم التعليم وربطه على المدى المتوسط بالتفوق الدراسي، مع التوسع في إنشاء المدارس النوعية والكليات العملية التي تتطلب مصروفات لا تستطيع أغلب الأسر المصرية تحمّلها.

التعليم

الصحة.. الهدف يبتعد

توضح بتحليلات المبادرة أن نسبة الإنفاق العام على الصحة تقل هذا العام عن العام المالي الماضي، لتبتعد أكثر فأكثر عن النسبة التي حدّدها الدستور كحد أدنى، والتي يجب على الحكومة أن توفرها لعلاج المواطنين، حيث بلغت نسبة الإنفاق الحكومي على الصحة التي تنعكس بشكل مباشر على الخدمة المقدمة للمواطنين 1.34% من الناتج المحلي الإجمالي المتوقع للعام المالي 2017-2018، وهي النسبة التي تعد أقل من نصف الاستحقاق الدستوري البالغ 3%، بحسب ما رصدته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.

وتشير المبادرة إلى محاولة الحكومة التملص من هذا الالتزام عبر اعتماد طريقة حساب خاطئة لتضخيم الرقم بشكل مفتعل، من خلال إضافة بنود أخرى مثل الصرف الصحي والفوائد على الدين العام، لتظهر البيانات الرسمية أن الإنفاق على الصحة خلال العام المالي الحالي يبلغ 105.22 مليار جنيه أي ما يعادل 3.1% من الناتج المحلي الإجمالي. ويرى علاء غنام، مسؤول وحدة الحق في الصحة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أنه كان أولى بالحكومة زيادة الإنفاق على تحسين البنية التحتية للمؤسسات العامة، وتحسين هيكل الأجور العام لمقدمي الخدمة في المستشفيات الحكومية، وهو ما لم يحدث، معتبرًا أن تدني الإنفاق العام يعد انتهاكًا للحق في الصحة، وانتهاكًا العدالة الاجتماعية في الصحة، وهي إتاحة الخدمة للناس كلها بغض النظر عن قدرتهم على دفع مقابل الخدمة.

الصحة

دعم الطاقة.. غير عادل

كان خلاصة تحليلات المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أن السياسات الحكومية المتخذة مؤخرًا غير عادلة اجتماعيًا وغير رشيدة اقتصاديًا

السبب الرئيسي الذي أورده مسؤولو الحكومة المصرية لتعليل قرار رفع أسعار الوقود أواخر الشهر الماضي، كان زيادة فاتورة دعم الطاقة التي وصلت إلى أكثر من 100 مليار جنيه بعد انخفاض قيمة الجنيه بسبب قرار الحكومة تعويمه أواخر عام 2016. يعادل هذا المبلغ المطلوب للالتزام بالحد الأدنى الدستورى للإنفاق على التعليم والصحة مجتمعين، كى تستطيع الحكومة تحسين نوعية التعليم في مدارسها وجامعاتها، وكذلك نوعية الخدمة العلاجية التي تقدمها للمواطنين. فمن هم أولئك الذين فضلتهم الحكومة على أبنائها في التعليم، وأبنائها من المرضى؟، تتساءل سلمى حسين الباحثة بالمبادرة.

هذا المبلغ الضخم حاولت المبادرة تتبع مساره والمستفيدين منه، فأوضحت أن القطاع العائلي لا ينتفع إلا بعشرين مليار بشكل مباشر بينما يذهب الباقي كله إلى المنتجين. يحصل قطاع الكهرباء على منتجات البترول المدعمة، ويستفيد القطاع العائلي أيضًا من نصف الكهرباء المنتجة، وتحصل صناعات التكرير على البترول مدعمًا، حتى القطاع الخاص، كما يحصل قطاع النقل والسياحة على الوقود مدعمًا وكذلك الصناعات كثيفة الطاقة. معظمم هؤلاء المنتفعين لم تشملهم قرارات رفع أسعار الطاقة، بحسب ما أتيح من بيانات رسمية منشورة وتصريحات صحفية، وهو ما تعتبره الباحثة الاقتصادية دليلًا على سياسات حكومية غير عادلة اجتماعيًا وغير رشيدة اقتصاديًا. وترى أنه كان من الممكن أن تتفادى الحكومة هذه الزيادة الأخيرة في أسعار الطاقة التي فرضتها على المواطنين، من خلال تطبيق نفس الإجراءات ولكن بنسب تصاعدية بحيث تتحمل الفئات الأغنى نصيبًا أكبر فى زيادة الأسعار بدلاً عن الفئات الأفقر.

دعم الطاقة

اقرأ/ي أيضًا:

رفع الدعم عن المواد الأساسية.. هل هلع المغاربة مشروع؟

تأجيل تعويم الدرهم في المغرب يكشف مافيا تجار العملات