06-مارس-2017

تتراكم ديون مصر من دون أي رؤية للحكومة في الإصلاحات (كريس مغراش/Getty)

أعلن صندوق النقد الدولي تأجيل زيارة بعثة الخبراء الخاصة بإجراء المراجعة الأولى لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع السلطات المصرية والتي كانت مقررة في شباط/فبراير المنقضي، لإجراء المراجعات الاستباقية لصرف الشريحة الثانية من قرض الصندوق، والمقدرة بنحو 1.25 مليار دولار.

تأجيل زيارة بعثة النقد الدولي إلى مصر وصرف الجزء الثاني من القرض يعود لعدم التزام الحكومة المصرية بعدد من الاتفاقيات

من جانبها، أرجعت الحكومة المصرية قرار الصندوق إلى انشغالها بإعداد موازنة العام المالي 2017/2018، لكن خبراء اقتصاديون أشاروا إلى أن الأسباب الحقيقية لتأجيل زيارة البعثة تعود إلى عدم التزام الحكومة المصرية بالاتفاقيات الخاصة مع صندوق النقد التي أقرّها بعد استلام الدفعة الأولى من القرض في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، معطوفًا على فشل الحكومة في تنفيذ إجراءات رفع الطاقة، وتعديل قانون الضرائب الجديد والذي يشتمل على بدء تنفيذ ضريبة الدمغة على تداولات البورصة أو الأرباح الرأسمالية، وعدم إقرار قانون الاستثمار، وتأخر طرح الشركات الحكومية في البورصة.

اقرأ/ي أيضًا: هل بدأت الحرب الباردة بين مصر والسعودية؟

في سياق متصل، توقع صندوق النقد الدولي، في أحدث تقاريره عن مصر، عددًا من المشكلات التي قد تواجه البرنامج المصري، وتتمثل في اتساع الفجوة التمويلية بمقدار نحو 35 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة، ليصبح إجمالي الدين الخارجي المصري 102 مليار دولار ولتصل تلك الديون إلى أكثر من ربع الناتج المحلي المصري بحلول عام 2020. وأوضح التقرير وجود مخاطر جدية في قدرة مصر على الوفاء بسداد القروض، رغم إشارة التقرير إلى أن البنك المركزي المصري ووزارة المالية وقعا مذكرة تفاهم بمسؤوليات كل منهما لضمان سداد القروض. وكان أشرف العربي وزير التخطيط السابق قد قدَّر الفجوة التمويلية خلال 3 سنوات مقبلة، بنحو 30 مليار دولار، وذلك في آب/أغسطس من العام الماضي.

وأضاف التقرير أن تمويلات برنامج القرض مؤمنة فقط حتى نهاية العام المالي الحالي 2016/2017، لكن تمويلات إضافية بحاجة للتأمين للأعوام 2017/2018 و2018/2019. وكانت مصر قد أمَّنت قبل موافقة الصندوق على القرض مبلغ 6 مليارات دولار من قروض ومنح ثنائية من دول ومؤسسات دولية، وتنتظر مصر تلقي 4 مليارات من الصندوق كشريحة ثانية للقرض، ومليارًا ونصف مليار أخرى من البنك الدولي، والتي تمت في بورصة لوكسمبورج، لدعم تلك الأرصدة في إطار خطة زيادة موارد احتياطيات مصر الدولية، التي تمت تغطيتها ثلاث مرات من قبل المستثمرين لتصل إلى نحو 12 مليار دولار.

وكان عمرو الجارحي، وزير المالية المصري، كشف أنه دخل حسابات الحكومة 4 مليارات دولار، من حصيلة طرح السندات الحكومية المصرية في الأسواق الدولية، مؤكدًا أن هذا الطرح هو الأكبر في تاريخ مصر والقارة الإفريقية، بحجم طلبات كبيرة في الثلاث شرائح التي تم إصدارها، ويدعم أرصدة الاحتياطي من النقد الأجنبي لدى البنك المركزي المصري.

اقرأ/ي أيضًا: زيادة التعريفة الجمركية في مصر: مزيد من الركود

يتفق كثيرون على أن الدولة المصرية دخلت مرحلة مربكة مع استمرار التخبط في اتخاذ قرارات اقتصادية غير مدروسة، ما يُصعِّب على الخبراء والمسؤولين توقُّع ما سيحدث خلال الفترة القليلة المقبلة، وهذا بسبب عدم اتضاح رؤية الحكومة واستراتيجيتها لخريطة الإصلاح الاقتصادي وتحديد مصادر سداد تلك الديون الخارجية مستقبلًا في أوقات استحقاقها.

تتسع الفجوة التمويلية بمقدار نحو 35 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة، ليصبح إجمالي الدين الخارجي المصري 102 مليار دولار

وبحسب شريف دولار، الخبير الاقتصادي الدولي، فإن المشكلة لا تكمن في ارتفاع حجم الدين الخارجي، ولكن في غياب أي رؤية لدى الحكومة المصرية لمصادر سداد هذه القروض. ويرى دولار أن استمرار الاقتراض يثير المخاوف والقلق لأن الدولة تقريبًا استنفذت كل المؤسسات المالية الدولية إلى أن وصلت إلى حد الاستدانة من الأفراد والمؤسسات الخاصة التي لا تتبع حكومات دول بعينها ولكنها تتبع مُلّاكها ما قد يُعرِّض الدولة لمخاطر أكبر. وأبدى الخبير الاقتصادي اعتراضًا كبيرًا على سعر الفائدة التي حددتها الحكومة في طرحها للسندات الدولارية الأخيرة والتي وصلت إلى 58%، كما لفت النظر إلى أنه في حال امتلاك شخصيات اعتبارية لمديونية دولة، فإنه سيصبح من الصعب التفاوض معها في حال حدوث أي تعثر، ما يجعل حلولًا أخرى غير الاقتراض هي الأكثر مناسبة في الوقت الحالي التي يعتبر أحدها هو استغلال حقيقي للأصول غير المستغلة المملوكة للدولة المصرية.

ومن المتوقع أن تُصرف كل المديونيات على استكمال "المشروعات القومية" للحكومة التي تحتاج إلى المزيد من التمويل، بالإضافة إلى الالتزامات الحكومية من استيراد السلع الأساسية والإسترتيجية، ما يجعل توقعات صندوق النقد بزيادة حجم الدين الخارجي لمصر إلى 100 مليار دولار رقمًا مقبولًا ولا يحمل أي مبالغات. وترتبط جميع توقعات تحسُّن الأداء الاقتصادي المصري باكتشافات الغاز الطبيعي في البحر المتوسط ومناجم الذهب التي يجري استدعاء شركات تنقيب أجنبية لاستكشافها، وفي حالة حدوث هذا فإن هذه الاكتشافات الجديدة ستوفرّ غطاءً ماليًا لسداد الديون المستحقة السداد بفوائدها.

ويزداد الدين الخارجي لمصر بنفس قيمة الزيادة في عجز ميزان المدفوعات (الفرق بين الصادرات والواردات)، ويبلغ الدين العام حاليًا 200% من إجمالي الناتج المحلي، وهي مرحلة تحتاج لدق ناقوس الخطر للانتباه إلى تلك الزيادات الهائلة بدون أن يتبعها نمو حقيقي يمتصّ تلك الأعباء، فمن المفترض أن يدور حول مستوى الـ 60% فقط، وهو ما يذكّرنا بتجارب دول سابقة تفاقمت ديونها إلى حد إعلانها الإفلاس مثل اليونان والأرجنتين.

اقرأ/ي أيضًا:

أسواق بقايا الطعام في مصر: كل ما تبقى للفقراء

أماني الخياط.. بوق السيسي لإسكات فقراء مصر