12-يوليو-2017

يخشى مراقبون من أن يشهد المغرب مضاربات محتدمة تعمّق من تداعيات تحرير الدرهم (عبد الحق سنا/أ.ف.ب)

"مصائب قوم عند قوم فوائد"، فإذا كان قرار تحرير العملة المغربية من شأنه أن يرتد سلبًا على القدرة الشرائية للمواطنين ويخلق أزمات اقتصادية، فإنه من جهة أخرى يمثل بالنسبة لتجار العملات فرصة تبيض ذهبًا، لولا أن رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني فاجأ الرأي العام في المغرب بإرجاء عملية تعويم الدرهم المغربي إلى وقت لاحق، مما أدخل بعض الارتياح على المتخوفين من تداعيات القرار الاقتصادية، فيما خابت آمال مافيا المضاربات، التي كانت تستعد لهبوط سعر الدرهم أمام الدولار بعد التعويم، من أجل بيع العملة الصعبة والتربح من ورائها.

يرجع محللون إرجاء تعويم الدرهم المغربي إلى الاحتجاجات الاجتماعية الساخنة التي تشهدها منطقة الريف وخوفًا من تأجيل الاحتقان الشعبي

اقرأ/ي أيضًا: تعويم الدرهم: في أي سياق وأي تداعيات ينتظرها المواطن المغربي؟

خلفيات قرار تأجيل التعويم

واتخذ العثماني رئيس حكومة المغرب قرار التأجيل، بطلب من وزير الاقتصاد والمالية محمد بوسعيد، دون أن يتم تحديد الموعد الجديد لتفعيل قرار تعويم الدرهم المغربي، حيث سيتم الانتقال من سعر الصرف الثابت إلى سعر الصرف المرن بشكل تدريجي، يبدأ في المرحلة الأولى بفرض البنك المركزي حدودًا عليا ودنيا لسعر صرف الدرهم، ويتدخل في حالة تجاوزها، حيث سيتوسع الهامش من 0.3%  كما هو الأمر حاليًا، إلى 5% نزولًا وصعودًا، أي أن قيمة الدرهم يمكن أن ترتفع بنسبة 2.5% أو تنخفض بنفس النسبة عن السعر المحدد من قبل بنك المغرب.

ولم يكشف سعد الدين العثماني دواعي إرجاء تعويم الدرهم المغربي، إلا أن بعض المحللين يرجعون الأمر إلى تزامن هذا القرار الصعب مع الاحتجاجات الاجتماعية الساخنة التي تشهدها منطقة الريف، إذ يمكن لتداعيات تحرير الدرهم المغربي الاقتصادية على المواطنين المغاربة، أن تؤجج من الاحتقان الشعبي.

بينما رأى آخرون أن قرار تأجيل تحرير عملة المغرب، جاء لأسباب تتعلق بمدى جاهزية النظام النقدي المغربي للتغيرات التي قد تطرأ إثر عملية التحرير، ولا سيما بعدما تبين أن هناك نشاطًا غير معهود لمضاربات في السوق السوداء تهم العملة الصعبة، وهو ما كان سيخلف خسائر فادحة للاقتصاد المغربي.

مافيا المضاربات تتكبد خسائر بسبب تأجيل تعويم الدرهم

في نظام الصرف المرن تصبح الأموال ذاتها خاضعة لقاعدة العرض والطلب في سوق الصرف، فترتفع قيمتها وتنخفض حسب درجة الإقبال عليها، ولأن المغرب لا يتوفر على اقتصاد متين يقوم على التصدير، فإن عملية تحرير الدرهم المغربي من شأنها أن تتسبب في انخفاض قيمته أمام الدولار، العملة الصعبة التي يحتاجها الناس للتعامل المالي خارج البلاد.

ومن ثمة انكب الكثير من الأفراد والمقاولات البنكية بكثافة على شراء الدولار من مكاتب الصرف واستعرت المضاربات، تحسبًا لهبوط قيمة الدرهم المغربي بعد التعويم، بغرض بيع الدولارات المشتراة سابقًا بسعر أعلى بعد انخفاض قيمة الدرهم، وبالتالي التربح من عمليات تحويل العملات الصعبة إلى العملة المحلية، دون مجهود وفي وقت وجيز.

بيد أن تأجيل تحرير الدرهم بشكل مفاجئ، كبّد تجار العملة في السوق السوداء من المضاربين والوسطاء خسائر كبيرة، بعد أن راهنوا على انخفاض وشيك للعملة المحلية، يجعلهم يتكسبون أرباحًا كبيرة من بيع الدولار على الشاكلة المصرية، قبل أن تخيب آمالهم بإرجاء التعويم إلى أجل غير مسمى، ومن ثمّة سيضطر الكثير من تجار العملات إلى بيع دولاراتهم بخسارة، كما ستتوقف شهية المضاربين عن شراء الدولار.

وأشاد اقتصاديون بقرار بنك المغرب تأجيل تحرير الدرهم لكسر طمع تجار العملات، وعلّق على ذلك الناطق الرسمي باسم حزب الاستقلال، عادل بنحمزة، في تدوينة له على "فيسبوك" قائلاً: " تأجيل تعويم الدرهم كشف أننا أمام عصابة مالية و بنكية ولسنا أمام مؤسسات مهنية مواطنة".

تأجيل تحرير الدرهم بشكل مفاجئ، كبّد تجار العملة في السوق السوداء من المضاربين والوسطاء خسائر كبيرة

اقرأ/ي أيضًا: الفوسفات.. الثروة المهدورة في المغرب

المضاربات تهدد عملية تحرير الدرهم

على الرغم من تفادي تداعيات استعار المضاربات بالعملة بعد إرجاء عملية تعويم الدرهم، إلا أن المغرب سيشرع في تنفيذ هذا القرار عاجلاً أم آجلاً، وعليه فإن تهديد المضاربات لسلاسة تحرير العملة سيظل قائمًا، حيث هناك الكثير من تجار العملة، الذين لن يفوتوا فرصة التربح من بيع الدولار عندما تنخفض قيمة الدرهم بعد التعويم، رغم تطمينات البنك المركزي باتخاذه الإجراءات اللازمة، للحيلولة دون حصول اختلالات.

ويخشى مراقبون من أن يشهد المغرب مضاربات محتدمة تعمّق من تداعيات تحرير الدرهم، وتستنفذ احتياطي العملة الصعبة للبلد جراء استعار تجارة العملات، على غرار ما حصل في مصر بعد تعويم الجنيه، حيث انخرط العديد، أفرادًا ومجموعات، في عمليات للمتاجرة بالدولار بغرض التربح من وراء هبوط سعر الجنيه المصري، ما تسبب في نزيف كثيف لمخزون العملة الصعبة في البلاد، إذ تراجعت احتياطاتها من النقد الأجنبي من أكثر من 36 مليار دولار في بداية 2011 إلى قرابة 16 مليار دولار في سنة 2016، بالرغم من المساعدات الخارجية التي حصلت عليها الحكومة المصرية من دول الخليج والتي تناهز 20 مليار دولار.

وقد دفع ذلك مصر إلى اتخاذ إجراءات مشددة للحد من تجارة العملات خارج القنوات الرسمية، إلا أنها لم تنجح رغم ذلك في القضاء تمامًا على السوق السوداء، حيث ابتدعت مافيا تجار العملات طرقًا ملتوية، تتيح لهم كسب الأموال من بيع الدولار.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"طنجة تيك".. ماذا وراء تدفق الاستثمارات الصينية نحو المغرب؟

الجفاف كابوس الاقتصاد بالمغرب