17-مايو-2018

عمل فني بعنوان الكاتب لـ جيانكارلو نيري

صادفت الفترة التّي بدأتُ فيها كتابة روايتي "ندبة الهلالي: من قال للشّمعة أحْ؟" رحيلَ أبي منتصف عام 2005. فتوقّفتُ عن كتابتها سبع سنواتٍ، ثم عدت إليها فأكملتها في فترة حزينة أخرى من عام 2012. وفي الفترتين وجدت مرافقةً معنويّةً من شخوصها، الذين هم خيال في خيال ما عدا بعضهم. لقد أحببتهم وأحبّوني. وحقنوني بجرعةٍ كافيةٍ من الأمل والرّغبة في مواصلة مشوار الكتابة والحياة..

صادفت الفترة التّي بدأتُ فيها كتابة روايتي "ندبة الهلالي: من قال للشّمعة أحْ؟" رحيلَ أبي منتصف عام 2005

كنت أحدّث بعضهم في طريقي، حتى أنّي دفعت عنهم تذاكر الحافلة مرّةً، فنبّهني القابض: أين المعنيون بالتّذاكر الأخرى؟ لم أعرف كيف أشرح له الأمر، فعلّق مازحًا أو جادًّا: "الشّعب كامل هبل".

اقرأ/ي أيضًا: مكتبة روزا ياسين حسن

كان عليّ ذات يوم أن أغادر خلوتي الرّوائية في مقرّ دار "فيسيرا" للنّشر في مدينة بودواو، إلى موعدٍ أكيدٍ في الجزائر العاصمة. وبينما أنا في محطّة الحافلات، لمحت عيناي فتاةً تشبه تمامًا "حياة" إحدى شخصيات الرّواية. مارستُ في حياتي تعجّباتٍ كثيرةً في حياتي، لكنّ التعجّب الذي مارسته لحظتها كان صاهلًا مثل حصان تمكّن من مغادرة الإصطبل إلى البريّة.

كانت تتحدّث في الهاتف، فلم تنتبه إلى عينيّ وقد اختصرتا العالم فيها. صعدتْ إلى الحافلة المتوجّهة إلى مدينة ذراع الميزان، فركبت خلفها مباشرةً، رغم أنّ وجهتي في العكس تمامًا، مع تأكيدي على أنّ الموعد، الذي أخرجني من خلوتي كان أكيدًا فعلًا. سعدت بكون مقاعد الحافلة ملأى بما يسمح لي بمواجهة ملامحها وهي واقفة في الرّواق، وابتسمت في أوجه الشّباب الجالسين لأنهم لم يقوموا لها، كما هو معمول به في الحافلة الجزائريّة، إذ كنت سأبغض من يفعل ذلك كما يبغض أحدُنا قاتلَ عزيز عليه.

قبضتْ بيدها على العمود الحديديّ، حتّى تتفادى السّقوط، فقد كانت الحافلة تواجه حفرًا غير مبرّرة في طريق لم يمضِ عامان على تعبيده. فتمرّدت عليّ يدي وانساقت إلى عمود الحديد. كيف تُسمّى يد تفعل ذلك، رغم أنّ العقل نبّهها إلى مشكلة واردة الحدوث؟ تنتابني رغبة جموح، هذه الأيّام، في الكتابة عن اللّحظات التي تمرّدت عليّ فيها أعضائي.

لقد كان عقلي يصرخ، بينما كانت يدي تقترب رويدًا من يد الفتاة. وكانت تختصر المسافة كلّما اهتزّت الحافلة، فتسبّبت في رجّ الرّكّاب، معطيةً انطباعًا بأنّ الالتصاق حدث رغمًا عنها. لم تُبدِ الفتاة حرجًا ما، فاستغلّت يدي، التي صار لها عقل موازٍ يفكّر لها في اللّحظة، وقرّرت أخيرًا أن تتجاوز وضعية الاحتكاك إلى وضعية الاشتباك.

حقنني شخوص الرواية بجرعةٍ كافيةٍ من الأمل والرّغبة في مواصلة مشوار الكتابة والحياة

ليتها لم تفعل. هل فكّر أحدكم يومًا في قطع يده لأنّها جنت عليه؟ أنا فعلت ذلك مرّةً واحدةً في حياتي كانت تلك المرّة. 

اقرأ/ي أيضًا: 5 روايات لجمال ناجي

قرأت الرّواية بعد صدورها عام 2013 عن "المؤسّسة الوطنيّة للاتصال، النشر والإشهار"، فاستقبلني شخوصها بحفاوة عميقة (لونّاس عبد الرحيم ـ منصور بن ذياب ـ الجازية ـ رؤوف الطامسونة ـ بوعلام هبهابة ـ حياة ـ خضرا الترّاس ـ علي بلميلود... الخ)، ما عدا الرّاوي الرّئيسيّ، فلم يمنحنى حتّى ابتسامة (هناك خلفيات لهذا التصرّف واردة في الرّواية نفسِها). وأنا أقرأها ضحكنا معًا وبكينا، وقد حدث أن كنت أفعل ذلك أحيانًا أمام أمّي، فقالت ما يدلّ على أنّها شكّت في عقلي: "جارنا بولحية ظهر أنّو يرقي مليح".

 

اقرأ/ي أيضًا:

طائر يعبر الشارع

خدعة بصرية