14-مايو-2018

الروائية روزا ياسين حسن

ألترا صوت - فريق التحرير

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


روزا ياسين حسن روائية وكاتبة وصحافية وناشطة من سوريا، تكتب مقالات فكرية وثقافية تتصل بقضايا التغيير والحريات والنسوية، أما على صعيد الرواية فأصدرت الأعمال الآتية: "أبنوس" و"حرّاس الهواء" و"نيغاتيف: من ذاكرة المعتقلات السياسيّات" و"بروفا" و"الذين مسّهم السحر". تقيم في مدينة هامبورغ في ألمانيا.


  • ما الذي جاء بكِ إلى عالم الكتب؟

لم يكن الأمر بقرار أو بجهد منّي، ولكني كبرت في بيت علّمني عشق الكتب، فالكتب كانت موجودة في كل مكان: في المطبخ، غرف النوم، بجانب التلفزيون، في الحمام.. الكتب كانت كائنات تشاركنا تفاصيل العيش والحياة، أفراد من أسرتنا! لذلك كان من الطبيعي ألا أستطيع العيش بدونها. حتى أني كنت أحفظ ألوان الأغلفة وأنماط الخطوط، تماماً كما يحفظ المرء لون عيني معارفه وأصواتهم. حين تركت بيت أهلي وتشرّدت في البلاد كان فقداني للكتب أمرًا ملحًا وصعبًا، إلى الوقت الذي رحت أبني فيه مكتبتي الخاصة. يعني الأمر يشبه علاقة عاطفية لا يمكن أن تتبدّد في الذاكرة.

  • ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتكِ؟

لطالما فكّرت كثيرًا في هذا السؤال الذي طالما أسمعه، ولم أتوصّل حتى اللحظة إلى أية إجابة. في كل طور من حياتي كانت هناك كتب مؤثرة فيّ وبشخصيتي وليس كتابًا واحدًا. هناك كتب أعادت تشكيل حياتي وروحي بكل ما للكلمة من معنى. هناك شخصيات روائية تعيش معي حتى اللحظة، حتى أكاد لا أميّز أحيانًا إن كانت شخصيات واقعية أم تخييلية. في المراهقة أذهلني الأدب الروسي والألماني، كما قرأت "ألف ليلة وليلة" بنسختها الأصلية، وليس بنسختها "المهذبة والمنقحة" التي أعطاني إياها والدي، وأنا لم أبلغ بعد الرابعة عشر من عمري. "ألف ليلة وليلة"، غير المهذّبة، نقلتني إلى عالم آخر لم أعد بعده أنا التي كنتها قبلًا. في شبابي الأول رحت أقرأ لعمالقة الأدب في كل العالم، وأدهشتني الروايات الملحمية كـ"الدون كيشوت" و"الأبله" و"الأخوة كارامازوف"، وأتذكّر بأني أنهيت رواية "المراهق" في الليلة التي سبقت امتحان الفيزياء في البكالوريا، وشعرت وأنا أغلق الكتاب بأني أنجزت إنجازًا عظيمًا رغم غضب أمي حين اكتشفت بأني لا أدرس بل أقرأ. ثم أتت موجة الأدب اللاتيني، قبل أن أبدأ بمحاولات التعرّف على الأدب العربي، ومن ثم الآداب البعيدة الأخرى: الياباني، الفارسي، الهندي.. وقبل اندلاع الثورة في سوريا كنت مغرومة بقراءة كتب اللغة والألسنيات ومدارس النقد الحديثة، فقد كانت لدي قناعة بأن على الكاتب أن يكون ناقد نفسه أولًا، وعليمًا بدقائق اللغة وتقنياتها. لكن ما أعرفه اليوم من حصيلة قراءاتي بأن الآداب المترجمة كانت ومازالت أكثر حضورًا من الآداب العربية في ذاكرتي الإبداعية، رغم محاولتي الدائمة مواكبة ما يتم كتاباته في العالم العربي، خصوصًا بالنسبة إلى جيل الشباب. حين أقرأ لثقافات غريبة وبعيدة، ولا تشبه ثقافتنا، أشعر بأني أعيش هذه الثقافات، أتشرّبها، أفهم تفاصيلها، وأحاور كتابها: "الآخرون"، الأمر الذي يبثّ معانٍ مغايرة في روحي وبالتالي في كتابتي.

  • من هو كاتبكِ المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟

لدي كتّاب وكاتبات مفضّلون، تعجبني لغة أحدهم فيما يعجبني البناء الروائي لآخر، شخصيات كاتب/ة تسحرني، فيما تدهشني تقنيات كاتب آخر وهكذا، الأدب الإنساني على مدار التاريخ أشبه بسلسلة ذهبية مرصّعة بالجواهر، متكاملة ومتناسقة، ولكل تفصيل منها جماله الذي يخلق جمال السلسلة كلها. مؤخرًا رحت أقرأ أكثر سير الكتاب وحيواتهم الشخصية، الأمر الذي لم يكن يعنيني كثيرًا من قبل! أحيانًا لا أعرف لماذا، وأحيانًا أحسّ بأنها محاولة للتعلّم منهم، أو لسرقة بعض الشجاعة والطاقة من قصصهم، بعد سلسلة التحديات الحياتية الصعبة التي مررت ولا أزال أمر بها. وقد ساعدتني تلك الحيوات في كثير من الأحيان. بالعموم يسحرني الكاتب/ة الجادّ، الباحث، صاحب اللغة الممتعة، الذي يتعامل مع نصّه كمن يتعامل مع حبيب أو قطعة أثرية ثمينة، يعني من غير استخفاف. أحب الكاتب/ة الذي يطرح الأسئلة ولا يجيب عنها، والمستعد لأن يقطع رحلة الكتابة جنبًا إلى جنب مع القارئ ولا يتقدّم عليه متباهيًا، ولا يتأخر عنه مقلّلًا من تأثيره.

  • هل تكتبين ملاحظات أو ملخصات لما تقرئينه عادة؟

دائمًا، لدي على الدوام دفاتر متراكمة مليئة بملاحظات ومقتطفات وتدوينات من بعض الكتب التي قرأتها، وأردت أن تبقى جمل منها معي دائمًا. يبدو الأمر بالنسبة لي كأنها محادثات حميمية قالها لي وحدي كتّاب الكتب أو شخصياتها. هذه الدفاتر الصغيرة كانت الشيء الوحيد الذي جلبته معي في رحلة الهروب من الوطن، بالإضافة إلى حقيبة قماشية صغيرة مليئة بالصور، أحبّ أن أسميها: ذاكرتي.

  • هل تغيّرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟

لن أنكّر أن لرائحة الورق وملمس الكتب متعة خاصة ومغايرة، خصوصًا وأن سلاميات يديّ كانت مليئة بخدوش صغيرة تركتها حواف الورق لي كذكرى، لكن ما يهمّني أكثر بكثير ما هو موجود داخل هذه الكتب. لذلك فأنا أقرأ الكتب الالكترونية دومًا، خصوصًا حينما صار التوافر على الكتب الورقية صعبًا في ألمانيا حيث أقيم. لكن لأقل بأن الوجود الفيزيائي للكتاب بلونه وحجمه وخطوط عنوانه يعنيني كثيرًا، وكما قلت لك آنفًا: أشعر بأنه يصبح مع الزمن كائنًا عزيزًا يشاركنا المكان. الأمر الذي تكاد تُحرم منه مع الكتاب الإلكتروني.

  • حدّثنينا عن مكتبتك؟

في سوريا كان لدي مكتبة مهمة، هي ميراثي عن والدي بوعلي ياسين الذي خلّف لنا مكتبة عظيمة، بالإضافة إلى ما استطعت جمعه من كتب منتقاة على مدار سنوات. لكن شروط العيش غير الآمن منذ اندلاع الثورة ومن ثم الحرب التي تلتها جعلتني اضطر وابني إلى التخفّي قبل الهرب من سوريا، الأمر الذي أجبرني على نقل مكتبتي إلى مكان اعتقدته آمناً، قبل أن نترك البلاد ونمضي. الآن ربما لم يعد هناك مكتبة، وربما ذهبت مثلما ذهبت الكثير من الأشياء الغالية في بلدي. أذكرها بغصّة، ولكن الإنسان في النهاية أهم من كل شيء، وسأحاول أن أعيد بناء مكتبة جديدة هنا في المنفى، رغم صعوبة الأمر.

  • ما الكتاب الذي تقرئينه في الوقت الحالي؟

أقرأ رواية "عرق الضفدع" للمخرج السينمائي الياباني أكيرا كوروساوا، من ترجمة فجر يعقوب ونشر "منشورات المتوسط"، أريد أن أعرف كيف يكتب مخرج سينمائي بعين كاميرا نصًا أدبيًا؟! خصوصًا وأني أكاد أنتهي من كتابة رواية جديدة بطلتها الحقيقية هي السينما، ليس باعتبارها تجربة حياة فحسب بل كائنًا مستقلًا بذاته.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة أسماء الغول

مكتبة مريم العطّار