20-مارس-2019

جوان إيردلي/ بريطانيا

لم يعد أمامي الكثير فقط بضع سنوات وينتهي كل شيء، لو كنت أعيش في بلد أوروبي لكان الأمر أسهل بكثير، لن أحتاج إلى زوج حتى أتمكن من إنجاب طفل. كل ما أحتاجه هو بعض الحيوانات المنوية تنطلق في اتجاه بويضة جاهزة للتخصيب، حيوان يدفع برأسه الغشاء الشفاف الذي يحيط البويضة ويلقحها ثم نترك الأمر للطبيعة.

أردت دائمًا أن أكون أمًّا لفتاة بعينين سوداوين واسعتين وغمازتين جميلتين تزينان خديها، رغبت دائمًا أن أعطيها اسمًا مميزًا، هيباتيا هكذا حلمت بتسميتها. أتخيلها دائمًا عارفة ذكية قوية واثقة من نفسها صاحبة مبدأ ورأي، لكن الإشكال هو كيف يمكننا أن نسجلها في دفتر الحالة المدنية هل سيقبل الموظف تسجيلها؟ أو أنه سيرفض مثلما يرفض تسجيل أي مولود يحمل اسمًا أمازيغيًا في بلاد نحن الأقلية فيها؟ اخترت لك اسمًا إغريقيًا لعلّ موظف البلدية تكون له أصولًا إغريقية وينسى تعصبه لأسماء "آل البيت".

أراد أبي أن يسميني تيفاوين، أي نور الشمس، يومها بحلق فيه موظف الحالة المدنية فاغرًا فاهه، جاحظ العينين، ونهره قائلًا بأن هذا الاسم ليس من أسماء المسلمين، وأنه لن يسجل المولود إذا لم يغيره، ثم اقترح عليه أن يسمي الفتاة عائشة أو خديجة، فرفض أبي وبعد عناء اختار اسمي هذا.

هيباتيا صغيرتي يسكنني الفراغ كل ما اقتربت ذكرى يوم مولدي، لا يعلمون كم أكره ذلك اليوم ليس بسبب أنني أتقدم في العمر، لكن بسبب أن فرصة الإنجاب أصبحت أضعف، وأنني أفقد بويضة أخرى أودعها مع حلول كل سنة جديدة. كثيرًا ما كنت أطلب من شريكي أن يقذف داخل رحمي عله يطفئ تلك النار المتقدة داخله وتثمر بذرة هي أنت.  

عزيزتي هيباتيا في اللحظة الراهنة يسكنني إحساس الأمومة لذيذًا مثل قشعريرة تصيبك عندما يلامس أطراف أصابعك ماء بارد، أو تهب على جسدك نسمة هواء منعشة في يوم قائظ، أجلس ممعنة النظر إلى شجرة اللوز المزهرة في حديقة منزلنا، أراك هناك بثوبك الشفاف تجلسين حاملة بين يديك كتابًا يتحدث عن تاريخ الإسكندرية القديم.

طفلتي الصغيرة يثيرني جدًا رؤية امرأة تلقم رضيعها أحد ثدييها، يخزني المشهد فأحس بقرصة لذيذة في نهدي، كثيرًا ما يخيل لي أنني أنا ما يرضعه فيتدفق الحليب غزيرًا أرضع منه يتامى الأرض كلهم. حبيبتي منذ يومين شدتني صورة لامرأة هندية ترضع طفلها وتلقم ثديها لصغير غزال تركته أمه وحيدًا. هكذا أراني أمًّا لكل الأيتام من أطفال وحيوانات.

أخشى التقدم في السن، أخشى أن أفقد خصوبتي، حاولت جاهدة أن أحافظ على جمالي أن أبقي جسدي يافعًا قدر الإمكان. أحب جسمي الممتلئ بعض الشيء، أحب وجهي الذي ما زال يحتفظ بملامح طفولية، يعجبني أنفي الدقيق والصغير، شفتي الممتلئتين تطبعان قبلة على خدك الأيمن حيث توجد غمازة جميلة تزينه تشبه غمازة حبيب سابق، وعلى خدك الأيسر شامة تذكرني بحب فتى أسمر يعشق جيفارا والشيخ إمام.

سيأتي وقت ما علي أن أواجه فيه نفسي، علي أن أكون جاهزة لشتى أنواع النهايات. هيباتيا طفلتي الحلوة فلتعلمي أنك هنا داخل رحمي، حتى وإن لم يلقحني ذلك الحيوان المنوي، ربما تبقين مجرد حلم مع تأجيل فعل الولادة تسكنين هذه الصفحات البيضاء.

 

اقرأ/ي أيضًا:

إلى: أنتم

الرضيع رسالة اللّه