05-فبراير-2017

فالتر بنيامين

نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية، في 27 نيسان/إبريل 2012، مقالًا للكاتبة التركية أليف شافاق صاحبة "قواعد العشق الأربعون"، تتناول فيه الفيلسوف والناقد الألماني فالتر بنيامين.


كنت طالبة في الكلية حين قرأت للمرة الأولى فالتر بنيامين. ناقد أدبي، وفيلسوف، ومنظِّر، كان رجل الكلمات. كيهودي ألماني، ولِدَ في أوقات مضطربة، نهاية القرن التاسع عشر، وفي أكثر الأماكن خطورةً، برلين.

بينما كان معروفًا فقط عند جمهور محدود خلال حياته، انطلقت شهرته بسرعة الصاروخ بعد وفاته. أتذكر انتظاري بفارغ الصبر النسخةَ التركيةَ من "مشروع الممرات (Arcades Project)". سافر الكتاب معي، موضوعًا في حقيبة ظهري، إلى كل مكان؛ صفحاته ممزَّعة الحواف، منقطة بحروق السجائر وبقع القهوة، ومرَّة، خلال حفل روك، بلله المطر كليًا. بين كل الكتب التي قرأتها في تلك السنة، الخيالية وغير الخيالية، لم يكن يماثله كتاب في التمزُّق، وعمق المحبّة.

كان فالتر بنيامين خيميائيًا من نوع ما، والأكثر غرابة بين المفكرين الماركسيين

اقرأ/ي أيضًا: جورج ر. ر. مارتن: صنعة البستانيّ

كان بنيامين خيميائيًا من نوع ما، والأكثر غرابة بين المفكرين الماركسيين، كما كان خروفًا أسود في كل قطيع. دمج الأدب مع الفلسفة، والأسئلة التي أثيرت من قِبل الدين مع الأجوبة المقدَّمة من جانب العلمانية، والمعارضة اليسارية مع التصوف، والمثالية الألمانية مع المادية التاريخية، واليأس مع الإبداع... كان خبيرًا في غوته، وبروست، وكافكا، وبودلير، لكنه كتب أيضًا بشكل واسع عن الأشياء العادية والصغيرة في الحياة. لم يكن فيلسوف أبراج عاجية. بينما تستمر في قراءته، يمكنك تقريبًا مشاهدته يمشي في الشوارع، ويستمع إلى الناس، ويدون الملاحظات، ويُبدع الاسكتشات، ويقتني باستمرار.

لا يقرأه المرء ليشعر بشكل أفضل. يقرأه المرء ليشعر. في عالمه، الأشياء ليست كما تبدو، وثمة حاجة ماسة إلى تجاوز الأسطح الخارجية والتواصل مع الإنسانية. أن تعيش يعني أن تسير على كومة من الأنقاض، مستمعًا إلى أي علامات حياة تكون قادمة من تحت الأنقاض. تشكل الميلانخوليا جزءًا لا يتجزأ من وجوده. ذات مساء، سَكِر صاحب لي نهيلستي وصاح في صورة بنيامين الموجودة على الجدار: "ابتسم سيد فالتر! لست في حاجة لحمل العالم على كتفيك. أنت ميت الآن، استرخ!" ثم قذف بكأس النبيذ في وجهه - ربما أراد أن يرميه في وجهي. نظفت الفوضى بصابون غسل الصحون، لكن البقع بقيت على نظارات بنيامين، جاعلة إياه يرى كل شيء من خلال عدسات حمراء.

اقرأ/ي أيضًا: عشر حقائق "غريبة" عن إرنست همينغواي

الله والتقدم والحضارة، لم يكن هناك شيء لا يشك فيه، أقلها نفسه. كان مترددًا بكل تواضع، هذا الرجل ذو الذكاء الهائل. غرشوم شوليم، نبع التصوف اليهودي، اعتقد أن بنيامين كان روحًا شديدة الخصوصية ولكن لماذا، في الحياة الفعلية، تحدث مع أولئك اليساريين؟ بريخت كن احترامًا عميقًا له ولكن لم يفهم أبدًا ما كان يقوم به في ظلال هؤلاء الصوفيين. وبين عالمين، مترجمًا كلمات أولئك الذين لا يتكلمون اللغة نفسها، وقف بنيامين بمفرده، جميل في وحدته.

انتحر فالتر بينيامين على الحدود الفرنسية-الإسبانية، أثناء انتظاره التأشيرة

بينما عزز النازيون قوتهم وبادلت الإنسانية العقل بالجنون والتناغم بالتعصب، كان عليه الفرار من وطنه، هذا الرجل الذي لا يستطيع أن يعيش بعيدًا عن مكتبته. الرحلة عبر أوروبا كانت مملؤة بالمخاطر. في 26 أيلول/سبتمبر 1940، انتحر على الحدود الفرنسية-الإسبانية أثناء انتظاره التأشيرة. فجأة، قرر ألا ينتظر أكثر، وألا يشك أكثر.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بودريار: المثقف لا مستقبل له

مترجم سويدي: لماذا يغيب سليم بركات عن البوكر؟