15-سبتمبر-2021

كاركاتير لـ راينر ايرت/ ألمانيا

منذ سنوات، توصل تقرير أممي حول الوضع الثقافي في البلاد العربية، إلى أنه "فيما يقرأ المواطن الأوروبي 35 كتابًا في السنة، فإن  كل 80 عربيًا يقرأون كتابًا واحدًا".

استهجنت صحافية سويدية الحفر والقمامة في مدينة عربية، فهبّ مرافقها: قبل أن تحدثيني عن أوساخنا قولي لي لماذا يقدم مواطنوك على الانتحار بهذه الأعداد الهائلة!

تقارير أخرى لاحقة أكدت أن العالم العربي يقف في ذيل قائمة الأمم القارئة، ذلك أن "متوسط معدل القراءة فيه لا يتعدى ربع صفحة للفرد سنويًا، بينما تصل معدلات القراءة في أمريكا إلى 11 كتابًا للفرد سنويًا، وفي بريطانيا إلى سبعة كتب"..

اقرأ/ي أيضًا: تعويذة في مرآة الأنوثة

وزير ثقافة عربي استفزه هذا "الكلام الفارغ"، فخرج ليعلن أن هذه دراسات تهويلية لا أساس لها في الواقع، فـ"كيف تكون المعدلات على هذا القدر من التدني وكل مواطن عربي يقرأ الفاتحة في اليوم خمس مرات على الأقل؟". وبالطبع فإن الغربيين لا يفعلون ذلك، وهم لا يستطيعون أصلًا وإن أرادوا!.

مسؤول ثقافي آخر كان أكثر براعة إذ رمى الكرة، بحركة خاطفة، في مرمى المتباهين، فربما تكون معدلات القراءة في الغرب أعلى من نظيرتها عندنا، ولكن لنتساءل (هكذا يقترح بدهاء): ماذا يقرأون هناك حقًا.. مجلات مصورة تجارية، كتب إباحية، قصص إثارة بوليسية؟! والشق الثاني من المقارنة واضح وإن لم يُقل صراحة: أما نحن وإن كنا نقرأ أقل إلا أننا نقرأ كتبًا قيمة عميقة وأخلاقية!

زار وفد اقتصادي ألماني، يومًا، بلدًا عربيًا، بناء على دعوة رسمية، من أجل الاطلاع على الواقع الاقتصادي وكشف مكامن الخلل وتقديم النصائح. وعندما أنهى الوفد جولته، التقى مسؤولًا معنيًا بالاقتصاد في ذلك البلد، فراح الضيوف يلخصون مشاهداتهم، متحدثين عن عيوب ونواقص وطرق خاطئة، فما كان من المسؤول إلا أن قاطعهم بقبضة قوية على الطاولة، قبل أن يشرع في رد صاعهم بعشرة. قال لهم: إياكم أن تتصوروا أننا بحاجتكم، وما تملكونه يمكننا الحصول عليه من أي مكان. أما أنتم فلا تملكون ما نملك.. وبعد لحظات صمت، وعندما تأكد أن مستمعيه المساكين باتوا يحبسون أنفاسهم، وأن التأثير الدرامي بلغ أوجه، قال بهدوء: نحن نملك الأيدي العاملة الرخيصة!

لا تظنوا أن هذا "الكبرياء الوطني" مقصور على المسؤولين الرسميين، فقد اعتاد مخرج سينمائي عربي أن يروي بفخر هذه الواقعة: زار مرة الولايات المتحدة والتقى هناك بسينمائيين أمريكيين، ويبدو أن أحدهم تجرأ وقال للمخرج أن السينما في بلاده متخلفة، أو لا يوجد سينما حقيقية أصلًا، أو شيء من هذا القبيل، فهب المخرج واقفًا ووضع سبابته قرب عين المتحدث وصاح به: إياكم أن تعتقدوا أنكم متحضرون أكثر منا، عمر جدي في الضيعة أكبر من عمر بلادكم. لا نعرف إن كان الأمريكيون فهموا المغزى، أو توصلوا إلى استنتاج الرابط العجيب بين السينما والجد، ولكن يبدو أنه أُسقط في يدهم ولم يحروا جوابًا.

وخلال جولة لها في مدينة عربية، أعلنت باحثة سويدية لمرافقها الصحفي، ابن تلك المدينة، استهجانها من الحفر في الطريق والقمامة على جانبيه. توقف الصحفي فجأة ونظر إليها بعينين ناريتين ثم قال: قبل أن تحدثيني عن أوساخنا قولي لي لماذا يقدم مواطنوك على الانتحار بهذه الأعداد الهائلة!

كلما تكلمت صحيفة غربية عن حروبنا نذكرهم بحرب الثلاثين عامًا في القرن السابع عشر، وكلما ذكر تقرير غربي حرية الصحافة في بلادنا نفتح لهم ملف الهنود الحمر

وهل نحن بارعون في صد الهجمات هنا فقط، على أرضنا وبين جمهورنا؟ لا.. إطلاقًا. فقد روى شاعر عربي شاب، يعيش في السويد منذ بضع سنوات، أنه لقّن بعض السويديين درسًا لن ينسوه أبدًا. أتوا على سيرة تردي الأوضاع في بلاد العرب، مما اضطره إلى إعطائهم محاضرة طويلة مفحمة، أقنعهم إثرها أن حضارتهم المستجدة لا تساوي شيئًا قياسًا بحضارتنا. كيف اقتنعوا؟! وكيف لم يخطر لأحدهم أن يوجه إلى الشاعر سؤالًا بدهيًا: لماذا إذًا امتطيت قارب الموت لتصل إلى بلادنا؟ ولماذا لم يكن الأمر عكس ذلك: أي أن نمتطي نحن قوارب الموت لنصل إلى بلادك؟!.

اقرأ/ي أيضًا: دوران في شبكة العنكبوت

هذه مجرد أمثلة، عينة بسيطة من خطاب سائد وراسخ. كلما تكلمت صحيفة غربية عن حروبنا نذكرهم بحرب الثلاثين عامًا في القرن السابع عشر، وكلما ذكر تقرير غربي حرية الصحافة في بلادنا نفتح لهم ملف الهنود الحمر.

وماذا بوسع النرجسية الجريحة سوى أن تردد وراء الشاعر الجاهلي:

ألا لا يجهلـن أحـدٌ علينـا / فنجهـل فوق جهل الجاهلينـا

 

اقرأ/ي أيضًا:

المثقف العربي داعمًا للعنصرية في ألمانيا

أفضل مليون كتاب في التنمية الذاتية