10-سبتمبر-2021

أحمد منصور وحامد عبد الصمد

حسب استطلاعات الرأي الحالية يمكن لحزب البديل لأجل ألمانيا، اليميني المتطرف، أن يفوز بنسبة قد تبلغ 11 بالمئة من أصوات الناخبين في الانتخابات الاتحادية في 26 أيلول/ سبتمبر 2021. حسب دراسة غير نهائية لجامعة لايبزيغ يرى 41 بالمئة من الألمان ضرورة منع هجرة المسلمين إلى ألمانيا. لا ينكر طبعا وجود إشكالات كثيرة في المجموعات المتطبعة بطابع "مسلم" أو "عربي"، بعضها لا يؤمن أساسًا بالحريات الديمقراطية ويظل متقوقعًا على بيئته الاجتماعية والثقافية، ما أدى وقد يؤدي مستقبلًا حتى إلى ارتكاب عمليات إرهابية، هذا بصرف النظر عن الجرائم الاجتماعية، وذلك بنسب تختلف.

حسب استطلاعات الرأي الحالية يمكن لحزب البديل لأجل ألمانيا أن يفوز بنسبة قد تبلغ 11 % من أصوات الناخبين في الانتخابات الاتحادية في 26 من الشهر الحالي

حزب البديل لأجل ألمانيا أعلن عن تأسيسه رسميًا عام 2013 من عدة تكتلات يمينية متطرفة، وانتخب في البرلمان الاتحادي، البوندستاغ، للمرة الأولى إثر انتخابات 2017، بنسبة 12,6%. استغل هذا الحزب قدوم عدد لا بأس به من اللاجئين، خاصة "عرب" و"مسلمين" ليتصدى "لغزو الأجانب" لألمانيا وتحديدًا المسلمين منهم. لاقت هذه الشعارات رواجًا بين شرائح اجتماعية كانت تعاني أساسًا من التهميش والبطالة ووجدت في الأجانب كبش فداء للتعبير عن رفضها لسياسيات الحكومات المحلية والاتحادية. وبينما كان حيز "نجاحات" الحزب ضيقًا جدًا في بدايات تشكيله وكانت هناك توقعات بأنه لن يلقى النجاح بشعاراته أو الأفكار التي يستمد منها ايديولوجيته العنصرية التي كانت مستنكرة عمومًا، وجدت لها الطريق إلى النقاش العام والإعلام، من باب "ألا يحق لنا التعبير عن رأينا"، أو "هناك حقائق لا بد أن تقال" بصراحة. أو خبرات وتجارب يجب التلميح إليها، خاصة إذا جاءت على لسان مسلمين، أناس نشأوا في بيئة إسلامية، فهؤلاء تحديدًا لا يمكن وصفهم بالعنصرية والعداء للإسلام وعايشوا تلك المجتمعات الإسلامية، وبالتالي فهم خبراء "حقيقيون" في هذا الشأن ولا يمكن لأحد أن ينكر تجربتهم وبالتالي فما يقولونه صحيح.

اقرأ/ي أيضًا: كيف يبدو مستقبل ألمانيا وأوروبا بعد رحيل أنجيلا ميركل؟

هكذا استغل الحزب أصوات "أجانب" ليبرهن على صدق تعميماته وأحكامه المسبقة على الأجانب. حتى لو لم يلتحق هؤلاء "الأجانب" بطريقة رسمية إلا أنهم ساهموا في تبرير شعارات حزب البديل وتنمطيه للجاليات المهاجرة، مثل غيره من المجموعات السياسية النازية الأصغر. تلك الأصوات، أبناء الجاليات، المسلمة تحديدًا، ظهرت كثيرًا في وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية، وركزت كثيرًا على الوجه الظلامي للإسلام السياسي، على مسائل حقوق المرأة والمثليين في الإسلام، وغيرها من الإشكالات النمطية وأثبتت بذلك، سواء عن وعي أو لا وعي، ادعاءات اليمين. لم تنتشر هذه الظاهرة في ألمانيا فقط، إنما عمت أوروبا واستغلت من قبل النازية الجديدة بشكل ذكي وهادف.

لا يمكن التطرق إلى كل تلك الأصوات، فهي من مناطق مختلفة مما يسمى "العالم الإسلامي" على وسعه، من المغرب حتى اندونيسيا. بل سأكتفي هنا بعرض نموذجين اشتهرا كثيرا في ألمانيا، نموذجين من "أصول عربية". هما حامد عبد الصمد وأحمد منصور.

حامد عبد الصمد، المصري المولد 1972 ويعيش في ألمانيا منذ 1995، اشتهر تلفزيونيًا خلال برنامج "رحلة مع برودر". له مؤلفات كثيرة ذات عناوين صادمة ومغرية بدأها عام 2010 بكتاب "الوداع للإسلام.. من حياة مسلم في ألمانيا"، "الفاشية الإسلامية، تحليل" 2014، و"محمد، محاسبة" 2015، وآخرها "حرب الهويات، عشرين فرضية حول العنصرية وكيف نتصدى لها" 2021. يعتبر عبد الصمد عالم سياسة و"ناقدًا للإسلام" يستخدم "المنهجية العلمية" في أبحاثه ودراساته. كتب على غلاف كتابه "الفاشية الإسلامية"، وهو مصطلح مستمد من جورج دبليو بوش، أنه بسبب هذا الكتاب صدرت فتوى قتل بحقه (لنتذكر سلمان رشدي وكتابه الآيات الشيطانية). لكن ما جعل من هذه الفتوى كوميديا هو أن عبد الصمد قام إثرها بزيارة إلى مصر، حيث هو مهدد بالقتل في ظل الرئيس الإخواني محمد مرسي، واختفى لمدة يومين. هنا ضجت الدنيا على غيابه ثم تبين أن "الاختطاف" لم يكن على يد جماعات إسلامية كما زعم، بل بسبب خلافات مادية خاصة.

جاء أحمد منصور إلى ألمانيا عام 2004 بعد أن "عايش" اعتداء إرهابيًا في تل أبيب، وهو يعمل حاليًا في حقل الوقاية من التطرف الإسلامي

حاضر عبد الصمد أمام حزب البديل مرتين على الأقل 2015. أما من الناحية العلمية البحتة فلا مجال هنا لسرد الانتقادات التي تعرض لها عبد الصمد من العلماء والباحثين الألمان وغيرهم من العاملين في حقل العلوم الإسلامية. من مزاعم عبد الصمد العلمية مثلًا أن النبي محمد كان رجلًا مصابًا بالصرع بناء على التحليل النفسي الفرويدي، ربما. يمكن هنا بكل بساطة التساؤل عن مقدرات عبد الصمد على التحليل النفسي وكيف يمكن الحكم على رجل مات منذ ألف وخمسمئة عام بالإصابة بالصرع وهو، عبد الصمد، يزعم سلفًا أنه لا توجد وثائق يمكن الوثوق بها حول سيرة النبي. طبعًا يحق لعبد الصمد أن يقول عن النبي محمد ما يقوله، لكن المشكلة هي في أن هذه الطروحات تعمم على كافة المسلمين.

اقرأ/ي أيضًا: بورتريه لليمين الأمريكي.. كيف سيواجهه بايدن؟

أما أحمد منصور (عربي إسرائيلي، كما يعرّف نفسه) من مواليد 1976. جاء إلى ألمانيا عام 2004 بعد أن "عايش" اعتداء إرهابيًا في تل أبيب ليتابع دراسة علم النفس في برلين. يعمل حاليًا في حقل الوقاية من التطرف الإسلامي "ودعم الديمقراطية". وهذا بدوره له ظهرت له مؤلفات عديدة بالألمانية ويظهر كثيرًا على التلفزيون كما له بودكاست خاص يتناول فيه مع زوجته مواضيع شتى. عناوين كتبه: مساهمة في كتاب "العنف باسم الشرف" 2014، "جيل الله، لماذا علينا أن نعيد التفكير في الصراع ضد التطرف الديني" 2015، "الاندماج بصراحة ووضوح" 2018، "التضامن ضد العنصرية، العداء للسامية والكراهية" 2020.

يتوجه منصور بالنقد "الحساسية الثقافية المفرطة" لليسار الألماني لأنه يراعي الجاليات الإسلامية كثيرًا ويغض الطرف عن التطرف والجريمة. يقول مثلًا: "لسنا ألعابكم المحببة إلى قلوبكم"، لينتهي إلى الزعم بأن بعض اليساريين والليبراليين "سخيفين وعنصريين". داعيًا هذا اليسار إلى دمج المسلمين ذاتهم في النقاش العام. طبعًا، أظن أنه لا يمكن لأي حيادي أن يعترض على "دمج المسلمين في النقاش العام"، لكن يبقى السؤال هو من هم المقصود بالمسلمين حين يستخدم منصور الـ"نا" والـ"نحن".

السؤال الذي قد يطرح هنا، هل كل المسلمين مسلمين أو كل العرب عربًا كما يراهم عبد الصمد ومنصور؟ بهذا الحكم المطلق يتم تناسي التنوع الشديد على مختلف الأصعدة ويحشر جميع المسلمين وجميع العرب في قارورة ضيقة، يمكن الحكم عليها بشعارات شعبوية مبسطة، وبالتالي تحصر ضمن الكليشهات، ما قد يؤدي بالنتيجة، ويؤدي فعلًا، إلى نبذها من الحياة العامة والدعوة إلى ترحيلها إلى مواطنها، سواء أكانت تعيش هنا منذ أجيال، تعلمت هنا، عملت هنا وكثيرون منهم دفنوا هنا.

يعتبر عبد الصمد أن الإسلام غير قابل لإصلاح ولهذا يجب نبذه من الحياة العامة تمامًا. بينما يقول منصور إن الإسلام غير قابل للاندماج في أي مجتمع

يعتبر عبد الصمد أن الإسلام غير قابل لإصلاح ولهذا يجب نبذه من الحياة العامة تمامًا. بينما يقول منصور إن الإسلام غير قابل للاندماج في أي مجتمع ويدعو إلى "التنوير". ناسيا هنا أن فكرة التنوير بحد ذاتها قد تعني في طرفها المظلم أننا حين نطلق على ثقافة ما صفة "التنوير" بالمطلق فإننا بالمقابل نصم الثقافات الأخرى "بالظلامية". فلأن ثقافة ما تهيمن على النقاش العام لا يمكن بالتالي التشكيك في معايير وقيم الثقافة المهيمنة! على هذا النوع من الدعوة للتنوير تسيطر علاقات القوة، فالثقافة "الأقوى" تفرض معاييرها على الثقافة "الأضعف". وبذلك تدار المياه على طواحين اليمين المتطرف، لأنهم "أهل البلاد" ويحق لهم فرض ثقافتهم ومن لا يلتزم بها، حسب معاييرهم هم، لا يستحق أن يعيش في هذه البلاد، بل عليه أن يعود إلى بلاده، ثقافته هو. ومن هذا الباب مثلا طالب حزب البديل يوم 9 أيلول/سبتمبر بالاعتراف السياسي بحكومة طالبان كي يعود اللاجئون الأفغان إلى بلادهم. إلى هذه الدرجة يمكن أن تتوافق الآراء، آراء أبناء الجاليات لأنهم "خبراء" ثقافاتهم، هنا الثقافة الإسلامية، مع آراء اليمين الألماني، "أصحاب الأرض"، التي يجب أن تعود خيراتها عليهم هم.

اقرأ/ي أيضًا: حوار جماعي | عن اختيارات أوروبا الصعبة.. "نحتاج الهجرة ونكره المهاجرين"!

مثل هذه الأصوات لا تساهم في الاندماج أو البحث العملي المجرد في شؤون الجاليات أو مشاكلها، الصعوبات التي تصطدم بها أو يمكن تجاوزها، إنما تساهم عمليًا في دعم الاتجاهات العنصرية وسبك قوالب جاهزة تعميمية ضد هذه الجاليات. بالتالي تعمل الأحزاب اليمينية المتطرفة على تصيد هؤلاء لتبرير شعاراتها ويبدو أن هناك أصواتًا لا تمانع بدورها من أن تلعب هذا الدور، مهما كانت غاياتها. الجدير بالذكر ربما أن أحمد منصور مثلًا حصد 13 جائزة ألمانية، منها 3 عام 2019، معظمها في مجال "الاندماج"، بينما لم ينل عبد الصمد سوى ثلاث جوائز آخرها عام 2021.

 

اقرأ/ي أيضًا:

باختصار.. ما هي الشعبوية؟

هل خسرت الشعبوية اليمينية فعلًا؟