09-نوفمبر-2020

وزير مالية النظام السوري في مجلس الشعب

لا يفوّت نظام الأسد فرصة ليكشف فيها عن طبيعته اللصوصية، بوصفه نظامًا مافيويًا قائمًا على النهب، إلا وأظهرها، تارة عبر الظهور الفج لرأس نظامه الذي ادعى قبل عدة أيام أن السبب الحقيقي لمأزق نظامه الاقتصادي لا يعود إلى حربه الكونية التي شنها على السوريين، والتي جعلت من سوريا التي يحتلها مطرحًا مستحيلًا لكل صاحب رأس مال، إنما إلى قلة ضمير التجار أو المستثمرين السوريين الذين هرّبوا أموالهم إلى البنوك  اللبنانية، بدلًا من أن يبقوها في خدمة نظامه الممانع، وتارة أخرى عبر التهديد الذي أطلقه وزير ماليته الجديد كنان ياغي، تحت قبة مجلس الدمى، حين توعد السوريين المتهربين من دفع الخوات الضريبة المفروضة عليهم بمحاكم الإرهاب الأسدية، التي لن تبق أحدًا منهم ولا من مشاريعهم.

لا يفوّت نظام الأسد فرصة ليكشف فيها عن طبيعته اللصوصية إلا وأظهرها

دخل ياغي تحت قبة المجلس إلى بهو المشرعين الوطنيين وتربع على مقاعدهم الوثيرة، ليحدثهم عن الأزمة الطاحنة التي تمر بها مالية نظامه. ببساطة شديدة فتح ياغي فمه، ثم صارح الجميع عن مأزق الجباية التي تمر بها وزارته. ولكي يموّل النظام مشاريعه الخدمية والاستثمارية للسنة المالية 2020 كان يحتاج إلى 8.5 تريليون ليرة سورية، خُطط لأن يتم الحصول عليها من مطرحين رئيسيين؛ تمثل الأول بالعائدات الضريبية والرسوم، التي قُدّر لها أن تساهم بما حصيلته الـ 6 تريليون ليرة، فيما تمثل الثاني بالبنك المركزي الذي ترك له مهمة تدبر بقية المبلغ المتبقي والمقدر بـ 2.5 تريليون ليرة، عن طريق الاستدانة من البنوك تارة، واللجوء إلى طبع المزيد من العملة الورقية تارة أخرى.

اقرأ/ي أيضًا: رحلة الليرة السورية إلى الانحدار.. الخفايا والمآلات

خلال الأشهر العشرة السابقة، نجحت وزارة ياغي بتحصيل ما نسبته الـ45 % من الـ 6 تريليون، أي ما قيمته 2.7 تريليون فقط، بينما ظل 3.3 تريليون في علم الغيب، الذي وعد ياغي الجميع بنقل ما يقارب الـ0.9 تريليون منه إلى عالم الشهادة، فيما أحال عدم قدرته على تحصيل المتبقي 2.4 تريليون إلى انعدام الحس الوطني لدى المكلفين، ذلك الحس الذي رأى بأنه بحاجة ماسة للتحفيز والإثارة.

من أجل حل تلك المعضلة الكأداء تفتقت القريحة الذئبية للخبير المالي ياغي، عن حل مالي لا يمت للفكر المالي والاقتصادي بصلة. فلكي تحصل مالًا حكوميًا من شخص ما، وفق رؤية ياغي الوطنية،  فما عليك سوى القيام بالحجز على أمواله المنقولة وغير المنقولة، ومن ثم دفعه لمحكمة الإرهاب، فإذا كان الحجز المالي غير قادر على دفعه للرضوخ لمطالب موظفي المالية، فإن هروات المخابرات لقادرة على جعله يصرح عن أموال جد جده.

يشبه الحل الذي تقدم به ياغي لمجلس الدمى، والقاضي باعتبار كل متخلف ضريبي إرهابي، تقتضي المصلحة الأسدية المسارعة إلى مصادرة أمواله باعتباره خائنًا وطنيًا، الحل الذي سبق لمليشيات النظام وجيشها الباسل أن طبقاه على أموال السوريين المعترضين على استبدادهم، عبر سياسة الغزوات الوطنية. فبين ليلة وضحاها تحول النهب والتعفيش لديهم إلى مصدر للثروة، فقد عجزت مخيلتهم الفقيرة عن تمييز الفرق بين رأس المال والمال الذي ينتج عنه أو يدره، بما يتطابق على نحو كبير مع التصور الذي سبق لرفعت الأسد أن تصوره يومًا عن الطريقة الفضلى لملء جيوب أنصاره، عندما كان يخطط للاستيلاء على أموال الدمشقيين، لاعتقاده أن المال المنهوب يجعل منه رأس مال قابل للاستثمار من تلقاء نفسه، دون أن يعي أهمية العامل البشري، الخبير والمدرب الذي يجعل من المال مالًا منتجًا.

يأتي ياغي من عالم الاقتصاد وما إن تطأ قدماه باب الوزارة حتى يتحول إلى وزير بعثي بعقلية شبيح معفش، يعجز بدوره عن معرفة الفرق بين رأس المال وما يدره من مال آخر قابل للنهب. فإذا ما طبّقنا وصفة الوزير على المكلفين المساكين أو المعتقين المحنكين، فإن وصفته السحرية تلك ستأتي عليهم وعلى رأس مالهم، وسينظمون إلى آلاف العاطلين عن العمل غير القادرين على إعالة أنفسهم، فليس بالمصادرة والنهب والتعفيش يدار الاقتصاد، يا سيد ياغي، وإنما بالعقل والثقة.

يأتي كنان ياغي من عالم الاقتصاد وما إن تطأ قدماه باب وزارة المالية حتى يتحول إلى وزير بعثي بعقلية شبيح معفش

في حديث الوزير عن التكليف الضريبي والشرائح والمكلفين، يخال المرء نفسه أمام وزير في دولة ديمقراطية، لا تنفك تقيم علاقة عميقة بين واجب المواطن الضريبي وحقوقه الدستورية، حقه في اختيار من يثق بقدرته على إدارة أموره العامة على نحو عقلاني ومنتج. من حق الوزير ياغي أن يتباكى على ضعف التحصيل الضريبي في خزائن الأسد الخاوية، ولكن ألم يخطر بباله التساؤل عن الأسباب التي تدفع أولئك المكلفين من التهرب من تسديد ما تفرضه عليهم وزارته من تكليف جائر؟ لا يسأل ياغي كي لا يجيب. فأن تكون وزيرًا في حكومة من حكومات الأسد، يعني أن تكون متصالحًا مع هذا الموات الذي يصيب ضميرك فجأة، فيؤدي إلى سلبك كل ما يمت إلى الاعتبارات الإنسانية بصلة، تلك الاعتبارات القائمة على التفكيرالحر والضمير الحي.

اقرأ/ي أيضًا: الاقتصاد في دولة الأسد.. الإدارة بالهراوة

لا تكشف الأرقام التي أوردها ياغي، في معرض تباكيه على ميزانية الأسد المفلسة، عن حجم الأرقام التقديرية التي يسعها لتحصيلها والعجوزات التي تحف بها وحسب ، بقدر ما تكشف عن مصادر ذلك النهب التي تتولى حكومة الأسد العمل على تحصيله، فالنهب الأسدي لا يعود بمجمله إلى اللصوصية  المتأتية من سرقة عائدات النفط والغاز فقط، إنما يستكلب ليطال فائض الناس الاقتصادي المتحصل من القطاعات المنتجة كالزراعة والصناعة والخدمات، وإلا كيف يمكن لنا أن نفسّر حجم الـ 6 تريليون ليرة الضريبية التي يصر وزير الأسد لاستقطاعها من أرزاق الناس وأفواه عيالهم، لا لشيء سوى لتذهب إلى جيوب الأسد المتعالي عن آلام وأوجاع من يحكمهم بالحديد والنار.

 

اقرأ/ي أيضًا: