08-نوفمبر-2019

تساعد الفنون البصرية في التعبير عن التجارب التي يصعب وصفها بكلمات (The Red Pencil)

على مدار التاريخ استخدمت الصور والقصص والرقصات والهتافات كطقوس شافية. ولعدة قرون، كان الفن وسيلة الناس للتواصل، والتعبير عن مشاعرهم، وتحسين رفاهيتهم. واستخدم العلاج بالفن لأكثر من قرن، قبل أن يُعترف به رسميًا عام 1991.

تستطيع الفنون تحسين الحالة الصحية العقلية والبدنية، والمساعدة في التعامل مع الصدمات لكونها تساعد في التعبير عن التجارب الصعبة

تستطيع الفنون تحسين الحالة الصحية العقلية أو البدنية، والمساعدة في التعامل مع مختلف أنواع الصدمات، فهي تساعد الناس في التعبير عن تجارب يصعب للغاية وضعها في كلمات، مثل التشخيص بالسرطان، إذ تساهم في الحفاظ على هوية إيجابية، أو إعادة بنائها.

اقرأ/ي أيضًا: العلاج بالموسيقى.. جديد الصحة النفسية في لبنان

وهي تؤثر أيضًا في موجات الدماغ والعواطف والجهاز العصبي، ويمكن أن ترفع مستويات السيروتونين، كما يمكن أن تعزز الوقاية من الأمراض، مثلما تساعد في تحسين بيئات الرعاية الصحية، وتقلل من فترات الإقامة في المستشفى.

ما هو العلاج بالفن؟

بدأ العلاج بالفن، بملاحظة أطباء النفس أن المصابين بأمراض عقلية يفضلون التعبير عن أنفسهم بصريًا في بعض الأحيان، ما أدى لاكتشاف الفن كإستراتيجية علاجية، ويستخدم في بعض أساليب التقييم والعلاج.

والعلاج بالفن تقنية علاجية تستخدم أنواع مختلفة من الفنون لتحسين صحة الجسد والعقل والعاطفة للشخص، مستندة إلى فكرة أن التعبير الإبداعي يمكن أن يعزز الشفاء والصحة العقلية.

العلاج بالرسم

لذا أصبح الفن جانبًا مهمًا من العملية العلاجية لعديد المرضى، عن طريق ابتكار أعمال فنية، أو مشاهدة أعمال فنية أخري، وهو الأمر الذي يساهم في اكتشاف الناس لذواتهم، وجوانب مختلفة من شخصياتهم،  ومشاعرهم، وتنمية الوعي الذاتي، والتعامل مع التوتر، ويعزز من احترام الذات، والعمل على المهارات الاجتماعية.

وتضم التقنيات المستخدمة في العلاج بالفن: الرسم أو الطلاء أو التلوين و النحت أو التصوير، وذلك لحث المرضى على إبداع شيء ما يمكن تحليله، لمعرفة ما يشعرون به واستكشاف فنهم من أجل معرفة ما يؤثر في أفكارهم وعواطفهم وسلوكياتهم.

وفي تلك الأثناء، لا يتعين على الشخص أن يمتلك قدرة فنية، أو موهبة خاصة للمشاركة في العلاج بالفن، ويمكن للأشخاص من جميع الأعمار المشاركة فيه.

ويمكن استخدام تقنيات العلاج بالفن رفقة تقنيات العلاج الأخرى، مثل العلاج الجماعي أو العلاج السلوكي المعرفي. ويستخدم العلاج بالفن على نطاق واسع في مختلف الاضطرابات النفسية، ويمكن أن يستخدم مع الأطفال الذين يعانون من صعوبات التعلم، والأطفال الذين يعانون من مشكلات سلوكية أو اجتماعية في المدرسة أو المنزل. 

كما يُستخدم مع البالغين الذين يعانون من التوتر الشديد، أو من اضطرابات نفسية وعقلية، أو الذين يعانون إصابات في الدماغ، أو الأطفال والبالغين الذين تعرضوا لحادث صادم.

هذا إلى جانب استخدامه في علاج القلق، والاكتئاب، والسرطان، واضطراب ما بعد الصدمة، واضطرابات الأكل، والصعوبات العاطفية، والشيخوخة، وتعاطي المخدرات، ومشكلات العلاقات والعائلة.

إذًا، فالعلاج بالفنون فعال على عدة أصعدة، حيث تشير دراسة علمية عن فاعلية تقنيات العلاج بالفن، إلى أن هذه الإستراتيجية العلاجية ساعدت مرضى السرطان في تحسين نوعية حياتهم، وتخفيف مجموعة متنوعة من الأعراض النفسية. كما أن الطبيعة والفن يعملان على تعزيز المناعة عبر خفض مستويات المواد الكيميائية التي تسبب الالتهابات التي يمكن أن تسبب مرض السكري، والنوبات القلبية، وغيرها من الأمراض.

كما وجدت دراسة أجريت عام 2017، أن الأعمال الفنية البصرية المعروضة في المستشفيات، يساهم في تهيئة بيئة يشعر فيها المرضى بالأمان.

ويدور العلاج بالفن حول السماح للمرضى بالتركيز على تجربتهم الداخلية، حيث يستطيعون التركيز على تصوراتهم وخيالهم ومشاعرهم، ويتم تشجيعهم على ابتكار فن يعبر عن عالمهم الداخلي أكثر من صنع شيء يعبر عن العالم الخارجي.

وفيما يلي نستعرض بعضًا من تقنيات العلاج بالفنون:

  • الكتابة التعبيرية:

تساعد الكتابة التعبيرية في خلق معنى للأحداث التي تركت علامات لا تمحى في الإنسان، مثل: التشخيص الطبي، أو وفاة شخص عزيز، أو حادثة عنيفة. ويمكن أن تساعد الناس في التغلب على هذه الصدمات النفسية، وإدارة العواطف السلبية، وتخفيض عدد الزيارات إلى الأطباء.

فعلى سبيل المثال، ثمة دراسة أجريت على ذكورٍ ناجين من إساءة المعاملة في الطفولة، وجدت أن تعبير هؤلاء عن تجاربهم المؤلمة بالكتابة، ساهم في فهمهم للصدمة بصورة أعمق. مثلما وجدت دراسة علمية أن كتابة الأفراد عن التجارب الإيجابية، وعن أفضل ذات يرغبون في تطويرها في المستقبل يرتبط بزيادة الشعور بالراحة النفسية.

تساهم الكتابة التعبيرية كذلك في تحسين أداء الجهاز المناعي، ففي تجربة سريرية أجريت على مرضى فيروس نقص المناعة البشرية وجدت أن الكتابة التعبيرية ساعدت في تعزيز نظام المناعة لديهم من خلال زيادة عدد الخلايا الليمفاوية.

العلاج باموسيقى

كما تساعد الكتابة التعبيرية في التعامل مع الألم المزمن؛ حيث قد تحسن من التحكم في الألم، بالإضافة إلى انخفاض شدة الألم بعد التعبير عن المشاعر الغاضبة في شكل مكتوب.

  • الموسيقى:

تعد الموسيقى الوسيلة الأكثر شيوعًا في مجال العلاج بالفن. وتؤثر الموسيقى في أدمغتنا بطريقة معقدة، محفزة الجهاز الحوفي المسؤول عن الوظائف الانفعالية في جسد الإنسان. 

كما تغير الموسيقى من استجابتنا للمؤثرات المجهدة. وتساعد كذلك في تعزيز عمل الجهاز المناعي، وتقلل من القلق عن طريق تهدئة النشاط العصبي في الدماغ، وتساهم في استعادة التوازن العاطفي.

أيضًا، لموسيقى دورٌ تحسين معدل ضربات القلب، والتنفس، والإجهاد لدى مرضى الشريان التاجي، وتحفز الجهاز المناعي، وتساعد على الاسترخاء، وتخفض مستويات التوتر والكورتيزول في الدم لدى مرضى السرطان.

  • الفنون البصرية:

تساعد الفنون البصرية الأشخاص في التعبير عن التجارب التي يصعب وصفها بكلمات، مثل تشخيص السرطان. وتساهم في الحفاظ على هوية إيجابية أو إعادة بنائها لشخصية المريض أو المُعاَلج.

وقد وجد أن الفنون البصرية تصرف الأفكار عن المرض، وتعزز العفوية، والتعبير عن الحزن، والهوية الإيجابية، والشبكات الاجتماعية لدى مرضى الأمراض المزمنة.

كما تساعد في تحسين الصحة النفسية وتقليل المشاعر السلبية، وزيادة المشاعر الإيجابية في المقابل، خاصة لدى مرضى السرطان.

  • الرقص:

تساهم برامج رقص الزومبا في تحسين مستويات ضغط الدم والدهون الثلاثية. ولا يُحسن الرقص فقط المزاج، بل يمكنه خفض مستويات الشعور بالتعب، بحسب دراسة كورية أجريب على الهيب هوب ورقص الإيروبيك.

الزومبا

لكن مع كل ما سبق، من الجدير الإشارة إلى أنه ليس عليك إنتاج أعمال فنية لاكتشاف قوتها العلاجية، وإنما يكفي أن تحيط نفسك بالفن، باعتباره وسيلة فعالة لمنع مجموعة متنوعة من الحالات، وعلاجها.

في كندا مثلًا، ليس أمرًا غريبًا أن يصف لك الطبيب زيارات مجانية للمتحف، وهو مشروع أطلقته منظمة أطباء مونتريال بالشراكة مع متحف مونتريال للفنون الجميلة، وذلك بهدف معالجة مجموعة متنوعة من الحالات، بداية من الاكتئاب والقلق، إلى اضطرابات القلق، وارتفاع ضغط الدم، جنبًا إلى جنب العلاجات الطبية المنتظمة.

تصرف الفنون البصرية الأفكار عن المرض، وتعزز العفوية والتعبير عن الحزن والهوية الذاتية الإيجابية، وتقلل من المشاعر السلبية 

فزيارة المتاحف تساهم في تخفيض الضغط على الناس، من خلال إخراجهم من ازدحام الحياة العصرية، وإشراكهم ببيئة أكثر هدوءًا، والعلاج بالفن ليس حكرًا على المرضى وحسب، وإنما يمكن للأصحاء حصد منافعه عن طريق تحويل تركيزهم عن الأشياء التي تثير قلقهم، كما أنها تساهم في تحسين الوعي واحترام الذات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

في الحاجة إلى العلاج النفسي الوجودي

السيكودراما.. علاج طلابي ما بعد حداثي!