03-سبتمبر-2016

أزمة في توفير لبن الأطفال بمصر(Getty)

افترشت نسوة، تبدو على ملامحهن البساطة في المظهر والتطلعات، الرصيف المقابل لمستشفى معهد ناصر يحملن زجاجات رضاعة  فارغة، ومعهن أبنائهن، يقطعن الطريق اعتراضًا على شح لبن الأطفال. منهن من وجهت رسالة ملؤها المرارة والسخط لأحد الضباط تقول فيها: "لا نقول أننا نبحث عن خضار أو طعام أو شراب، نحن نريد اللبن، مشيرة لابنها الذي على كتفها". وقد أدت الاحتجاجات التي قام بها المئات من المعترضين على شح لبن الأطفال إلى إغلاق الطريق من الجهتين وإلى شلل مرور تام في هذه المنطقة الحيوية بالقاهرة.

كانت أزمة لبن الأطفال قد ظهرت على السطح منذ فترة ولكن اختفاء اللبن المدعم، الذي تعتمد عليه الطبقة الفقيرة، ساهم في تفاقمها

والحقيقة أن الحكومة قامت بالفعل برفع الدعم عن صناعة الدواء في مصر وكان من بين المنتجات لبن الأطفال، حيث وصل سعر علبة الحليب الواحدة من 17 جنيهًا مصريًا، ما يعادل دولار وعدة سنتات، إلى 60 جنيهًا أي ما يعادل 5 دولارات تقريبًا، وكانت أزمة لبن الأطفال قد ظهرت على السطح منذ فترة ولكن الذي جعلها تتفاقم بشكل كارثي هو اختفاء اللبن المدعم الذي تعتمد عليه الطبقة الفقيرة من الأسواق، وصار لا يتوفر إلا في السوق السوداء بضعف السعر.

وهكذا زادت أسعار ألبان الأطفال بنسبة حوالي 40%، كذلك تم صرف الألبان للأطفال الأكبر من 6 أشهر بـ26 جنيهًا بدلاً من 18 جنيهًا، كما تجدر الإشارة إلى أن الألبان غير المدعمة قد تم رفع سعرها أيضًا في زيادة رسمية ثانية بعد الأزمة الأخيرة.

اقرأ/ي أيضًا: "بلومبرج" تلوم السيسي على تراجع الاقتصاد المصري

التصريحات الرسمية تنفي الأزمة..

وزير الصحة الدكتور أحمد عماد الدين أشار في تصريحات لوسائل إعلام محلية، في وقت سابق، أن الهدف من مشروع سمّاه "منظومة ميكنة صرف ألبان الأطفال المدعمة"، أي إضافة اللبن المدعم للأطفال على "كروت" ذكية لصرفها من منافذ حددتها وزارة الصحة، وهو المشروع الذي ارتفعت بموجبه الأسعار، هو "دعم وتشجيع الرضاعة الطبيعية"، ونفى أن تكون هناك مشكلة في توفير لبن الأطفال أصلًا.

مصادر أخرى نفت وجود أي أزمة في ألبان الأطفال، مؤكدة أن هناك 15 مليون علبة في المخازن، والمخزون يكفي من 4 إلى 7 أشهر، وأن البنك المركزي يعطي أولوية لاستيراد ألبان الأطفال. أما الطوابير الطويلة سعيًا وراء علبة لبن مدعمة فقد تم إرجاعها إلى انخفاض سعر الأنواع التي تصرفها الحكومة مقارنة بالأسعار الأخرى. وأدت هذه الأزمة إلى دخول لبن الأطفال السوق السوداء ودائرة المافيا، ويرجع البعض ذلك إلى قرارات الحكومة التي منعت استيراد الألبان المدعمة من الخارج.

هل تتقاعس الحكومة عن حل الأزمة؟

تكلفة إنشاء مصنع للألبان في مصر لا تتجاوز 100مليون جنيه، حسب تقديرات عدد من رجال الاقتصاد، ولكن الحكومة تتقاعس عن إنشاء مصنع للألبان مع العلم أنها تستورد بما يعادل مليار جنيهًا من دول مختلفة، وهذا ما أوضحه تحديدًا الدكتور محي عبيد، نقيب الصيادلة بمصر. ويقول عبيد إن "الأسر المصرية تحتاج إلى 60 مليون علبة لبن شهرياً، بينما دعم الدولة يوفر 25 مليون عبوة شهرياً فقط".

حسب دراسة في سنة 2012، هناك تقديرات غير رسمية لأنشطة الجيش تقول إنه يسيطر على ما بين 5 إلى 40% من الاقتصاد المصري

اقرأ/ي أيضًا: السيسي.. فرعونٌ بلا أهرامات

الجيش يتدخل وعاصفة من ردود الأفعال الساخرة

منذ أن صرح أحمد عماد الدين، وزير الصحة المصري، أن "الجيش المصري ضخ 30 مليون علبة لبن للأطفال في الأسواق" والكل يتساءل: ما الذي كان يفعله الجيش المصري بألبان الأسواق، ولماذا ظهر الآن وهل ظهر حين أصبح شحيحًا حتى يمكن بيعه بضعف سعره للمنتظرين المتلهفين؟ وغيرها من الاسئلة.

من ردود الأفعال الساخرة، التي تم رصدها كان رد باسم يوسف، الإعلامي المصري صاحب برنامج "البرنامج"، الذي تم إيقافه منذ عامين، وقد أشار في تدوينة على تويتر أن "الممارسات التي تحدث لا يجوز بعدها تسمية الجيش بالجيش بل بـ"العصابة المسعورة"، مشيرًا إلى استغاثة نشرت في وقت لاحق في إحدى الصحف، وكانت حول دخول الجيش بتجارة لبن الأطفال وأن ذلك سيؤدي إلى احتكاره. وتواصلت على المواقع الاجتماعية التدوينات سخرية من ما اعتبروه "دخول الجيش إلى عالم تجارة ألبان الأطفال"، في حين لم يستسغ بعض الناشطين السخرية أمام بطون الأطفال، التي باتت فارغة بسبب نقص غذائهم الأهم.  

تعليق باسم يوسف

تعليق عبد الله الشريف

صناعات يحتكرها الجيش

تحول الجيش المصري إلى شريك رئيس في الاقتصاد المصري، ويسعى إلى الزحف على قطاعات أخرى لاحتكارها، حسب البعض. تقول دراسة "جنرالات مصر ورأس المال العابر للحدود" والتي نشرت في مجلة "ميدل إيست ريبورت" في 2012، إن "هناك تقديرات غير رسمية لأنشطة الجيش تقول إنه يسيطر على ما بين 5 إلى 40% من الاقتصاد المصري".

ويبرز جليًا أن الجيش المصري يتدخل بمنافذه لبيع المواد الغذائية بأسعار مخفضة وتسمى شعبياً أو بين الناس بـ"منافذ المؤسسة" ويُقصد بها مؤسسات القوات المسلحة لمنافذ الطعام، كما تم تسليم الجيش المصري مشاريع البُنى التحتية، ومشاريع احتكار الأراضي الزراعية واستصلاحها وغيرها الكثير من الصناعات التي تزيد من مساحة سيطرة الجيش على الحياة المدنية في مصر.

اقرأ/ي أيضًا:

الطالب المصري.. "ممنوع من السفر"!

5 دول تمنع استيراد سلع مصرية لـ"عدم صلاحيتها"