22-ديسمبر-2021

الشاعر المصري الراحل أمل دنقل (ألترا صوت)

ألترا صوت - فريق التحرير

هذه المساحة مخصصة، كل أربعاء، لأرشيف الثقافة والفن، لكل ما جرى في أزمنة سابقة من معارك أدبية وفنية وفكرية، ولكل ما دار من سجالات وأسئلة في مختلف المجالات، ولكل ما مثّل صدوره حدثًا سواء في الكتب أو المجلات أو الصحف، لكل ذلك كي نقول إن زمن الفن والفكر والأدب زمن واحد، مستمر دون انقطاع.


لا يغيب أمل دنقل عن عالمنا. البؤس والمرارة اللذان يعنونان أحوال العالم العربي، يعيدانه إلى دائرة الضوء، بين وقتٍ وآخر، بوصفه صاحب تجربة شعرية وثّقت أحواله، وأرّخت لهزائمه التي رأى أنها نتاج سياسات أنظمةٍ قمعية، لم يتردد في تعرية عوراتها وهزالها وفسادها عبر قصائده التي تُقرأ بوصفها مرآةً لبؤس العرب وهزائمهم.

يقول أمل دنقل في أحد حواراته إنه كتب هذه القصيدة تحت تأثير الخوف من احتمال وصول الإسرائيليين إلى القاهرة خلال حرب 1967

اتسمت قصائد أمل دنقل بصفاته: القسوة، الرفض، العناد، الحدّية، والتمرد. وعبّرت، من داخل هذه الصفات وعبرها، عن واقعٍ عربي مأزوم، وأحوال شعوبٍ مقهورة ومحاصرة بالفقر والقمع والترهيب، الأمر الذي جعل منها بيانًا شعريًا فارقًا ضد الخوف، متفردًا في التعبير عن أصوات الفقراء المقموعين والحالمين، وجريئًا في نقد سلطوية الأنظمة السلطوية العربية وسياساتها، التي راكمت هزائم برع الشاعر المصري الراحل في تصويرها ونقدها.

اقرأ/ي أيضًا: أرشيفنا الثقافي: "ذاكرة الشعوب".. سلسلة كتب منسية

من هنا ارتبط شعر أمل دنقل بالهزائم، وخاصةً هزيمة حزيران/ يونيو 1967، التي عبّر عنها، نفسيًا وفكريًا، بأسلوبٍ يحمل من الغضب والنقد مقدار ما يحمل من الألم والمرارة، لا سيما في قصيدته الشهيرة "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة"، التي أعلن عبرها عن ولادة أخرى لشخصيته الشعرية التي جاءت أكثر حدة وقسوة في نقد الواقع العربي.

يقول الشاعر المصري الراحل في أحد حواراته حول هذه القصيدة: "كتبتها عقب النكسة مباشرةً (1967) فقد كنا ذات ليلة، أنا والصديق علي سالم (المؤلف المسرحي) ساهرين في القاهرة المظلمة في ذلك الوقت، وكنت متوقعًا من اليوم الثاني، عندما لم أجد أخبارًا عن معارك الطيران، أن ما دبّر في 1956 من ضرب الطيران المصري على الأرض بواسطة الطيران الفرنسي والإنجليزي تحقق هذه المرة أيضًا، وإلا كنا قد سمعنا عن معارك جوية بين طائراتنا وطائرات إسرائيل، وقلت هذا الكلام لكثيرين - أذكر من بينهم الصديق رجاء النقاش - ولكنهم لم يصدقوا فأثرت الصمت".

ويشير دنقل في الحوار نفسه إلى أنه كتب هذه القصيدة، تحت تأثير الخوف من احتمال وصول الإسرائيليين إلى القاهرة: "لأن هذا الاحتمال كان قائمًا. كيف يمكن أن تغتصب النساء أمام عيوننا وتجميعنا في معسكرات اعتقال، ورؤية الجنود الإسرائيليين يمشون في شوارع القاهرة حاملين سلاحهم. هذه الرؤية أصابتني بالذعر، خرجنا وليلتها كتب علي سالم مسرحية "أغنية على الممر" التي تحولت إلى فيلم سينمائي أيضًا.. وذهبت إلى منزلي وكتبت قصيدة "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة"، ولم تنشر في حينها بسبب المقاطع التي تتحدث عن غياب الحرية".

في هذه القصيدة التي أثارت جدلًا واسعًا في المشهد الثقافي العربي، يسأل أمل دنقل زقاء اليمامة، التي وصلها: "مثخنًا بالطعنات والدماء/ أزحف في معاطف القتل وفوق الجثث المكدسة/ منكسر السيف/ مغبّر الجبين والأعضاء"، عن ساعده: "المقطوع/ وهو ما يزال ممسكًا بالراية المنكسة/ عن صور الأطفال بالخوذات ملقاةً على الصحراء/ عن جاري الذي يهم بارتشاف الماء/ فيثقب الرصاص رأسه.. في لحظة الملامسة/ عن الفم المحشو بالرمل والدماء/ أسأل يا زرقاء/ عن وقفتي العزلاء بين السيف.. والجدار/ عن صرخة المرأة بين السبي.. والفرار؟".

عبّرت قصائد أمل دنقل عن واقعٍ عربي مأزوم، وأحوال شعوبٍ مقهورة ومحاصرة بالفقر والقمع والترهيب

يضيف الشاعر المصري الراحل بنبرة قوامها الأسى والمرارة: "كيف حملت العار؟/ ثم مشيت؟ دون أن أقتل نفسي؟/ دون أن أنهار؟/ ودون أن يسقط لحمي.. من غبار التربة المدنسة؟/ تكلمي أيتها النبيلة المقدسة/ تكلمي.. بالله.. بالشيطان/ لا تغمضي عينيك، فالجرذان/ تعلق من دمي حسائها.. ولا أردها/ تكلمي.. لشدة ما أنا مهان/ لا الليل يخفي عورتي.. ولا الجدران/ ولا اختبائي في الصحيفة التي أشدها/ ولا احتمائي في سحب الدخان".

اقرأ/ي أيضًا: أرشيفنا الثقافي: ديوان "لن".. ولادة قصيدة النثر العربية

يقول الشاعر اللبناني محمد علي شمس الدين في وصف قصائد دنقل: "هذا النقد الشعري الخطير لواقع الهزيمة العربية، باللجوء إلى التاريخ العربي المضيء الذي لا يفيد، بل يلغي الحاضر، بل يكسفه الحاضر بغمامته السوداء ويجعل منه أعمى، رسّخه أمل دنقُل بقصائد لاحقة، أدخل فيها التراث العربي كجزء نقدي في ترسيم صورة الحاضر، وقطف مشاهد أو لحظات من هذا التاريخ، ليبثّها في جسد الحاضر، كألغام أو أسئلة حارقة، لا كقيم ثابتة في ذاتها، لذلك فهو لم يقف عليها وقوفه على الأطلال "الجميلة"، بل استقدمها بكثير من الاستفزاز، وبقوّة نقديّة خاصّة، وسمت شعريته".

 

اقرأ/ي أيضًا:

أرشيفنا الثقافي: "بولاق".. سيرة مطبعة

أرشيفنا الثقافي: "الكرمل".. قصة مجلة