24-نوفمبر-2021

شعار مجلة "الكرمل" (ألترا صوت)

ألترا صوت - فريق التحرير

هذه المساحة مخصصة، كل أربعاء، لأرشيف الثقافة والفن، لكل ما جرى في أزمنة سابقة من معارك أدبية وفنية وفكرية، ولكل ما دار من سجالات وأسئلة في مختلف المجالات، ولكل ما مثّل صدوره حدثًا سواء في الكتب أو المجلات أو الصحف، لكل ذلك كي نقول إن زمن الفن والفكر والأدب زمن واحد، مستمر دون انقطاع.


في كانون الثاني/ يناير عام 1981، صدر في العاصمة اللبنانية بيروت العدد الأول من مجلة "الكرمل"، التي أسسها وترأّس تحريرها الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش منذ تأسيسها وحتى وفاته في 9 آب/ أغسطس عام 2008.

في جملة "الإبداع في الثورة والثورة في الإبداع" التي وردت في تقديم محمود درويش للمجلة، يكمن واحدٌ من شعاراتٍ كثيرة رفعتها "الكرمل" بشكلٍ غير مباشر

ولدت مجلة "الكرمل" على وقع حربٍ أهليةٍ دامية، واستمرت في الصدور من بيروت، بشكلٍ متقطع، حتى أواخر عام 1982 الذي شهد اجتياح الجيش الإسرائيلي للعاصمة اللبنانية، وحصاره لها بهدف الضغط على "منظمة التحرير الفلسطينية" التي خرجت منها منتصف العام نفسه، وذلك قبل أن تتبعها أسرة تحرير المجلة التي أعاد محمود درويش إصدارها في العاصمة القبرصية نيقوسيا في بداية عام 1983. 

اقرأ/ي أيضًا: أرشيفنا الثقافي: مجلة "أبولّو"

واصلت المجلة في نيقوسيا، ومن ثم في رام الله التي انتقلت إليها في منتصف تسعينيات القرن الفائت، ما بدأته في بيروت التي صدرت فيها 6 أعدادٍ كانت كافية لجعل المجلة واحدة من أبرز الدوريات الأدبية والفكرية في المشهد الثقافي العربي، الذي كان يعاني عند صدورها، بفعل عوامل عديدة، من أزماتٍ مختلفة انطلقت "الكرمل" لتتصدى لها وتصوغ ما أسماه محمود درويش في تقديمه لعددها الأول بـ "ثقافة الأزمة"، التي رأى أن السؤال عنها قد ارتفع في ظل: "الانفجار المفتوح على الاحتمالات، الانفجار الذي يهز المجتمعات العربية". 

وثقافة الأزمة، وفق تعريف صاحب "لا تعتذر عما فعلت"، هي: "محصلة تاريخية لمعاناة مرحلة كاملة، مرحلة تختلط فيها الحروب بالحروب الأهلية، والحداثة بالاغتراب، والأصالة بالسلفية. ويتم الانفصال فيها بين المسيطر والمسيطر عليه. ولأنها كذلك، فهي مرحلة تختلط فيها النهايات بالبدايات". 

ويشير الشاعر الفلسطيني الراحل في مقدمته التي عنونها بـ"بيان الكرمل"، إلى أن: "خيارنا الوحيد هو الانتماء إلى الإبداع في الثورة والثورة في الإبداع. هو أن نحاول لملمة فتات الضوء المختلط بالوحل داخل مرآة تكون إطارًا للحرية وأفقًا لا تحده المسبقات الجاهزة". ويضيف: "الانتماء إلى الإبداع والثورة هو المغامرة، لأنه انتماء إلى غد يتأسس، وفي الغد تكتشف أن أرض خياراتنا لا تكون إلا أرض حرية".

في جملة "الإبداع في الثورة والثورة في الإبداع" التي وردت في مقدمة محمود درويش، يكمن واحدٌ من شعاراتٍ كثيرة رفعتها، بشكلٍ غير مباشر، المجلة التي حدد مؤلف "لماذا تركت الحصان وحيدًا" غايتها بقوله إنها: "تسعى إلى الجديد، وجديدها ليس جديدها، بل هو جديد الثقافة العربية، جديد هذا الصوت الذي لم يختنق، وهذا الوعي القادر على أن يلملم شتاته وينهض، ويؤسس لإطار صغير، قد يكون حاجة، وقد يكون إعلانًا عن الحاجة إلى الصراخ المدوي. لذلك، يكون جديدها، هو قدرتها، على أن تكون أرضًا للحوار والتعدد. أرضًا للثقافة وعلاقة كتابة الثورة بثورة الكتابة التي تبدأ من جديد".

استمرت "الكرمل" بالعمل وفق الأساسات التي وضعها لها محمود درويش في بيانه، طيلة ثلاثة عقودٍ استطاعت خلالها جمع عددٍ كبيرٍ من المثقفين العرب والعالميين الذين قدّموا على صفحات أعدادها الـ 90، مساهماتٍ مهمة في مجالات مختلفة شملت الدراسات الثقافية، والنقد الأدبي، والقراءات الشعرية، والترجمة، وغيرها. 

وبالإضافة إلى ما سبق، تميّزت المجلة بملفاتها التي خصصتها للبحث في قضايا ومسائل مهمة وإشكالية في العالم العربي مثل الاستعمار، والانتفاضة الفلسطينية الأولى، وغيرها. ناهيك عن توفيرها مساحة غايتها تعريف القارئ العربي بالمثقفين الإسرائيليين والتيارات الإسرائيلية التي تقف خارج سياق الصهيونية، وإطلاعه على نقدهم لها. 

"الكرمل" ابنة محمود درويش، وقد اكتسبت الكثير من ملامحه، فهي رفيعة ومترفعة، بقدر ما ينبغي للثقافة الحقيقية أن تكون

واجهت "الكرمل" في سنواتها الأخيرة، أزمة مالية دفعت محمود درويش إلى تجميدها بعد صدور عددها الـ 89 أواخر عام 2006. ومع ذلك، أعرب الشاعر الفلسطيني لرفاقه حينها عن أمنيته بأن يصل بالمجلة إلى العدد 90، وهو ما لم يتحقق إلا بعد وفاته، حيث أصدر رفاق الشاعر الفلسطيني في ذكرى ميلاده، 13 آذار/ مارس 2009، وبعد نحو 7 أشهر على وفاته، العدد 90 من المجلة، وهو عددها الأخير، الذي جاء مخصصًا للحديث عنه وعن تجربته الشعرية. 

اقرأ/ي أيضًا: أرشيفنا الثقافي: جماعة كركوك

كتب حسن خضر، محرر العدد الأخير من المجلة الذي احتفى بمحمود درويش، في افتتاحية العدد: "الكرمل ابنة محمود درويش، وقد اكتسبت الكثير من ملامحه، فهي رفيعة ومترفعة، بقدر ما ينبغي للثقافة الحقيقية أن تكون". وأضاف: "ولدت الكرمل في بيروت، وعينها على فلسطين، وبما أن فلسطين محمود درويش، ليست جغرافيا وحسب، بل اسم من أسماء الحرية، ومجاز جديد في القرن العشرين، لنشيد هوميري خالد وقديم، أصبحت فلسطين أكبر، فاتسعت مساحتها الفكرية والإبداعية لتصبح بحجم العالم العربي، وانفتحت على عالم أوسع وأرحب، اسمه الإنسان أينما كان، بصرف النظر عن اللون، والعرق، واللغة".

 

اقرأ/ي أيضًا:

أرشيفنا الثقافي: حين رفض صنع الله إبراهيم جائزة "ملتقى القاهرة"

أرشيفنا الثقافي: حين امتنع محمد عابد الجابري عن مساجلة جورج طرابيشي