16-فبراير-2023
الفنان العراقي ضياء العزاوي

الفنان العراقي ضياء العزاوي

يُعدّ الفنان التشكيلي العراقي ضياء العزاوي (1939) واحدًا من أبرز رواد الفن التشكيلي العراقي والعربي الحديث، وصاحب واحدة من أهم التجارب التشكيلية العربية سواءً لناحية شكلها ومرجعيتها وما تتبناه من قضايا، وتحيل إليه من أفكار ورؤى وتصورات هي نتاج تفاعله مع محيطه وما يدور فيه.

أنجز العزاوي الكثير من الرسومات التي رافقت نصوصًا شعرية للعديد من الشعراء العرب لا للتزيين وإنما لبناء مفاهيم فنية جديدة

تكتسب تجربة الفنان العراقي أهميتها من استخدامه وسائل مختلفة للتعبير عن المواضيع التي شغلته وأقام عليها منجزه الفني الذي يشتمل على أعمال تعبّر عن واقع وهموم ومآسي وأهوال العراق، والعالم العربي عمومًا، منذ حرب الخليج وصولًا إلى صعود تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"؛ وأخرى مخصصة لنضال الشعب الفلسطيني وما تعرّض إليه داخل بلاده وخارجها، بالإضافة إلى بعض الأعمال المرتبطة بإرث العراق الثقافي والديني والرمزي. ناهيك عن إقامته علاقة استثنائية مميزة بين الرسم والشعر الذي لم يستوحي منه بقدر ما أراد تقديم معادل أو شكل بصري لنصوصه.

بدأت علاقة العزاوي مع الشعر منتصف ستينيات القرن الفائت، حيث اتخذ حينها من ملحمة جلجامش موضوعًا لمجموعة رسومات نُشرت في مجلة "العاملون في النفط". ثم قدّم بعدها رسومًا أخرى لبعض نصوص الحلاج، تبعتها مجموعة رسوم قدّمها على شكل دفتر، حول مقتل الإمام الحسين. وفي عام 1969، طلب منه الشاعر العراقي مظفر النواب تصميم غلاف ورسوم لقصائد مجموعته الشعرية "للريل وحمد".

وفي عام 1978، أقام معرضًا مخصصًا لـ "المعلقات السبع" التي قدّم حولها أعمالًا فنية للعرض وليست رسومًا ترافق نصوصًا في كتاب على حد قوله. وفي تقديمه للمعرض، كتب العزاوي نصًا عبّر من خلاله عن طبيعة علاقته الفنية بالشعر: "لا الكلمات، لا الزمن القديم الذي يستبطن هذه القصائد، بل تراكم الحروف وتوالي الرموز على خط واحد من التصور هو الحضور هنا".

وأضاف العزاوي: "الشعر ليس مجرد رموز وليس لغة وحسب. إنه طاقة الخيال وإعادة التذكّر، بمقدار تنوع هذه الطاقة وامتلاكه لدلالات لا حصر لها، تكمن علاقة هذه الرسوم بالمعلقات. إن اللحظة التي أردت أن أمسكها هي تلك اللحظة التي تنمو فيها صورة معينة لعلاقة الإنسان مع محيطه، هذا الإنسان الذي نراه في تتابع سردي نموذج للحب والاخفاق، للشجاعة وللثأر، للماضي الجميل المشيد كسراب صحراوي في الذاكرة.. من هنا لا تتحد الأشكال المرسومة في جمل فرعية أو في كلية القصيدة. إنها محاولة لتجسيد ذلك النوع من العلاقة بين الكلمات كأشكال وبين الرمز كدلالة، والتقاط لتوالد هذه العلاقة وتمايزها لخلق عناصر تشكيلية ولتحويل الهاجس اللغوي إلى شكل بصري".

بعيدًا عن المعارض، أنجز التشكيلي العراقي الكثير من الرسومات التي رافقت نصوصًا شعرية مطبوعة للعديد من الشعراء العرب، دون أن تكون الغاية منها "التزيين" وإنما محاولة بناء مفاهيم فنية جديدة، وتشييد عوالم بصرية تنأى عن النص بقدر ما تتبناه كنظام داخلي للأفكار بحسب تعبيره. هكذا رافقت رسوماته قصائد "أحمد الزعتر" لمحمود درويش، و"ضاحكًا جاء الموت إلى تل الزعتر" للطاهر بن جلون، و"يسارًا حتى جبل الزيتون" ليوسف الصائغ، التي جُمعت في كتاب واحد حمل عنوان "النشيد الجسدي: قصائد مرسومة لتل الزعتر".

أقام العزاوي علاقة استثنائية بين الرسم والشعر الذي لم يستوحي منه بقدر ما أراد تقديم معادل أو شكل بصري لنصوصه

يقول ضياء العزاوي عن هذا الكتاب: "النشيد الجسدي، رسوم أردتها عن ذلك الحصار. ليست هي للعزاء، ولا هي وثيقة عن مجزرة داكنة العتمة. إنها تعبير يحاول خلق ذاكرة حرة تتواصل ضد القهر حتى تحضر زمنًا تنزف فيه شرارتها المضيئة، زمنًا يستدعي دم الأصدقاء والأخوة، ويجعل قدوم الآتين من بوابة الشهداء".

أنجز أيضًا رسومات لقصائد محمود درويش ويوسف الصائغ ومحمد بنيس وقاسم حداد ومظفر النواب وأمجد ناصر والسياب والجواهري. وتبدو رسوماته أقرب إلى دعوة للقارئ لتخيّل النص المكتوب لا قراءته فقط.