13-أكتوبر-2022
الكاتب والروائي المصري توفيق الحكيم

الكاتب والروائي المصري توفيق الحكيم

هذه المساحة مخصصة، كل أربعاء، لأرشيف الثقافة والفن، لكل ما جرى في أزمنة سابقة من معارك أدبية وفنية وفكرية، ولكل ما دار من سجالات وأسئلة في مختلف المجالات، ولكل ما مثّل صدوره حدثًا سواء في الكتب أو المجلات أو الصحف، لكل ذلك كي نقول إن زمن الفن والفكر والأدب زمن واحد، مستمر دون انقطاع.


في عام 1957، بدأ الكاتب والناقد المصري أحمد رشدي صالح سلسلة مقالات نقدية على صفحات جريدة "الجمهورية" يقارن فيها بين أعمال الكاتب والروائي المصري توفيق الحكيم (1898 – 1987) وبعض الأعمال الأجنبية، التي ادعى أن الحكيم اقتبس معظم منجزه الأدبي منها، خاصةً كتابه "حمار الحكيم" (1940) الذي قال إنه اقتبسه من كتاب "أنا وحماري" (1914) للكاتب والشاعر الإسباني خوان رامون خيمينيث(1881 – 1958).

أشعل اتهام توفيق الحكيم بالسرقة من الإسباني خوان رامون خيمينيث واحدًا من أكبر السجالات الأدبية في مصر خلال القرن العشرين

أثارت المقارنة بين الكتابين جدلًا واسعًا وسجالات حادة في الأوساط الثقافية المصرية، ذلك أنها تضمنت اتهامًا صريحًا للحكيم بالسرقة من خيمينيث، خاصةً أن صالح طبع إلى جانب مقاله، بالزنكوغراف، صفحات كاملة من كتاب "حمار الحكيم" تقابله صفحات مماثلة من كتاب "أنا وحماري" للاستشهاد بها على صحة أقواله.

أشعل اتهام أحمد رشدي صالح للحكيم بالسرقة من خيمينيث واحدًا من أكبر السجالات الأدبية في مصر خلال النصف الثاني من القرن العشرين، إذ شارك فيه معظم كتّاب وأدباء مصر الذين انقسموا بين فئة مؤيدة لما جاء في مقالات صالح، وأخرى معارضة دافعت عن أصالة "حمار الحكيم" ومؤلِّفه.

وقف في صف الحكيم عدد كبير من أدباء مصر، لعل أبرزهم عباس محمود العقاد، ورجاء النقاش، ويوسف السباعي الذي دارت بينه وبين كامل الشناوي – الذي كان في صف صالح – معركة حامية حول هذه القضية. ناهيك عن إحسان عبد القدوس الذي رأى أن الغاية من مقالات صالح هي النيل من صاحب "يوميات نائب في الأرياف".

وقال عبد القدوس في مقالة نشرها في مجلة "روزا اليوسف" حول هذه القضية: "رشدي صالح يتهم توفيق الحكيم بأنه يقتبس إنتاجه من إنتاج كتّاب غربيين ما عدا روايتيه "عودة الروح" و"يوميات نائب في الأرياف". ورشدي كان يُعتبر بيننا ناقدًا جادًا وباحثًا أدبيًا لا يكتب كلامًا في الهواء، لكن استطراده في اتهام الحكيم بمجموعة مقالات جعل لها طعم الاتهام".


خوان رامون خيمينيث
خوان رامون خيمينيث

وأضاف: "في رأيي أن الضحية الحقيقية لهذه الضجة هو أحمد رشدي صالح نفسه لأنه ضحية للصحافة وللفن الصحفي. وتوفيق الحكيم ليس ضحية، إنه لا يزال توفيق الحكيم، وسيبقى توفيق الحكيم في حاضرنا ومستقبلنا، وليست هذه هي المرة الأولى التي يُتّهم فيها الحكيم بالاقتباس، وأذكر أنهم اتهموه من قبل بسرقة روايته "الرباط المقدس"، وراح هؤلاء منذ عشرات السنين وبقي توفيق الحكيم يكتب ويؤلِّف، وسر بقائه أنه فنان".

ورغم مساندة العديد من الكتّاب المصريين له، إلا أن اتهامات رشدي صالح تركت أثرًا بالغًا في نفس الحكيم بسبب شعوره بأن مجده الأدبي ينهار بفعل حملة رشدي صالح، التي انتهت بعد أن منح الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قلادة "الجمهورية" لتوفيق الحكيم في 17 كانون الأول/ ديسمبر عام 1958، وهي ثاني أرفع الأوسمة في مصر بعد قلادة "النيل"، ولم تكن تمنح حينها إلا للملوك ورؤساء الجمهوريات.

ويرى الكاتب لويس عوض في كتابه "الحرية ونقد الحرية"، أن منح الحكيم قلادة "الجمهورية" كان بمثابة: "إعلان رأي الدولة في توفيق الحكيم، أو بمثابة فصل في الخطاب بمعنى كفى عبثًا أيها النقاد الناقصون من الشعور بمسئولية الكلمة فإن توفيق الحكيم قيمة كبرى في المجتمع المصري".

انتهت الحملة ضد الحكيم بعد أن منحه الرئيس جمال عبد الناصر قلادة "الجمهورية" في 17 كانون الأول/ ديسمبر عام 1958

ويذكر الناقد غالي شكري في كتابه "الأرشيف السري للثقافة المصرية"، أن عبد الناصر كان من المعجبين بالحكيم، وأنه قال تعليقًا على اتهامه بالسرقة: "إنني لا أفهم المقارنات والتحليلات الأدبية. ولكني أشعر أن هناك من يريد النيل من توفيق الحكيم، وهو رجل عظيم أعترف أنني تأثرت بروايته "عودة الروح" تأثرًا عميقًا".

وأضاف: "لقد حاولت تقليده في كتابة قصة لم أكملها، ولكن المؤكد أنني استوحيت من روايته "ثورة" أحاول استكمالها"، وهو ما دفع البعض إلى القول بأن منحه الوسام جاء تعبيرًا عن تقديره له من جهة، ولوقف الحملة ضده من جهة أخرى.