14-ديسمبر-2021

(Getty)

قد تضحك إذا ظهر أمامك مقطعًا مصورًا مركّبًا لأحد أقربائك، تم فيه تبديل رأسه بجسد شخص آخر أو شاهدت فنّانك المفضل وهو يلعب أو يرقص، أو أن صديقًا لك ظهر بفيديو يجالس أحد المسؤولين، وربما تشير أيضًا إلى أن التطبيق المستخدم في ذلك ترفيهي ومثير للإعجاب، لكن ماذا لو تم تطبيق التقنية ذاتها لخطاب مسيء نُسب لمرشّح انتخابي أو استخدمت ضد طفل أو امرأة مثلًا كمحتوى إباحي!

شكلت المواد الإباحية المزيفة العميقة 96٪ من عينة دراسة لأكثر من 14 ألف مقطع فيديو مزيف عميق تم نشره عبر الإنترنت

هذه التقنية التي أرّقت الكثيرين، وجعلت من بعضهم فريسة عمليات نصب واحتيال بعشرات آلاف الدولارات، توصف بتقنية التزييف العميق (deepfakes)، وهي تطبيقات متاحة عبر الانترنت، تمكّن مستخدميها من إنشاء وسائط تركيبية عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي، تحاكي وسائط رقمية حقيقية بجودتها وسلامتها إلى حد كبير.

الاتجاه نحو الإباحية

تزيد احتمالية استخدام تقنية التزييف العميق إذا ما ظهرت الدعوة لها كإعلانات على المواقع الالكترونية، خصوصًا أن لعالم الإعلان تأثيره وأحيانًا سحره إذا عبر لغرائز إنسانية.

وبحسب تقرير أعدّته وكالة رويترز الاثنين، تعتبر كيفية تطبيق التكنولوجيا المتطورة للتزييف العميق والتي لم تكاد تبلغ الأربع سنوات بعد، هي إحدى التعقيدات التي تواجه برامج الوسائط التركيبية، حيث يتم استخدام التعلم الآلي لصنع نماذج الوجوه رقميًا من الصور، ثم تبديلها في الأفلام بأكبر قدر ممكن من السلاسة.

اقرأ/ي أيضًا: في 3 أشهر فقط.. يوتيوب يحذف 8 ملايين فيديو "إباحي وعنيف ومسيء"

وشكلت المواد الإباحية المزيفة العميقة 96٪ من عينة دراسة لأكثر من 14 ألف مقطع فيديو مزيف عميق تم نشره عبر الإنترنت، في حين أن مقاطع الفيديو المزيفة تتضاعف أعدادها على الشبكة العنكبوتية كل ستة أشهر تقريبًا، وفقًا لتقرير صادر عام 2019 عن شركة Sensity، وهي شركة تكتشف الوسائط الاصطناعية وتراقبها.

من جهته، يقول أجدر أحد مؤلفي الدراسة ورئيس السياسات والشراكات في شركة ميتافيزيك للذكاء الاصطناعي، إن "الغالبية العظمى من الضرر الناجم عن التزييف العميق في الوقت الحالي هو شكل من أشكال العنف الرقمي القائم على النوع الاجتماعي"، مردفًا أن بحثه أشار إلى أن الملايين ممن تم استهدافهم، هم نساء من جميع أنحاء العالم، فيما تساءل إذا ما كان يتم تسويق التطبيق بشكل صريح كـ"أداة إباحية" أم لا.

ويشير الخبراء إلى أن تقنية التزييف العميق أصبحت حاليًا متقدمة لدرجة أن المشاهدين العامّين سيكافحون لتمييز العديد من مقاطع الفيديو المزيفة عن الواقع، في وقت انتشرت فيه إلى الحد الذي أصبحت متاحة لأي شخص لديه هاتف ذكي تقريبًا، ودون الحاجة إلى التخصص.

وسيلة للنصب والاحتيال

يمكن لهذه التقنية أن تكون جالبة للمتاعب والمصائب، لاسيما إذا راح ضحيتها آلاف الدولارات، إذ يوضّح باحثون أن أهمية دراسة هذه التقنية تجلّت بعد أن قرأوا عن محتالين استخدموا برنامجًا لتقليد الصوت لخداع مدير تنفيذي لإحدى شركات الطاقة البريطانية، حيث طلبوا منه أن يرسل إليهم أكثر من 240 ألف دولار من خلال انتحال شخصية رئيسه الألماني الجنسية وتزييف صوته.

وبحسب شركة يولر هيرميس للتأمين التي تتبع لها الضحية، فإن "برنامج تزييف الصوت كان قادرًا على تقليد الصوت والنغمة واللهجة"، ولم يتم التعرف على مرتكبي عملية الاحتيال، أو استرداد الأموال مطلقًا.

ولفت باحثون في شركة الأمن السيبراني (Symantec)، إلى اكتشاف ثلاث حالات مماثلة لمديرين تنفيذيين تلقوا مكالمات بأصوات مزيفة لرؤسائهم تطلب منهم إرسال أموال إلى حسابات خاصة، ليتبيّن أنها اتصالات من محتالين يستخدمون برامج الذكاء الاصطناعي، ووصلت خسائر إحدى الشركات الثلاث إلى عدة ملايين من الدولارات.

موقف شركات الإعلان

عزفت شركات إعلانية عن الترويج لتطبيقات الديب فيك أو التزييف العميق فيما أبقت شركات أخرى الأبواب مفتوحة أمام الإعلان، لكن شركة ExoClick، وهي الشبكة التي استخدمها تطبيق "Make deepfake porn in a sec" للإعلان، قالت لرويترز إن" هذه التطبيقات غير مألوفة وتعدّ نوعًا جديدًا بالنسبة لنا"، وقد أوقفت التطبيق عن نشر الإعلانات ولن تروج لتقنية مبادلة الوجه بطريقة غير مسؤولة.

وأوضح بريان ماكدونالد، رئيس امتثال الإعلانات في ExoClick، أنهم على يقين من أن الغالبية العظمى من مستخدمي هذه التطبيقات يستخدمونها للترفيه بدون نوايا سيئة، ولكن يمكن أن يكون لها أغراض ضارة.

وبالنسبة لوصف تطبيقات التزييف العميق على المتاجر الإلكترونية، فلا يوجد ذكر للاستخدام الإباحي المحتمل للتطبيق، على متجر تطبيقات آبل App Store أو غوغل Play Store، حيث يكون متاحًا لأي شخص يزيد عمره عن 12 عامًا.

لكن شركة آبل قالت إنه ليس لديها أي قواعد محددة حول تطبيقات التزييف العميق، إلا أن إرشاداتها الأوسع حظرت التطبيقات التي تتضمن محتوى تشهيريًا أو تمييزيًا أو من المحتمل أن يذل أي شخص أو يرهبه أو يؤذيه.

الدمغة الرقمية

وعلى غرار اختراعات كثيرة تعتبر سلاحًا ذا حدين، فإن لتطبيقات التزييف العميق جانبًا مشرقًا، كاستخدامها بأغراض سينمائية مثلًا، أو دعائية، أو حتى ترفيهية ذات ضوابط أخلاقية، ومن هنا عكفت برامج على وضع دمغة رقمية على الصورة أو الفيديو كعلامة منتج مزيف، أو طلبت التحقق من الهوية من قبل الشخص الذي يتم تبديله أو استخدمت فلتر التحميلات الإباحية.

اقرأ/ي أيضًا:  بنقرة واحدة.. موقع إلكتروني "مرعب" يركّب صور النساء على مقاطع إباحية

ومثال على ذلك، يأتي تطبيق Reface، وهو أحد أشهر تطبيقات تبديل الوجوه في العالم، وقد اجتذب أكثر من 100 مليون عملية تنزيل على مستوى العالم منذ عام 2019، مع تشجيع المستخدمين على تبديل الوجوه مع المشاهير والأبطال الخارقين وشخصيات meme لإنشاء مقاطع فيديو ممتعة.

وقالت الشركة التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرًا لها لرويترز، إنها تستخدم التعديل التلقائي والبشري للمحتوى، بما في ذلك مرشح المواد الإباحية، بالإضافة إلى ضوابط أخرى لمنع إساءة الاستخدام، كوضع العلامات المائية المرئية لتمييز مقاطع الفيديو على أنها تركيبية.

تنظيم التزييف العميق

يتطلع صانعو السياسات إلى تنظيم تقنية التزييف العميق، خصوصًا بعد الأزمات التقنية والأخلاقية الجديدة التي خلفتها، فباحثون في البرلمان الأوروبي قالوا في دراسة قُدمت إلى لجنة من المشرعين أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إن "التدخل التشريعي المحدد أو تجريم المواد الإباحية المزيفة لا يزال غير موجود، لكن التشريع المقترح يجب أن يلقي بشبكة أوسع من المسؤولية لتشمل الجهات الفاعلة مثل المطورين أو الموزعين، وكذلك المسيئين".

وأضاف الباحثون أنه تم تمرير القوانين التي تهدف تحديدًا إلى إساءة الاستخدام عبر الإنترنت بواسطة تقنية التزييف العميق، بما في ذلك الصين وكوريا الجنوبية وكاليفورنيا، حيث أن تصوير شخص ما في المواد الإباحية دون موافقته أو توزيع مثل هذه المواد يمكن أن يؤدي إلى أضرار قانونية قدرها 150 ألف دولار.

ووفقًا لـCNN ، يعمل البنتاغون في الولايات المتحدة من خلال وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة (DARPA)، مع العديد المؤسسات البحثية الكبرى في البلاد للتغلب على عمليات التزييف العميق.

وفي بريطانيا، يجُرّم نشر صور أو مقاطع فيديو حميمة دون موافقة وبقصد المضايقة تحت مسمى (الإباحية الانتقامية)، لكن مراجعة الحكومة للتشريع حددت ثغرات فيه، مثل قضية الصور المزيفة واستخدام تقنية التزييف العميق، وعليه، جاءت توصيات من قبل اللجنة القانونية لإصلاح القوانين في إنجلترا وويلز، لسد الثغرات في التقاط الصور الحميمة ومشاركتها، وما تخلفه من تهديدات وابتزاز.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

ما هي الإباحية "الكيديّة" وكيف تتعامل معها مواقع السوشال ميديا؟

يمكنك الآن أن "تؤجّر" وجهك لاستخدامه في تطبيقات الـ"DeepFake"