"الحقيقة موجعة"، والجملة السابقة كذلك موجعة حيث أنها تضعنا في مواجهة مع أنفسنا، لوهلة سنراجع شريط حياتنا كله دفعة واحدة لنرى أن الحقيقة غالبًا في حياتنا على غير الوجه الذي نراه فيها، وسندرك أننا إنما نخشى مواجهة هذه الحقيقة، في الوهلة التي تليها سنلقي كل ما خطر لنا في مهب الريح لنعيش في الوهم، فالوهم غالبًا أجمل، الوهم دائرة كبيرة من الراحة، هنا يأتيك كتاب فن اللامبالاة ليعيد لك الشريط من أوله ويجبرنا على مواجهة حقيقة أنفسنا بعيدًا عن السراب الذي حولنا.
تعريف بالكتاب
يصنف كتاب فن اللامبالاة ضمن كتب التنمية البشرية، وقد حقق نسبة مبيعات خيالية خلال فترة قصيرة جدًا، أما عن اسم الكتاب فهو يشرح مضمونه بلا مواربة لكن بطريقة جديدة على القارئ، فغالبًا ما يرتبط مصطلح لا مبالاة بالمعنى السلبي للكلمة "اللا اهتمام، اللا اكتراث" شيء من هذا القبيل معنى يقود إلى انعدام المسؤولية بشكل أو بآخر، في هذا الكتاب أحدث مارك مانسون ثورة على هذه المعنى، حيث أبرز لنا معنى جديدًا من خلاله، فاللامبالاة المقصودة هنا هي تجنب المشاعر السلبية وكل ما يمكن أن يؤدي إلى الإحجام عن التقدم من أحداث وعوارض، وإن كان لكل طريقة فن، فـ "فن" الحياة الجيدة حسب قول الكاتب بإتقان اللامبالاة.
يقول مارك مانسون في كتاب فن اللامبالاة: "لنكن صادقين، الشيء السيئ سيئ وعلينا أن نتعايش مع هذا ولا نتهرب من الحقائق ولا نغلّفها بالسكّر، بل نقولها كما هي، جرعة من الحقيقة الفجّة الصادقة المنعشة هي ما ينقصنا اليوم"، لا تزين الواقع المرير بل تعامل معه كما هو هذه هي الرسالة الأولى لكتاب فن اللامبالاة.
"لدي شعور سيئ، حسنًا ما أهمية ذلك؟" بهذه الطريقة ستحجم الشعور حتى يبدأ بالتلاشي شيئًا فشيئًا
أجمل ما قيل في كتاب فن اللامبالاة
يذكر الكاتب في بداية الكتاب مجموعة من الآراء التي تحفز القارئ على مطالعته لمجموعة من المختصين في مجال التنمية البشرية وعلم النفس الاجتماعي، ومنها:
- "تأتي المرونة والسعادة والحرية من معرفة ما يجب الاهتمام به؛ والأهم من هذا أنها تأتي من معرفة ما ينبغي الاهتمام به، إنه كتاب عملي فلسفي متقن يمنح القارئ الحكمة التي تمكنه من فعل ذلك" رايان هوليداي - كاتب
- " إن قدرة مارك على الغوص عميقًا في تحديات الحياة والخروج بأفكار مدهشة تخالف الحدس المألوف هي ما يجعله واحدًا من كتابي المفضلين. لكن كتابه هذا أفضل كتبه على الإطلاق" مات كيبنز - كاتب
- "يصدمك هذا الكتاب مثلما تصدمك صفعة تأتيك من أفضل صديق وتلازمك تمامًا. كتاب مرح سوقي لكنه يحرك التفكير إلى حد هائل، لا تقرأ هذا الكتاب إلا إذا كنت على استعداد لتنحية كل الأعذار جانبًا، ولأن تقوم بدور فعال في عيش حياة أفضل بكثير" ستيف كامب - كاتب
- "دليل غير مجامل إلى العيش باستقامة والعثور على السعادة مواضع مؤلمة أحيانًا.. كتاب كله أفكار تخالف الحدس المعتاد لكنها منطقية جدًا في أحيان كثيرة. كتاب تسرك قراءته ويستحق القراءة مرة أخرى. أداة قياس جيدة ينبغي تقييم كتب التطوير الذاتي الأخرى بها" كيركوس ريفيورز.
للمبالغة بالاهتمام دومًا مفعول عكسي بينما الشعور الحيادي يخلق حالة من الأمان تمكننا من الوصول لما نريد
حلقة جحيمية مفرغة
إن أكثر ما جذبني أثناء مطالعتي للفصل الأول للكتاب بعنوان " لا تحاول" ما تناوله الكاتب في حديثه عن الحلقة الجحيمية التي تكرر نفسها والتي ما نزال نقع بها دومًا، يشرح الكاتب هذا بقوله أننا نغضب لأمر تافه مثلًا، فنغضب من أنفسنا لأننا غضبنا لشيء تافه، ثم نغضب لغضبنا من غضبنا وهكذا دواليك حتى نشكل دائرة كبيرة نتمرجح فيها بلا هدف، وهكذا في كل شأن من شؤون المشاعر الأخرى كالخوف أو القلق أو غيرها.
لعل الكثير من الأشخاص يعاني من هذه الحلقة المتكررة، وعلاجها برأي الكاتب يكمن باللامبالاة، أي لا تكترث لشعورك الأول وإنما عليك أن تتعامل معه كالتالي : "لدي شعور سيئ، حسنًا ما أهمية ذلك؟" بهذه الطريقة ستحجم الشعور حتى يبدأ بالتلاشي شيئًا فشيئًا.
حياة مع وقف التنفيذ
يسعى الكاتب من خلال كتابه لمنحنا مجالًا جديدًا لفهم ذواتنا والحياة التي تدور حولنا من خلال بعض الأفكار الفلسفية التي يتضمنها، كقول الفيلسوف ألبير كامو "لن تكون سعيدًا أبدًا إذا واصلت البحث عما تتكون السعادة منه، ولن تعيش حياتك أبدًا إذا كنت من الباحثين عن معنى الحياة"، إذن فالوصفة السحرية للسعادة هي عدم البحث عنها والسر الحقيقي وراء معنى الحياة هي عدم البحث عن معناها، يشير الكاتب إلى ذلك بقوله أنه غالبًا ما يتعلق تحقيق إنجاز ما عندما نقلل من أهميته لأنفسنا، هذا هو معنى القانون التراجعي المشار إليه في الكتاب، وهو يعني أن للمبالغة بالاهتمام دومًا مفعولًا عكسيًا، قد يؤدي إلى فقدانه ربما، بينما الشعور الحيادي يخلق حالة من الأمان تمكننا من الوصول لما نريد.
المواجهة تخلق ثقة لا تموت
"الألم خيط من خيوط نسيج الحياة نفسه، وليس اقتلاعه من ذلك النسيج أمرًا مستحيلًا فحسب بل هو يدمر النسيج نفسه" إذن ما الحل؟ ببساطة لا تحاول.
لا تحاول قمع الشعور أو الهروب منه بل واجهه وتعامل معه، بهذه الحالة فقط يمكن المضي قدمًا نحو المستقبل، ذلك أن محاولة قمعه والهروب منه تعني التصادم معه بلا ريب وهذا يجعل الشعور يتجدد ويتزايد على الدوام. غير أن هذه المواجهة ستخلق من الشخص إنسانًا واثقًا ذا تجارب متعددة وقدرة على مواجهة الحياة والمشاعر السلبية بشكل جيد مما يكسبه احترامًا منه لنفسه ومن المحيطين كذلك.
فصول الكتاب..عناوين تشرح المضمون
إن ما يميز كتاب فن اللامبالاة بالإضافة للغة السلسة والأسلوب الطريف الذي يحاكي القارئ هو عناوين الفصول المميزة والتي تختصر لب الموضوع فيها وهي:
- لا تحاول.
- السعادة مشكلة.
- أنت لست مميزًا.
- قيمة المعاناة.
- أنت تختار دائمًا.
- أنت مخطئ في كل شيء (وأنا كذلك).
- الفشل هو الطريق إلى الأمام.
- أهمية قول لا.
- ثم تموت.
فمن خلال العناوين السابقة سيتهيأ القارئ لفهم الموضوع قبل مطالعته حتى.
اقتباسات من كتاب فن اللامبالاة
هناك العديد من الاقتباسات المتداولة من كتاب فن اللامبالاة ومنها:
- شيء ما بداخلي يمنعني من الاتكاء على أحد، يمنعني من الثقة المفرطة دائمًا .
- لا أحد غيرك أبدًا مسؤول عن وضعك. قد تقع اللائمة على أشخاص كثيرين في أنك غير سعيد، لكن ما من أحد مسؤول عن عدم سعادتك إلا أنت. هذا لأنك أنت الذي يستطيع دائمًا أن يختار كيف ينظر إلى الأمور وكيف يستجيب لها وكيف يقيّمها.
- تظل الطريقة الوحيدة للتغلب على الألم هي أن تتعلم أولًا كيف تتحمل ذلك الألم.
- تجنب الصراع صراعٌ في حد ذاته. وإنكار الفشل فشلٌ. إان الاتكال المفرط على المشاعر والانفعالات وجعلها هاجسًا لنا يقودنا إلى الفشل لسبب بسيط هو أن تلك المشاعر والانفعالات لا تدوم على حال أبدًا.
- لقد اهتممت اهتمامًا زائدًا بأشياء كثيرة في حياتي، وأبديت أيضًا قدرًا من اللامبالاة تجاه أشياء كثيرة أخرى. ومثلما هي الحال مع الطرق التي لم نسر فيها، فقد كانت اللامبالاة التي أبديتها هي ما صنع الفرق كله.
يعتبر كتاب فن اللامبالاة واحدًا من أهم الكتب التي ينصح بقراءتها، حيث سيغير المفهوم المنطقي للحياة التي نعيشها ويفتح الأفق تجاه بعض التجارب التي كنا نظنها سيئة إلا أنها أثبتت مع مرور الزمن كونها منح قدرية أضافت لنا الكثير المعرفة والخير.
