08-أغسطس-2017

تنتظر النسخة النهائية من الدستور الليبي إجراء استفتاء شعبي عليها (مواقع التواصل الاجتماعي)

بعد أكثر من ثلاث سنوات ونصف منذ انتخابها، أقرّت مؤخرًا الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور الليبي مشروعها النهائي، لتدعو مجلس النواب للإسراع في عرضه على الاستفتاء الشعبي، وهي خطوة أساسية لإنهاء المرحلة الانتقالية في خضم استمرار الأزمة السياسية في البلاد.

ويأتي إقرار مشروع الدستور الأخير بعد عديد المسودات السابقة التي تم تنقيحها تباعًا على ضوء حدة الصراعات بين القوى السياسية والاجتماعية في البلاد حول مختلف أبواب الدستور تقريبًا. ونرصد لكم في هذا التقرير أبرز 10 نقاطٍ إثارةً للجدل في المشروع الأخير للدستور الليبي.

بعد 3 سنوات من العمل عليه، خرج المشروع الأخير للدستور الليبي إلى النور لكن دون حسم لمسألة العلم والنشيد الوطني 

1. دستور لا يحدد علم البلاد ولا نشيدها

في النهاية فشل أعضاء اللجنة التأسيسية في الاتفاق على تحديد العلم الوطني البلاد ونشيدها الرسمي ليكلفوا البرلمان القادم بسن قانون للغرض، وذلك في مفارقة فريدة ألا ينص الدستور حول هذين المسألتين الهامتين اللتين تعبّران عن البلد، وهو ما يخالف أهم المضامين المفترض حسمها في الدساتير.

اقرأ/ي أيضًا: العلم الليبي.. صراع الشرعية بين الثورة وأعدائها

وقد سبق ونصّت المسودّات الأولى على الحفاظ على علم البلاد الحالي ونشيدها الرسمي، اللذين يعودان لزمن الاستقلال، لكن ترفض بعض القوى الاعتراف بهما، وتحديدًا أنصار القذافي، بعلّة أنهما يمثلان عائقًا أمام تحقيق المصالحة الوطنية. وتسريعًا للتوافق، أحالت لجنة صياغة الدستور هذه الكرة الملتهبة للبرلمان القادم.

2. تعداد اللغات الوطنية

نصّ الدستور على أنّ لغات البلاد هي العربية والأمازيغية والتارقية والتباوية، وذلك على سبيل الذكر لا الحصر، مع الإشارة لالتزام الدولة بتدعيم اللغات الوطنية دون ذكرها. ويأتي هذا التنصيص استجابة لدعوات الأقليات العرقية واللغوية للحفاظ على لغاتهم وتنمية تعليمها، خاصة في مناطق انتشارها. إلا أنّه في المقابل، حافظت اللغة العربية على أولويتها باعتبارها لغة الدولة. وتمثل هذه الموازنة حسمًا لواحدة من أهم النقاط إثارة للجدل طيلة أشغال اللجنة.

3. مصدر التشريع

مثلت مسألة تحديد مصدر التشريع محل جدل بين أعضاء هيئة صياغة الدستور، وقد انتهى المشروع الأخير لدستور لاعتبار "الإسلام دين الدولة، والشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع". وكانت قد نصت آخر المسودّات على اعتبار الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع ولكن بإضافة الاعتداد "بالمذاهب والاجتهادات المعتبرة شرعًا من غير إلزام برأي فقهي معيّن"، لكن تمّ التخلي عن هذه الصياغة، لذا تخشى قوى ليبرالية في البلاد من استغلال مادة مصدر التشريع في تعطيل إرساء دولة مدنية.

4. تركيبة مجلس الشيوخ الليبي

يُمثل مجلس الشيوخ الغرفة البرلمانية الثانية للبرلمان المُسمى بـ"مجلس الشورى"، ويتكوّن من 78 عضوًا مع توزيع المقاعد حسب الأقاليم التاريخية للبلاد، حيث تستأثر المنطقة الغربية بـ32 مقعدًا، والمنطقة الشرقية بـ26 مقعدًا، فيما تستحوذ المنطقة الجنوبية على 20 مقعدًا. ويعتمد هذا التوزيع على المعيار الجغرافي على حساب المعيار السكاني بين الأقاليم التاريخية، وذلك دون المساواة المطلقة في المقاعد على غرار المثال الأمريكي المُستوحى منه التنظيم البرلماني وصلاحياته.

ولضمان عدم استئثار أعضاء منطقة بالأغلبية، وتحديدًا المنطقة الغربية، نصّ الدستور على ضرورة تضمن الأغلبية دائمًا 8 أعضاء على الأقل من كلّ منطقة انتخابية، وذلك استجابة لدعوات إقليم المنطقة الجنوبية تحديدًا لعدم تهميش أعضائها.

5. شروط الترشح للرئاسة

نص الدستور على شروط عديدة للترشح للرئاسة، أهمها التنازل عن الجنسية الثانية، في حال وجودها، قبل سنة من الترشح، وألا يكون زوجًا لأجنبية، وأن يكون متحصلًا على شهادة جامعية. وهذه الشروط تتميّز بتضييقها دون لزوم، ومن ذلك منع شخص من الترشح للرئاسة لمجرّد أن زوجته أجنبية، لكن في المقابل لا يشترط أن يكون المرشح غير عسكري حيث رفض أعضاء في اللجنة قبول هذا الشرط، فيما يعتقد مراقبون أن رفض ذلك يأتي لفتح المجال أمام احتمال ترشح خليفة حفتر الذي تُشير قرائن إلى رمي بصره على هذا المنصب.

لم تشترط النسخة الأخيرة من الدستور على أن يكون المرشح للرئاسة غير عسكري، ما اعتبره البعض فتح للمجال أمام ترشح خليفة حفتر

6. نظام انتخابي فريد للانتخابات الرئاسية

أكدت مجدّدا النسخة النهائية للدستور على اعتماد مبدأ انتخاب رئيس الجمهورية بشكل يجمع بين المعيارين الديمغرافي والسكاني، وذلك لضمان "التوزيع الجغرافي للأصوات على الدوائر الانتخابية"، بغاية عدم استحواذ سكان المنطقة الغربية على انتخاب رئيس البلاد، وهي المنطقة التي يتركز فيها ثلثي سكان البلاد. وأوكل الدستور لمجلس النواب مهمة صياغة القانون الانتخابي الذي من المنتظر أن يكون من أهم النقاط الإثارة للجدل في المستقبل القريب.

اقرأ/ي أيضًا: هل يُنتخب رئيس ليبيا القادم بالطريقة الأمريكية؟

وقد سبق وطرح أعضاء اللجنة التأسيسية اعتبار صوت الناخب في المنطقة الغربية نصف قيمة الصوت في المنطقتين الشرقية والجنوبية، وهو ما تم رفضه، إذ نصت الصيغة النهائية على ضرورة القيمة المتساوية للأصوات وذلك لقطع الطريق نهائيا أمام هذا المقترح.

7. شروط متعسّفة لتعيين الوزراء

نصّت هذه النسخة من الدستور على شروط لتعيين الوزراء وذلك على خلاف اكتفاء الدساتير عمومًا بعرض شروطٍ لمنصب الرئيس وأعضاء البرلمان. ومن بين هذه الشروط أن يكون الوزير مُسلمًا، ما يعني إقصاءً واضحًا لليبيين غير المسلمين. كما اشترط أن يكون سن الوزير فوق الثلاثين، وهو مطلب يتناقض مع مطالب تدعيم مشاركة الشباب مبكرًا في القرار السياسي.

8. اعتماد اللامركزية الموسّعة

حافظ المشروع الأخير على ما نصّت عليه المسودات السابقة، باعتماد نظام اللامركزية الموسّعة، مع استمرار الدعوات لإرساء نظام فيدرالي في البلاد. ومواجهةً للتخوفات في المنطقتين الشرقية والجنوبية من استمرار السيطرة التاريخية للمنطقة الغربية على إدارة البلاد، أعطى الدستور صلاحيات واسعة لوحدات الحكم المحلّي، أهمها إنشاء ضرائب محليّة، وحرية التصرف في مواردها، فيما لا تخضع لرقابة شرعية أعمالها إلا بصفة لاحقة.

ويعتبر غالبية أعضاء المنطقتين الشرقية والجنوبية أن هذه الصلاحيات هي انتصار للامركزية الحقيقية كحل وسط بين الفيدرالية والمركزية، إلا أنّه لازالت بعض القوى تشكك في قدرة هذا النظام على توزيع حقيقي للسلطة في البلاد.

9. الثروات الطبيعية

لحسم الجدل بخصوص إدارة الثروات الطبيعية، نص الدستور على عرض الاتفاقيات المتعلقة بها على مجلس الشيوخ للمصادقة، مع وضع معايير، منها الشفافية وجبر الضرر للمناطق ومنها بالخصوص المناطق التي تنقل منها المياه الجوفية. وتأتي هذه الأحكام في ظلّ الجدل الدائم حول توزيع الثروات الوطنية وإدارتها، إذ تطالب قوى نافذة في المنطقة الشرقية، حيث توجد أهم حقول النفط، بالحصول على موارد تقابل انتاجها النفطي وذلك في مواجهة سياسات النظام السابق الذي استغل للموارد النفطية لتنمية المدن الموالية له على حساب مناطق الإنتاج.

بشكل عام يبدو أن النسخة الأخيرة من الدستور الليبي فضلت الابتعاد عن النقاط الخلافية وإحالتها للبرلمان القادم

10. العدالة الانتقالية

نصّ الدستور في نسخته النهائية على صياغة موجزة بخصوص العدالة الانتقالية، تضمنت تحديدًا لتدابيرها، وهي كشف الحقيقة وتعويض الأضرار، والمساءلة والمحاسبة وفحص المؤسسات، مع إنشاء هيئة تسهر على تطبيق هذه التدابير وإرساء المصالحة الوطنية.

اقرأ/ي أيضًا: دستور ليبيا.. رحلة البحث عن التوافق مستمرة بلا نجاح!

واستغنت هذه النسخة عن تدابير نصّت عليها النسخة الماضية، ومنها حفظ الذاكرة الوطنية بما يشمل الفساد المالي، وتفكيك المنظمات المسلّحة فيما يظهر إحالة تحديد المسائل المتعلقة بتفاصيل العدالة الانتقالية إلى قانون لاحق.

وعمومًا، يبدو أن المشروع النهائي للدستور الليبي فضّل الابتعاد عن النقاط الخلافية لدرجة التخلّي عن التوطئة بشكل تامّ، وذلك مع إحالة العديد من هذه النقاط للبرلمان القادم، فيما يعني استمرار الجدل حولها خلال الفترة القادمة، لكنها تبدو محاولة للإسراع للخروج من "الانتقالي".

 

اقرأ/ي أيضًا:

من أجل الخروج من "الانتقالي" في ليبيا

شبح ديمقراطية المحاصصة في ليبيا