05-يونيو-2017

مواطن ليبي يُشارك في انتخاب لجنة صياغة الدستور (عبدالله دوما/ أ.ف.ب)

عاد الجدل بقوة داخل الولايات المتحدة الأمريكية حول طريقة انتخاب رئيس البلاد، وذلك حينما فاز دونالد ترامب بأغلبية أصوات المجمع الانتخابي رغم خسارته في التصويت الشعبي المباشر أمام هيلاري كلينتون. ويبدو أن هذه الآلية غير المباشرة لانتخاب الرئيس الأمريكي، والتي تم إرساؤها في إطار خصوصية النظام الفيدرالي، والحرص على عدم غلبة الولايات الكبرى؛ قد يقع تطبيقها في ليبيا على ضوء خصوصية النظام السياسي الليبي والتوازنات المناطقية والقبلية في البلاد، فكيف ذلك؟

في النظام الانتخابي الأمريكي استطاع ترامب الفوز بأصوات المجمع الانتخابي رغم خسارته في التصويت الشعبي المباشر أمام هيلاري كلينتون

ونصّت النسخة الأخيرة لمسوّدة مشروع الدستور الليبي، الصادرة في شهر نيسان/أبريل الماضي، على أن انتخاب رئيس الجمهورية يتم بطريقة تضمن "التوزيع الجغرافي للأصوات على الدوائر الانتخابية"، ما يعني الأخذ بعين الاعتبار المعيار الجغرافي، إضافة للمعيار السكاني التقليدي، بحيث لن يجري انتخاب الرئيس الليبي القادم أخذًا بالأغلبية العددية فقط، على غرار الأغلبية الساحقة من الأنظمة الانتخابية في العالم، فقد أجمعت جميع النسخ السابقة لمشروع الدستور، على ضرورة الأخذ بمعيار التوزيع الجغرافي للأصوات كذلك، فلماذا؟

اقرأ/ي أيضًا: دستور ليبيا.. رحلة البحث عن التوافق مستمرة لا نجاح!

يحرص المؤسسون الليبيون بموجب هذا المعيار المعتمد، على ضمان أكبر قدر من التمثيلية لرئيس البلاد، ليس على المستوى العددي، بل على المستوى المناطقي، إذ تنقسم ليبيا تاريخيًا إلى ثلاثة أقاليم جغرافية هي طرابلس في الغرب وبرقة في الشرق وفزان في الجنوب. ويتركز ثلثا سكان البلاد في المنطقة الغربية للبلاد، وتحديدًا في مدنها الكبرى أي العاصمة طرابلس والزاوية ومصراتة، فيما يتوزع ثلث سكان البلاد على المنطقتين الشرقية والجنوبية.

وفي انتخابات المؤتمر الوطني العام في تموز/يوليو 2012، والتي شهدت مشاركة واسعة بـ1.7 مليون، ما يمثل أكثر من 62% من عدد الناخبين المسجلين، استأثرت المنطقة الغربية بأكثر من 63% من إجمالي الناخبين مقارنة بـ27% للمنطقة الشرقية وأقل من 10% للمنطقة الجنوبية التي اٌضيفت إليها حينها مدينة سرت الواقعة وسط البلاد.

ولذلك باعتماد معيار التصويت العددي فقط، سيستأثر عمليًا ناخبو المنطقة الغربية بتحديد رئيس البلاد، نظرًا للثقل السكاني لهذه المنطقة، وذلك بغض النظر عن نتائج التصويت في المنطقتين الشرقية والجنوبية، بحيث يكفي ظاهرًا للرئيس تركيز حملته الانتخابية في دائرة ببضع مئات الكيلومترات حول العاصمة طرابلس، وهو ما يمثل خطرًا بأن يكون في النهاية رئيسًا للمنطقة الغربية فقط، بخاصة في بلد نصّ دستوره على المساواة بين الأقاليم التاريخية للبلاد، ومن ذلك أن يكون مقر البرلمان بشرق البلاد، ومقرات سيادية أخرى بجنوبها.

في حال اعتماد معيار التصويت العددي فقط، سيتأثر ناخبو المنطقة الغربية باختيار رئيس البلاد، لأنها تضم ثلثي سكان ليبيا

ولذلك أقر المؤسسون في ليبيا في جميع مسودات مشروع الدستور، بعدم الاكتفاء بالمعيار السكاني فقط، وعليه يجب صياغة قانون انتخابي يسمح بأن يكون الرئيس الفائز صاحب تمثيلية موزعة على جميع المناطق الثلاثة للبلاد. غير أن مسودة مشروع الدستور لم تحدّد آلية الانتخاب، موكلة هذه المهمة للسلطة التشريعية القائمة حين نفاذ الدستور بالنسبة لأول انتخابات رئاسية.

بيد أن أعضاء لجنة صياغة الدستور، سبق لهم أن طرحوا خلال النقاشات، مقترحات عملية، ومنها أن يكون صوت الناخب الليبي في الغرب هو نصف صوت الناخب الليبي في الشرق والجنوب، وهو مقترح تم رفضه لأنه يجعل الناخب في المنطقة الغربية في النهاية نصف مواطن مقارنة بالناخب الليبي في منطقة أخرى، وهو ما يتعارض مضمونًا مع مفهومي المواطنة والمساواة.

كما تضمنت إحدى مسودات الدستور سابقًا صيغة تقنية معقدة تم التخلي عنها في مفاوضات مسقط في آذار/مارس 2016، إذ افترضت هذه الصيغة تقسيم كل إقليم من الأقاليم الثلاثة إلى أربع دوائر انتخابية، وهو ما يؤدي إلى إنشاء 12 دائرة انتخابية. واقترحت المسودة حينها أن يفوز الرئيس حينما يحصل على الأغلبية المطلقة من الأصوات، متى كانت موزعة جغرافيا على ثلثي الدوائر الانتخابية، أي في 8 دوائر، أي عمليًا في جميع الدوائر بإقليمين، أو بأغلبية الدوائر بكل الأقاليم.

يهدف الدستور الليبي بإقرار المعيارين الديموغرافي والجغرافي في انتخابات الرئاسة، أن يكون رئيسًا عابرًا للأقاليم ومحط إجماعٍ وطني

وأضافت المسودة أنه إن تعذر ذلك، فنصف الدوائر أي 6، وإن تعذر ذلك، يدخل المرشحان الأكثر تمثيلًا جغرافيًا، والموزعة أصواتهم بين الدوائر الانتخابية، لجولة ثانية، ويفوز بالنهاية المرشح المتحصل على الأغلبية المطلقة. وقد وقع إسقاط هذا الفصل في مفاوضات الربع الساعة الأخيرة في مسقط، حيث اتفق المؤسسون في لجنة الستين المكلفة بصياغة الدستور على أن يقع الحسم عبر قانون بعد المصادقة على الدستور، وهو ما أكدته مجددًا مخرجات المفاوضات الجارية حاليًا.

اقرأ/ي أيضًا: المحاصصة المناطقية في ليبيا.. الخطر الأكبر

ويهدف عمومًا إقرار الدستور الليبي للمعيارين الديموغرافي والجغرافي، لانتخاب رئيس للبلاد يتمتع بأكبر قدر من التمثيلية الشعبية على المستوى الجغرافي، كي يكون رئيسًا "عابرًا" للإقليم وأقرب للإجماع الوطني في مختلف مناطق البلاد.

وسيكون بذلك الجدل حول القانون الانتخابي بعد المصادقة على الدستور، بمثابة امتحان عسير لقدرة الليبيين على التوافق. وربما قد تكون صيغة بعث مجمع انتخابي ليبي على غرار المثال الأمريكي هي إحدى الآليات التي سيقع تناولها في مجلس النواب، بمناسبة النقاش حول تحديد آلية انتخاب رئيس البلاد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

من أجل الخروج من "الانتقالي" في ليبيا

شبح ديمقراطية المحاصصة في ليبيا