30-أبريل-2021

رسومات على جدار الفصل العنصري في بيت لحم (Getty)

إسرائيل دولة فصل عنصري "أبارتهايد" هذا ما خلص إليه أحدث تقارير منظمة هيومن رايتس ووتش التي تُعنى بحقوق الإنسان في العالم. التقرير الصادر قبل 3 أيام تحت عنوان "تجاوز الحد: السلطات الإسرائيلية وجريمتا الفصل العنصري والاضطهاد" يفصّل سياسات التمييز العنصري والاضطهاد في معاملة الفلسطينيين طيلة سنوات الاحتلال، ويراها ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية.

إسرائيل دولة فصل عنصري "أبارتهايد" هذا ما خلص إليه أحدث تقارير منظمة هيومن رايتس ووتش

لم يكن ذلك وليد اللحظة بل حصيلة جهد استغرق سنوات من العمل للكشف عن نهج بُني على مبدأ التمييز العنصري والاضطهاد في معاملة الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة وفق سياسة مُنظمة، فحيث قام الاحتلال بإجراءات تعسفية غايتها السعي إلى تحقيق ومواصلة تفوّق جماعة من البشر على جماعة أخرى، أي تفوق اليهود على الفلسطينيين، ولتأكيد ذلك استند للقانون الإسرائيلي لعام 2018 المثير للجدل المعروف باسم قانون الدولة القومية الذي يعتبر دولة الكيان "دولة قومية للشعب اليهودي"، وهو دليل على التمييز داخل حدود الدولة، وتجاهل تام إلى الحقوق المدنية للمواطنين الفلسطينيين.

اقرأ/ي أيضًا: أبارتهايد كامل الأوصاف

لم يتأخر الرد الإسرائيلي على التقرير كما كان متوقعًا، فقد بادرت الحكومة الإسرائيلية على لسان الناطق باسم الخارجية الإسرائيلية ووصفته بأنه "غير معقول وزائف"، واتهم المنظمة بانتهاج "برنامج معاد لإسرائيل" والسعي "منذ سنوات للترويج لمقاطعة إسرائيل".

كما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية، عن الخارجية الإسرائيلية كذلك تأكيدها بأن التقرير "منشور دعائي" لا يمت بصلة إلى "الوقائع أو الحقيقة على الأرض"، وأنه صادر عن منظمة تعتمد "منذ وقت طويل على أجندة معادية لإسرائيل".

ما تضمنه التقرير ليس بالأمر الجديد، إلاَّ أنه يدعم استنتاجات مماثلة خلصت إليها تقارير منظمات حقوقية فلسطينية وإسرائيلية لتوصيف السياسة المتبعة من قبل إسرائيل تجاه الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، فقد صدر بداية هذا العام في شهر كانون الثاني/يناير تقرير عن "بتسيلم- مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة" أطلق فيه للمرة الأولى على إسرائيل وصف دولة فصل عنصري (أبارتهايد)، مشددًا على أن وصفها بأنها دولة ديمقراطية لا يمت للواقع بصلة. وقال المركز إن إسرائيل تسعى إلى تحقيق ومواصلة التفوق اليهودي في المساحة الممتدة من نهر الأردن إلى البحر الأبيض.

يتحدث تقرير بتسليم عن أن "تراكم هذه الخطوات بمرور السنين وانعكاسها على نطاق واسع في القوانين والممارسة والدعم الجماهيري والقضائي، الذي حظيت به كلها تؤسس للاستنتاج المؤلم أن هذا النظام قد تجاوز السقف الذي يقتضي تعريفه كنظام أبارتهايد".

المتابع لمسار القضية الفلسطينية يستشف أن مواقف وممارسات الاحتلال ليست بالفعل المعزول أو الطارئ، أو هي نتيجة تصدر اليمين الإسرائيلي للمشهد السياسي في إسرائيل، بل إن تلك الممارسات هي مراكمة لسياسة الاحتلال عبر كل سنوات سيطرتها على الأراضي المحتلة، فإسرائيل التي قامت على أسطورة تدعي الحق التاريخي على أرض لا تملك الحق فيها، وعلى حساب شعب موجود في أرضه، حظيت بدعم القوى الغربية الاستعمارية الكبرى التي تكفلت بإعطاء شرعية لهذا الكيان، هروبًا من تحمل مسؤوليتها التاريخية لما حدث لليهود إبان الحرب العالمية الثانية، فكان الحل بإيجاد وطن قومي لليهود ولو على حساب شعب آخر .

كرست إسرائيل عن طريق الدعم اللامحدود الذي حظيت به سياسةً تذهب في اتجاه محو وإزالة الحق الفلسطيني من الوجود

كرست إسرائيل عن طريق الدعم اللامحدود الذي حظيت به سياسةً تذهب في اتجاه محو وإزالة الحق الفلسطيني من الوجود، من خلال تلك الإجراءات والممارسات التي أوردها التقرير، ومن هنا نقول إن الدول الكبرى شريك رئيسي، وإن بشكل غير مباشر في كل ما هو وارد بالتقرير.

اقرأ/ي أيضًا:  أسبوع لمناهضة الاستعمار الإسرائيلي يغزو العالم

يعري هذا التقرير دولة الاحتلال وكل الداعمين لها، بل يضرب في الصميم كل المشاريع التي دعت للتسوية على حساب الفلسطينيين، ولم تكن صفقة القرن آخر تلك المشاريع التي عرضت حوافز اقتصادية تظهر للفلسطينيين إمكانية وجود مستقبل مزدهر لهم إذا قبلوا بالجلوس إلى طاولة المفاوضات من أجل التوصل لاتفاق سلام، يكون ثمنه التخلي عن القدس وحق العودة والحق بإقامة الدولة مقابل نيل باقي الحقوق، فكانت الحملات الدعائية التي ذهبت إلى شيطنة الفلسطينيين بعد رفضهم للصفقة عن طريق الجهات الراعية بمشاركة أطراف عربية موقعة على ما يسمى اتفاق إبراهام، واتهمتهم بنشر خطاب الكراهية واعتبرتهم رافضين للسلام، فالتسوية المقدمة والداعمون لها وفق شروط الصفقة هم بالنهاية من يغطون على كيان عنصري قائم على نهج يدعو إلى نظام أبارتهايد يستحيل أن يقيم اتفاقًا للسلام.

أمام اختلال الموازين والانحياز الفاضح لن نقول إن التقرير سيقلب الأمور، لكن حتمًا هو مكسب واختراق من جهة أنه صادر لأول مرة عن جهة دولية مشهود لها بالحياد والمهنية العالية، تقوم بتوصيف دقيق للوضع القائم في الأراضي المحتلة، صحيح أننا لن نتأمل أن يحدث التغيير اليوم، لكن يمكننا أن نراكم عليه من ناحية أنه الباب الذي سيدفع بجهات حقوقيه وقانونية وسياسية دولية لتتحدث عما يجري في الأراضي الفلسطينية، ومن هنا يستحيل أن يُسمح لإسرائيل بأن تستمر في إطلاق العنان بممارسة عربدتها كما يحلو لها، فهناك رأي عام وجهات دولية أصبحت تتابع أدق التفاصيل، وحتمًا الأكاذيب الإسرائيلية لم تعد تنطلي عليها بل سيضعها في مواجهتهم.

لهذا يأتي السؤال الذي يطرح نفسه بقوه: ما هو المطلوب فلسطينيًا؟ وما هي المخارج التي يمكن البناء عليها واستثمارها وفق هذا التقرير؟

رحب الجانب الرسمي، المتمثل بالسلطة الوطنية، بمضمون التقرير، لكن التجارب السابقة بيّنت أنها سلطة خاضعة للاحتلال لا يمكن التعويل عليها، وهي حبيسة التزامات وتعهدات كان الحق الفلسطيني في آخر سلم أولوياتها، والمفارقة أن هذا التقرير تحديدًا يوصي، من جملة ما يُوصي به، السلطةَ الفلسطينية بوقف جميع أشكال التنسيق الأمني مع الجيش الإسرائيلي، لأن التنسيق ساهم ويساهم في تسهيل جرائم الفصل العنصري والاضطهاد داخل الأراضي الفلسطينية!

توصي هيومن رايتس ووتش السلطة الفلسطينية بوقف جميع أشكال التنسيق الأمني مع الجيش الإسرائيلي لأنه يساهم في تسهيل جرائم الفصل العنصري والاضطهاد

صحيح أن حالة الترهل والجمود والانقسام ألقت بضلالها على الشارع الفلسطيني، لكن الحالة الوطنية الفلسطينية عودتنا دائمًا على الخروج من المآزق، وما هبة شبعنا في القدس، في باب العامود، إلا دليل على أن النَّفَس المقاوم لا يستكين في الشارع الفلسطيني والحق ثابت، ولا يزال هناك من يواجه بالرغم من كل التعسف والممارسات القمعية الإسرائيلية، وهذا يدفعنا للبناء والتعويل على الحراك المستمر بالداخل مع المرابطين في القدس ضد سياسات التهويد، والصامدين في غزة، والمقاومين لكل عمليات الاستيطان في الضفة الفلسطينية، والثابتين والمتمسكين بهويتهم داخل أراضي 48، وذلك بالتنسيق مع الشخصيات الوطنية في الخارج، بالشتات والمخيمات ودول المهجر، ومع الجهات الشبابية بعيدًا عن النفس الفصائلي والحزبي الذي أثبت ضيق أفقه وتغليبه للمصلحة الحزبية؛ التنسيق مع حملات المقاطعة، خاصة فيما يتعلق بالعمل على مقاطعة المنتوجات التي يتم تصدريها من المستوطنات المقامة على أراضٍ هجر منها سكانها الأصليين، وهذا ما يلغي صفة الشرعية عنها، بالإضافة للجهات الدولية الداعمة لفضح السياسة الإسرائيلية العنصرية تجاه شعبنا، وللعمل على فتح ملفات جرائم الحرب خاصة مع قرار محكمة العدل الدولية بإدراج المناطق الفلسطينية المحتلة ضمن نطاق عملها، وهذا يتيح -إن تم العمل بشكل منظم وتنسيق بين مختلف الجهات الحقوقية الفلسطينية وعائلات الضحايا- رفع دعاوى قضائية ضد ضباط وقادة دولة الاحتلال بتهم ارتكاب جرائم حرب، ستضع الكيان الغاصب في مآزق كبرى. فلا مصير للنهج الذي تقوم عليه دولة الاحتلال الإسرائيلي إلا الزوال.

عودتنا الحالة الوطنية الفلسطينية على الخروج من المآزق، وما هبة شبعنا في القدس، في باب العامود، إلا دليل على أن النَّفَس المقاوم لا يستكين 

اقرأ/ي أيضًا: المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل: انتصارات وتناقضات

يذكرني موقف إسرائيل من التقرير وردة فعلها من المواقف الرافضة لمجمل ما تقوم به من أفعال عدائية تجاه الشعب الفلسطيني بموقف الجنرال الرواندي باجوسورا (Bagosora)، أحد أبرز المسؤولين عن الإبادة الجماعية التي ارتكبت بحق أقلية التوتسي في رواندا، حين سأله صحافي عن فرق الموت، وذلك في مخيم غوما بجمهورية الكونغو الديمقراطية التي لجأ إليها مع باقي عناصر الميليشيات التي اقترفت الجرائم بعد هزيمتها، فقال الجنرال إنه لا يوجد شيء اسمه فرق الموت لدينا، فرق الموت الوحيدة هي فرق الجبهة الوطنية التي تمثل أقلية التوتسي التي ارتكبت في حقها الإبادة الجماعية. منطق إسرائيل هو منطق الجنرال باجوسورا، هو منطق اللامنطق، منطق الطغاة والمجرمين في المكابرة والتعالي ونكران الحقيقية واعتبار أنفسهم فوق العقاب، بل اعتبار أنهم الضحايا ومن ارتكبوا بحقهم الجرائم والمجازر هم الجناة، عجلة التاريخ تمضي والحق في إقامة العدالة قادم لا محالة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

القدس من خلال 4 مذكرات شخصية

التشريعات ذات العلاقة بالانتخابات في فلسطين