14-يونيو-2017

بعد سنوات من الحجز أُطلق سراح سيف الإسلام القذافي بشكل مُفاجئ (عماد لملوم/أ.ف.ب)

ترددت الأنباء لأكثر من مرة عن إطلاق سراح سيف الإسلام القذافي، نجل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، منذ اعتقاله في تشرين الثاني/نوفمبر 2011 على يد مقاتلي الزنتان، أثناء محاولته الهروب من ليبيا إلى النيجر. وفي كل مرة تكون مجرد إشاعة، حتى أصبح الأمر حقيقة في المرة الأخيرة، بعد أن أعلن خالد الزايدي محامي سيف الإسلام، السبت الماضي، أن مُوكّله صار حُرًا بعد أن أفرجت عنه كتيبة أبوبكر الصديق في الزنتان، تطبيقًا لقانون العفو العام الذي صدر من برلمان طبرق قبل عامين. 

منذ القبض على سيف الإسلام القذافي في 2011، والأنباء تتردد عن إطلاق سراحه، وفي كل مرة تكون إشاعة، حتى أصبحت حقيقة في المرة الأخيرة

وكانت كتيبة أبو بكر الصديق قد نشرت بيانًا أعلنت فيه صحة المعلومات المنتشرة عن إطلاق سراح سيف الإسلام، وأنه بات خارج مدينة الزنتان، مُطالبة الكتائب الأخرى بالإفراج عن المساجين السياسيين الذين ينطبق عليهم قانون العفو العام!

وتتوزع السيطرة على منطقة الزنتان غرب ليبيا، بين قوات موالية للواء خليفة حفتر وأخرى موالية لحكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج. ولا يُعرف إن كان الخصمان على علم مُسبق بنوايا كتيبة أبي بكر الصديق، إلا أنّ المجلسين العسكري والبلدي للزنتان الداعمين لحكومة الوفاق، أصدرا بيانًا اتهما فيه الكتيبة بـ"التواطؤ والخيانة"، وحملاها المسؤولية القانونية والأخلاقية للإفراج عن نجل القذافي، ومن الجانب الآخر صدر قرار عن غرفة عمليات المنطقة الغربية التابعة لجيش حفتر بحل كتيبة أبي بكر الصديق وإعادة توزيرع عناصرها.

بيان كتيبة أبي بكر الصديق الخاص بالإفراج عن سيف الإسلام القذافي
بيان كتيبة أبي بكر الصديق الخاص بالإفراج عن سيف الإسلام القذافي
بيان المجلسين البلدي والعسكري للزنتان الداعمان لحكومة الوفاق، بخصوص إفراج كتيبة أبي بكر عن سيف الإسلام القذافي
بيان المجلسين البلدي والعسكري للزنتان الداعمان لحكومة الوفاق، بخصوص الإفراج عن نجل القذافي

من الإعدام إلى العفو العام

يُذكر أن سيف الإسلام واجه حكمًا سابقًا بالإعدام رميًا بالرصاص في عام 2015، كما أن المحكمة الجنائية الدولية وجهت له تهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وقتلٍ للمتظاهرين المعارضين لحكم القذافي. وفي أفضل الظروف لم يكن يتخيل سيف الإسلام أو أحد مؤيديه، أن يصبح حرًا مرة أخرى، فضلًا عن أن يعود إلى المشهد السياسي كما يُروّج الآن، في ظل هذه الصراعات التي يشهدها الداخل الليبي.

اقرأ/ي أيضًا: 3 مؤشرات تقرع طبول المعركة الكبرى في ليبيا

ويمثل سيف الإسلام أحد أهم رجال النظام السابق، وكان سجنه لدى كتيبة أبي بكر يُمثّل للكتيبة قيمة كبيرة على أي طاولة مفاوضات، ما يجعل من الإفراج عنه بشكل مفاجئ وفي الوقت الحالي، أمرًا مثيرًا للشكوك، مع طرح تساؤلات مشروعة جدًا حول احتمالية أن يكون وراء الموضوع مواءمات سياسية ومكاسب محتملة من وراء صفقة ما دفعت الكتيبة إلى هذا الإجراء.

سيناريو مُحتمل: فدية بـ 3 مليار دولار من الإمارات

للإمارات يد عابثة في ليبيا، ليس أقلها الدعم الموجه -بخرق القانون- لأحد أطراف النزاع في ليبيا متمثلًا في اللواء خليفة حفتر، وقد كانت الأمم المتحدة اتهمت الإمارات بخرق حظر تصدير الأسلحة المفروض على ليبيا، بتقديمها السلاح عبر الموانئ البحرية لقوات حفتر.

قالت مصادر ليبية لـ"ألترا صوت" إن الإمارات دفعت فدية قيمتها 3 مليارات دولار مقابل الإفراج عن سيف الإسلام القذافي

وثمة احتمالية أن تكون هذه اليد العابثة قد امتدت أيضًا لقضية سيف الإسلام القذافي، فبحسب مصادر ليبية تحدثت لـ"ألترا صوت"، فقد اشترت الإمارات حرية نجل القذافي مقابل فدية قيمتها 3 مليارات دولار دُفعت لكتيبة أبي بكر الصديق.

اقرأ/ي أيضًا: تقدير موقف: معركة الجفرة في ليبيا.. التداعيات الميدانية والحسابات الإقليمية 

ولم يتسنّ لنا التأكد الجازم من صحة هذه الرواية، بيد أنّها تبدو قريبة من المنطق في ظل تحركات الإمارات الهادفة بشكل أساسي إلى الارتداد ضد كل أثر للثورات العربية، وللإفراج عن نجل القذافي رمزية هامة في ذلك السياق، إلا أنّه في حال صحّ ذلك فثمّة تساؤل عن التهديد المحتمل الذي سيمثله نجل القذافي على خليفة حفتر المدعوم هو الآخر من الإمارات، ما قد يعني أن مواءمة ما بين الاثنين ستحدث قريبًا، إن لم تكن حدثت بالفعل.

سيف الإسلام وخليفة حفتر.. أعداء الأمس أصدقاء اليوم

فيما بدا الخلاف داخل قوات حفتر حول إطلاق سراح نجل القذافي، أو ربما تبدّل سريع جدًا في المواقف، رحّبت قيادة قوات حفتر على لسان متحدثها الرسمي أحمد المسماري، بالإفراج عن سيف الإسلام القذافي، قائلًا إن "سيف الإسلام أصبح من الناحية الإدارية والقانونية حرًا طليقًا بموجب قانون العفو العام"، وفي المقابل كانت غرفة عمليات المنطقة الغربية لقوات حفتر قد أصدرت قرارًا بحل كتيبة ابي بكر مباشرةً عقب صدور بيان الإفراج عن نجل القذافي!

وبالحسابات السياسية وفي ظل ظروف الصراع المحتدم على كافة الأصعدة داخل ليبيا، فإن إطلاق سراح نجل القذافي يُمثّل إرباكًا حقيقيًا لحسابات كافة الأطراف الليبية، وفي حال تحقق ما يُشاع من عودته إلى المشهد السياسي مرة اُخرى بدعوى توحيد الصف المنشق، فإنّه على الأرجح سيقابل بترحاب، بخاصة في بعض المناطق التي سيرى فيها المواطنون أن نجل القذافي قد يمثل أملًا أخيرًا في عودة الأمن والاستقرار المفقودين منذ 2011. 

بالضرورة يُمثّل هذا تهديدًا على نفوذ، وربما وجود كلٍّ من السراج وحفتر، إلا إذا ما قرر أحدهما التحالف مع سيف الإسلام القذافي، وهو ما يبدو أقرب للحدوث من جهة حفتر الذي أكّدت قيادة قواته رسميًا "شمول نجل القذافي بالعفو العام" فيما بدا ترحيبًا بهذا الإفراج.

يتقاطع ذلك ايضًا مع التوجه العام داخل قوات حفتر للتصالح مع رجال القذافي، انطلاقًا من خطاب تدعيم الأمن والاستقرار، ولتعزيز نفوذ حفتر وقواته بين بعض القبائل. كما قد يتقاطع ذلك بشكل مفصلي في رواية دفع الإمارات فدية بقيمة 3 مليارات دولار للإفراج عن سيف الإسلام القذافي.

من المرجح أن يتحالف حفتر مع نجل القذافي ليفتح له مساحات أوسع للنفوذ وسط قادة بعض القبائل التي سترحب بعودة سيف الإسلام تحت مظلة أبو ظبي

ومن المتوقع أن تشهد ليبيا انتخابات رئاسية في شباط/فبراير 2018، وكما هو واضح فإن الطرفين الأكثر تأثيرًا على الساحة هما حفتر والسراج. والآن، ربما تكون المعادلة منقوصة إذا ما تم تجاهل نجل القذافي، بيد أنّه لا زال يواجه اتهامات من قبل محكمة الجنايات الدولية بارتكابه جرائم حرب، ما قد يحول دون ترشحه للرئاسة إن أراد. 

اقرأ/ي أيضًا: السراج وحفتر في الإمارات.. هل نضج الحل السياسي في ليبيا على طاولة غير محايدة؟

في المقابل يسعى حفتر بكل جدية لتمديد مناطق نفوذه وكسب أصوات جديدة وعقد اتفاقات مع قادة القبائل ليحظى بالدعم المنشود، وأصوات أفراد القبائل في الانتخابات المقبلة، فلو نجح حفتر في نيل تأييد ودعم القذافي ورجاله في الانتخابات المقبلة، غالبًا سيكون حسم الأمر لصالحه، ما لم يجد جديد على الساحة السياسية، وهكذا تصبح مقاليد الأمر في يد رجال الإمارات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

شبح ديمقراطية المحاصصة في ليبيا

ليبيا ومخاض التأسيس..