12-مارس-2018

عبد الرحمن مدني فواتيح

تتكوّن الجزائر من 48 محافظة، تسمّى في أدبيات الإدارة الجزائرية "ولاية". وتمّ ترتيبها وفق الحروف الأبجدية. وتقضي القوانين أنّ والي الولاية المعيّن من طرف رئيس الجمهورية يُعدّ رئيس القطاعين العسكري والمدني في ولايته. فهو يشرف على الكبيرة والصّغيرة فيها، بما في ذلك التحكّم في المجالس البلدية المنتخبة من طرف الشّعب.

تتكوّن الجزائر من 48 محافظة، تسمّى في أدبيات الإدارة الجزائرية "ولاية"

انطلاقًا من هذه السّلطة القانونية والإدارية، التي يحظى بها الوالي في الجزائر، فهو يستطيع أن يقرّر بعث مشروع معيّن أو توقيفه، وتعيين مسؤول محلّي أو إعفائه من مهامّه، ومنح امتياز معيّن لجهة معيّنة أو تجريدها منه، من غير العودة إلى جهة تشريعية. وهو الوضع الذي فشلت الأحزاب المعارضة الممثلة في البرلمان في تغييره من خلال قانون البلدية والولاية.

اقرأ/ي أيضًا: إلغاء "شهادة العذرية".. سجال مجتمعي في المغرب

علمُ المواطنين الجزائريين بهذه السّلطة، التي يمثّلها الوالي، جعلتهم يترقّبون الزّيارات الميدانية للولاة، علّهم يحظون باللقاء المباشر، الذي يمكّنهم من رفع هواجسهم ومظلومياتهم إليهم. وتختلف طرق تعامل الولّاة مع المواطنين، حسب مزاج وأخلاق كلّ واحد منهم. ففي الوقت الذي نجد فيه الرّأي العامّ يشيد بليونة هذا، في المجالس الواقعية والافتراضية، وقد يتعدّى الأمر إلى الكتابات الحائطية، نجده يستنكر تعجرف ذاك.

قبل أيام، قام عبد الرحمن مدني فواتيح والي ولاية بومرداس، 60 كيلومترًا إلى الشّرق من الجزائر العاصمة، بزيارة ميدانية للاطلاع على واقع توزيع السكنات الاجتماعية، فتهاطل عليه المواطنون، نساءً ورجالًا، رافعين إليه حاجاتهم واحتجاجاتهم، غير أنّ الوالي كان يتحدّث مع البعض بصرامة، ويحيل البعض على المسؤولين المباشرين، فيما تجاوز البعض من غير أن يلتفت إليهم. من غير أن يراعي أن هناك هواتف جوّالة تصوّر المشهد.

قبل أن تنتهي الزّيارة أصلًا كان الفيديو، الذي رصد مشاهد تعامل الوالي مع مستقبليه من المواطنين ينتشر في موقع التّواصل الاجتماعي فيسبوك، مخلّفًا موجة من الاستياء والغضب لدى روّاده. وهي ردّة الفعل التي تفاعلت معها القنوات الإخبارية الخاصّة، فتحوّل الأمر خلال ساعات إلى قضية رأي عام.

راسل الكاتب والإعلامي احميدة عيّاشي وزير الدّاخلية نور الدّين بدوي، مذكّرًا إياه بأنه كان واليًا في العديد من الولايات، وأنه كان يستقبل المواطنين بصدر رحب، "لذلك أتوجّه إليك لتتأمّل هذا الفيديو المرعب والمعبّر عن سلوك والي بومرداس المهين لجزائريتنا ولصدقية أيّ مسعى رسمي يسعى لإشاعة الأمل في ما تبقّى في نفوس الجزائريين، الذين أصبحوا على شفير نار الغضب".

يضيف عيّاشي المعروف بكونه أوّل صحفي اصطدم بالرئيس بوتفليقة في حصّة تلفزيونية عام 1999: "فكلّ سيميائية وجه الوالي وتعبير حركاته تعبّر عن مسؤول جزائري لا يجيد التحكّم في أدنى أبجديات الخطاب مع مواطن يسعى أن يتشبّث بكلمة فيها أمل أو احترام. إذا كان المسؤول الأوّل عن الولاية يتصرّف بهذه العنجهية والاحتقار، فكيف ننتظر من المواطن الغاضب والمقهور أن يكون متفهمًا وصبورًا ومدنيًا في سلوكاته؟".

من جهته، أبدى النّاشط الحقوقي أنور رحماني تقزّزه ممّا ورد في الفيديو، "أشخاص مرضى بالسّادية مثل هذا، لا يجب أبدًا أن يمسكوا مناصبَ بأهمّية منصب الوالي. استغلال المنصب حسب الدستور الجزائري لخلق علاقات التبعية جريمة. أطالب بإقالة هذا المجرم فورًا من منصبه". وتساءل النّاشط عمر لاشموت: "هل نقول والي ولاية بومرداس أم حاكم ولاية بومرداس؟".

من زاوية أخرى، كتب الرّوائي والصّحفي الرّياضي نجم الدين سيدي عثمان أنه لم يرَ أيّة إهانة في تصرّف الوالي، "أتفق جدًا معه في محاربة البناء الفوضوي، الذي شوّه وجه هذا الوطن البائِس، وأقعد بعض من يدّعون أنهم أبناؤه، وجعل من الأكواخ المنشأة بالقصدير والزّنك قنطرة قصيرة للحصول على سكن، فيما يُحرم منه مستحقّوه، الذين امتلكوا من الكرامة ما لا يسمح لهم بتحمّل العيش يومًا واحدًا في ظروف كالتي يتحمّلها هؤلاء". 

مسعود قايدي: فيسبوك بات يشكّل سلطة معنوية في الجزائر، في ظلّ ترهل القنوات السّياسية

"الرجل قد نلومه على انفعاله، لكن لا نستطيع معاتبته على تطبيقه القانون أبدًا. والفيديو الذي شاهده كثيرون بعين العاطفة يستحقّ أن يُرى بالعقل بعيدًا عن الشّعبوية، لنخرج منه بأشياء كثيرة عن شعب "البايلك"/ القطاع العام، الذي ساهمت السّلطة في جعله اتكاليًا وانتهازيًا يعرف ما الذي ينبغي فعله بالضبط للحصول على سكن ليؤجره في اليوم التالي".

اقرأ/ي أيضًا: الأراضي الفلاحية في الجزائر.. إرهاب الإسمنت

وفي حديث لـ"الترا صوت" قال المدوّن مسعود قايدي إن فيسبوك بات يشكّل سلطة معنوية في الجزائر، في ظلّ ترهل القنوات السّياسية والقانونية والحقوقية، "ومن شأن تفاعل الجزائريين مع مثل هذه الفيديوهات أن يردع المسؤولين الآخرين، ويجعلهم يفكّرون عميقًا قبل أن يتصرّفوا خارج اللباقة والقانون".

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

بالفيديو: تعنيف أطفال متوحّدين في تونس.. الشارع غاضب ودعوات للردع

"زمان وأيام زمان".. تجليات النوستالجيا في حياتنا اليوم