22-فبراير-2018

يعتبر الكثيرون شهادة العذرية إذلالًا لكرامة المرأة (Getty)

خيَّم موضوع العذرية على النقاش في المغرب خلال هذه الأيام، وذلك بعد أن أعلنت الجمعية المغربية للعلوم الجنسية نيتها تقديم مشروع قانون، يروم إلى إلغاء "شهادة العذرية" التي يقدمها الأطباء للفتيات المقبلات على الزواج، مما خلق سجالاً مجتمعيًا بين من يراها خطوة "لانحلال المجتمع" ومن يعتبر أن هذه الشهادة "تكرس للنظرة الذكورية في المجتمع".

أعلنت الجمعية المغربية للعلوم الجنسية نيتها تقديم مشروع قانون لإلغاء شهادة العذرية قبل الزواج، ما أثار سجالًا مجتمعيًا في المغرب ونقاشات حادة

نظريًا لا يشترط القانون المغربي الحصول على وثيقة "شهادة العذرية" لتوثيق عقد الزواج، لكن بحكم العادة دأبت الكثير من العائلات المغربية على ضرورة إجراء فحوص "كشف عذرية الفتاة" لإتمام مراسم الزواج، وهو السلوك الذي تستهجنه الجمعيات الحقوقية، وتعتبره مذلاً لكرامة النساء، ومن ثمة تسعى إلى وضع حد له من خلال سن قانون يلزم الأطباء بعدم تقديم "شهادة العذرية" للمغربيات المقبلات على الزواج، باستثناء القضايا المتعلقة بالاغتصاب والطب الشرعي.

لكن هذا المشروع الذي يهدف إلى إلغاء "شهادة العذرية" يواجه رفضًا شعبيًا، خاصة من قبل الأوساط المحافظة في المجتمع، التي تتهم الجهات الحقوقية وراء هذا القانون بـ"محاولة إفساد الأسر المغربية ونشر الرذيلة"، وتنظر إلى هذه الوثيقة كدليل على إرساء ثقافة "عفة الفتاة" في المجتمع، ومن شأن تحييدها "أن يفتح المجال أمام العلاقات الجنسية للمرأة خارج إطار الزواج دون حدود"، وهو ما نتبينه من خلال العديد من تدوينات على مواقع التواصل.

اقرأ/ي أيضًا: "التقاف".. سلاح المغربيات للحفاظ على العذرية

 

لفهم سر التمسك الشعبي بـ"شهادة العذرية"، لابد من استحضار أن مسألة "عذرية الفتاة" لها أهمية قصوى لدى الثقافة الجنسية المغربية، كفكرة متجذرة في عقلية الإنسان المغربي رغم مظاهر الحداثة، إذ عرف المجتمع المغربي منذ القدم إلى اليوم طقوسًا شعبية تخص عذرية العروس، أشهرها ظاهرة "الشرويطة الحمراء" الواسعة الانتشار في القرى والمدن الصغيرة، حيث يعمد العريس إلى إخراج سروال زوجته ملطخًا بالدماء، بعد أن يفض بكارتها في ليلة الدخلة، إلى جموع المحتفلين، كدليل على فحولته من جهة ونقاء شرف عروسه من جهة أخرى، أما إذا لم يكن هناك دم فإن الزوجين وذويهم سيصبحون عرضة لوصمة "العار" من قبل المجتمع المحيط بهم .

مسألة عذرية الفتاة متجذرة في عقلية المغربي رغم مظاهر الحداثة وقد عرف المجتمع منذ القدم وإلى اليوم طقوسًا شعبية تخص عذرية العروس ومنها "الشرويطة الحمراء"

"بعض الرجال يتوهمون أن غشاء البكارة لدى الفتاة قبل الزواج يدل على أنها لم تكن لها علاقة جنسية سالفة، مع العلم أن هذا واهٍ، لأنها قد تكون مارست الجنس" يقول البروفيسور رشيد بوطيب، رئيس الجمعية المغربية للعلوم الجنسية، في محاضرة له، وهو ينبه الأطباء وطلبة الطب في محاضرة له إلى أهمية احترام مبادئ الطب المتمثلة في السرية والخصوصية، مضيفًا "هؤلاء الرجال لا يدرون أن غشاء البكارة للفتاة يمكن أن يكون محصنًا ولا يتعرض لأي نزيف في أول علاقة جنسية، أو قد يكون الغشاء مفتوحًا سلفًا منذ ولادتها، وهذا لا علاقة له بممارستها علاقة جنسية من قبل أو بتصرفاتها".

اقرأ/ي أيضًا: عودة "كشف العذرية" إلى مصر: الطالبات في المصيدة!

بينما يتساءل عبد الصمد الديالمي، صاحب كتاب سوسيولوجيا الجنسانية العربية، عن السبب في عدم وجود رجل "أعذر" مؤكدًا أن العذرية لدى العرب والمسلمين تعتبر "رأس مال الفتاة"، كما يتصورون، وهذا يدخل ضمن الثقافة المغربية أيضًا مما يجعل النساء المقبلات على الزواج ضحايا تصورات المجتمع لـ"العذرية".

في نفس السياق، ترجع الأخصائية النفسية أمال شباش حساسية موضوع "العذرية" عند المجتمع المغربي، إلى "سكيزوفرينيا الرجل المغربي الذي يتخلى عن الفتاة التي سبق له أن ربطته بها علاقة جنسية، حينَ يهمّ بالزواج، ويبحث عن فتاة أخرى، لمْ يمّسسها رجل من قبل"، مفسرة ذلك "بنظرة هذا الرجل إلى المرأة "كشيء في ملكه الخاص لا يجب أن يقربه أحد"، متغافلاً عن كيانها كفرد مستقل له أحاسيس ووعي ذاتي".

 

 

ومع ذلك فقد بدأ قسم من المجتمع المغربي خلال السنوات الأخيرة، خاصة من الشباب، ينتبه إلى أهمية إعادة النظر في بعض التابوهات القديمة المرسخة ثقافيًا، كموضوع "العذرية". وكانت الجزائر قد قامت بإجراء تعديلات على قانون الأسرة، في آذار/ مارس 2016، يلغي إلزامية تقديم النساء المقبلات على الزواج لشهادة تثبت عذريتهم قبل إتمام إجراءات الزواج، وتقصر فحص العذرية على المغتصبات والمتهمات جنائيًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

منديل العذرية في الجزائر.. عرس الدم

تمرد المصريات.. اعترافات بفض غشاء البكارة