18-أغسطس-2017

تظاهرات سابقة ضد التحرش في مصر (صورة أرشيفية/ أحمد إسماعيل/الأناضول)

منذ ثلاث سنوات تعرضت فتاة مصرية إلى جريمة تحرش جماعي بميدان التحرير، وتناول الإعلام المصري تغطية الجريمة واصفًا مدى بشاعتها مطالبًا بمعاقبة الجناة وضرورة تحسين أوضاع المرأة المصرية، وفي "لفتة عاطفية" زار السيسي الفتاة بالمستشفى، حيث تُعالج وقدم لها باقة من الورود واعتذر لها نيابة عن الشعب المصري، كما قال، ووعدها بالتصدي لظاهرة التحرش وتفعيل قانون تجريم المتحرشين، ووجه حديثه للجنود والضباط بضرورة مواجهة تلك الظاهرة. وفي العام الماضي قرر السيسي أن يكون عام 2017 هو "عام المرأة"، لكن فعليًا هل أتت تلك التصريحات ثمارها وطُبّقت بشكل عملي على أرض الواقع أم ظلت كلامًا فارغًا يلقى جزافًا بلا تطبيق؟

لم ينص قانون العقوبات المصري على لفظ "التحرش" صراحة كجريمة تستحق العقاب إلا سنة 2014

اقرأ/ي أيضًا:  "انتي عانس" وغيرها.. إعلانات تهين المرأة المصرية؟

رجال الشرطة يتحرشون بالفتيات

انتشر مقطع مصور منذ أيام قليلة لأحد أفراد الشرطة وهو يعترض الفتيات بعربة السيدات داخل مترو الأنفاق. لا يظهر المقطع حقيقة الخلاف بوضوح أو بداية المشادات بين الشرطي والسيدات بمترو الأنفاق، ولكن التعليق المصاحب للفيديو يؤكد على تحرش جنسي طال السيدات من طرف فرد الأمن وحاولن طرده خارج العربة التي يمنع دخول الرجال إليها ولو كانوا رجال الشرطة، فهناك شرطة نسائية مخصصة لتلك العربات.

حاول النساء الاحتجاج عليه وطرده خارج العربة، فما كان منه إلا أن ثار عليهم وقام بتهديدهم والاعتداء عليهم بالأيادي، ويذكر التعليق المصاحب للفيديو بقيام فرد الأمن باتصالات سريعة للحصول على الدعم الأمني انتهاءً بالقبض على عدد من السيدات وحذف ما قاموا بتصويره من على هواتفهم النقالة وتهديدهن بالحبس إذا بحن بالواقعة علنًا، ولكن كما يقول الشخص الذي نشر المقطع المصور إن إحدى الفتيات تمكنت من استعادة الفيديو بعد حذفه ليكون أمامنا دليلاً على جريمة الأمني.

وعلى الرغم من عدم التأكد من صحة الرواية المذكورة، إلا أن تعاطي المدونين معها على وسائل التواصل الاجتماعي مصريًا صب في مصلحة السيدات وتمحور حول التضامن معهن، ما يعكس حالة من فقدان الثقة في نزاهة رجال الأمن المصري، وهاجم البعض رجال الشرطة المصرية متهمين إياهم بالانحطاط مشيرين إلى أن من "أمن العقوبة، أساء الأدب" حسب تعبيرهم، وفي الكفة الأخرى اعترضت فئة قليلة على نشر الفيديو دون التأكد من صحة الرواية المذكورة.

 

 

 

انتهاكات السلطة ضد النساء ليست حالة فردية

كانت زيارة السيسي لفتاة التحرش وحثه على مواجهة الظاهرة أمرًا مثيرًا للسخرية في الأوساط السياسية حينها خاصة أنه اعترف بإجراء أفراد القوات المسلحة لكشوف العذرية لبعض الفتيات المعتصمات بميدان التحرير في عام 2011 وكان ذلك تحت علمه وإشرافه مبررًا ذلك لحماية جنود القوات المسلحة من مزاعم الاغتصاب بعد الإفراج عن المحتجزات! ولم تكن هذه الحادثة هي الوحيدة ولكنها الأبرز في سنوات الثورة القليلة الماضية.

وفي تقرير منظمة "هيومان رايتس مونيتور" الصادر بعنوان "التعذيب دستور السجون المصرية" في ذكرى اليوم العالمي لمناهضة التعذيب 26 حزيران/ يونيو من العام الماضي، خصص التقرير فصلاً كاملاً للحديث عن انتهاكات السلطة ضد النساء، حيث رصدت المنظمة 200 حالة قتل على يد قوات الأمن خارج إطار القانون، وما يزيد عن 2500 حالة اعتقال تعسفي، و5 حالات اغتصاب داخل مقار الاحتجاز، بينما أشارت منظمات حقوقية أخرى إلى وقوع 20 حالة اغتصاب قامت بها قوات الأمن ضد النساء منذ أحداث 30 حزيران/ يونيو 2013 وحتى وقت صدور التقرير، منهن 12 حالة بسجن الأبعادية، و317 إجراءً قسريًا لكشوف الحمل على النساء المعتقلات.

اقرأ/ي أيضًا: عودة "كشف العذرية" إلى مصر: الطالبات في المصيدة!

قانون مناهضة التحرش الجنسي

يظل قانون العقوبات المصري عالقًا بلا تفعيل حقيقي في علاقة بالتحرش الجنسي إلا في بعض الحالات القليلة التي تم فيها توثيق الجريمة

ظلت المنظمات الحقوقية النسوية تناضل من أجل إصدار قانون يتضمن لفظ "التحرش الجنسي" كجريمة يعاقب عليها القانون، وحتى عام 2014 لم ينص قانون العقوبات المصري على لفظ "التحرش" صراحة كجريمة تستحق العقاب إلى أن تغير الأمر بتوجيهات من الرئيس المؤقت حينها عدلي منصور، فأصبح التحرش الجنسي جريمة يعاقب عليها القانون بالحبس لمدة تتراوح من 6 أشهر إلى 5 سنوات وغرامة مالية، طبقًا للمادتين مكرر 306 (أ) و 306 مكرر (ب) من قانون العقوبات المصري، وتظل العقبة هي الطرق التي يُمكن بها إثبات وقوع حالة التحرش والتي تقف حائلاً في حالات كثيرة بين تطبيق العقوبة على الجاني، ويأتي الطب الشرعي وشهادة الشهود على رأس الإثباتات التي تأخذ بها المحكمة.

وعلى الرغم من إدخال لفظ التحرش الجنسي كجريمة في قانون العقوبات غير أن القانون يظل عالقًا بلا تفعيل حقيقي على أرض الواقع إلا في بعض الحالات القليلة التي تم توثيقها بمعاقبة الجناة، كما تم رصد عدد من الحالات التي طالبت فيها الفتيات بإثبات حالة تحرش جنسي بأقسام الشرطة المصرية ورفض الضابط المسؤول إتمام الإجراء وفضّل الحل الودي على ذلك، والكثير من الفتيات لا يزلن لا يثقن في منظومة الأمن ومنظومة العدالة ويلجأن إلى السكوت أو التراضي درءًا للمشاكل الاجتماعية أو الأمنية التي قد يتعرضن لها نتيجة بلاغهن.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ريهام سعيد.. أو المرأة التي تكره نفسها

تمرد المصريات.. اعترافات بفض غشاء البكارة