16-أبريل-2016

المخرج زاك سنايدر مع باتمان

في فيلم "Batman V Superman" لم يخيب المخرج زاك سنايدر توقعاتي بتقديمه وليمة من القلق لمن يحيون مثلي في عالم الكوميكس. فمثلما هزّ في فيلم "Watchmen"، الصادر عام 2009، مسلمات القصص المصورة في ما يختص بالخير والشر، يعود سنايدر في "باتمان ضد سوبرمان" لإكمال تحطيم صورة البطل التقليدية التي نشأنا على حبها، أعني تلك الصورة التي تضع البطل الخارق معادلًا للخير الخالص في مواجهة الشر.

يعمل المخرج زاك سنايدر في "باتمان ضد سوبرمان" على تحطيم صورة البطل التقليدية التي نشأنا على حبها

وكما أن "باتمان ضد سوبرمان" ليس فيلم كوميكس تقليديًا، حيث الأخيار أخيار والأشرار أشرار، فهناك منطقة رمادية يتحرك فيها الأبطال هذه المرة، كذلك لا تتوقع حوارًا سهلًا بحدود واضحة وقوالب مكررة، ولا خيط أحداث ذا بداية ونهاية عاديتين، بل إن الحوارات أسئلة، وهي أسئلة مؤرقة حقًا.

اقرأ/ي أيضًا: المرأة في السينما.. نمذجة وتنميط

الفيلم أيضًا، في تقديري يمثل بزوغًا لمرحلة مختلفة في عالم أبطال القصص المصورة، يتم فيها تغيير قواعد اللعبة القديمة التي سادت طويلًا. مرحلة يشتغل فيها سنايدر على تأكيد جدارة الإنسان، بخيره وشرِّه، في أن يسود عالمه ويجد الحلول لمشاكله بعيدًا عن انتظار المعجزات.

نعم، الأبطال الخارقون يصنعون المعجزات بالطبع، وإلا لما كانوا خارقين! إلا أن الأسئلة التي بدأها زاك في "المراقبون" وطرق عليها في عدة أفلام، وبكثافة أكثر في "باتمان ضد سوبرمان"، تعيد تشكيل قطع الأحجية إلى احتمالات لطالما تجاهلتها قصص الكوميكس المسطحة، مثل: كيف يكون البطل خيِّرًا وعادلًا معًا؟ هذا السؤال وغيره من الأسئلة تمثل، بداهةً، رؤية زاك الوجودية وفلسفته التي يعمل على عرضها.

في "المراقبون"، احتفظ سنايدر بعناصر الكوميكس التقليدية، إلا أنه أجرى تعديلًا صادمًا، إذ جعل الشرير واحدًا من الأبطال، قبل أن يزيح الحدود الفاصلة بين الشر والخير، لنتوه في محاولة تحديد إن كان "أدريان" شريرًا أم لا. وفي "باتمان ضد سوبرمان"، عاد مرة أخرى ليخلط الحدود، وإن كان هذه المرة جعل الشرير من خارج دائرة الأبطال الخارقين.

يعادل سوبرمان، البطل-الإله، في هذا الفيلم، دكتور مانهاتن في "المراقبون". ويمثل باتمان، مكافح الجريمة في الشوارع، رورشاك في الفيلم المذكور، بينما يتشابه العبقري الشرير/غير الشرير، أدريان، مع ليكس في فيلمنا هذا. إذن هناك بطل خارق معبود، وبطل بشري واقعي، وشرير عبقري، وهناك مؤامرة! لا شيء في جوهره جديد، إلا أن الاختلاف يأتي من كيفية نسج سنايدر من هذه العناصر الشائعة، قصته، بحيث تحتمل أن تُحقن بأسئلة في غاية الالتباس.

اقرأ/ي أيضًا: أفضل 6 أفلام خيال علمي على الإطلاق

يعتقد باتمان أن سوبرمان خطر على العالم يجب القضاء عليه، ويظن سوبرمان أن باتمان منفلت ويجب ردعه، ويظن ليكس لوثر، العبقري الثري الشاب المضطرب، أن سوبرمان تجسيد للإله، وهو، لأسباب خاصة، لا يحب الآلهة، لذا ينفق جهده لتدميره. تسير كل الخيوط باتجاه الصدام بين البطلين، البشري مكافح الجريمة غير المرضي عنه "باتمان"، والفضائي الخارق المعبود "سوبرمان". ليس في الأمر غيرة مباشرة لكلّ من الآخر، بل هي تقديرات كل واحد منهما لخطر الآخر على مجاله الحيوي الذي يعمل على حمايته.

بالنسبة إلى كائن غير قابل للأذى، مثل سوبرمان، ما هي الشجاعة؟ يلزم أن تحس بالخوف أولًا لتكون شجاعًا، أليس كذلك؟ 

يخوض البطلان الصدام الكبير بينهما، وكلاهما مدجج بمفهومه عن الخير، فالجميع يتغيرون كما يرى باتمان وليس هناك صالحٌ إلى الأبد يمكن الوثوق بصلاحه، ولو تغير سوبرمان بكل قدراته هذه لمحا العالم، بينما يحتمي سوبرمان بالمفهوم التقليدي لشرعية القتال من أجل العائلة، من أجل الحياة، إلى أن يلتقيا بمصادفة قدرية عند هذه النقطة، قبل أن يقتل باتمان سوبرمان بثوانٍ، حين تطابق اسما أميهما "مارثا كنت" التي كانت بحاجة إلى الإنقاذ العاجل، و"مارثا وين" التي شاهدها باتمان تموت أمامه دون أن يملك إنقاذها.

 إن صرخة باتمان في وجه سوبرمان وهو يغمره بالكريبتونايت فيصبح معادلًا له في القوة: "أنت لست شجاعًا، البشر هم الشجعان"، تلخص ما يريد سنايدر قوله في الفيلم. فبالنسبة إلى كائن غير قابل للأذى، مثل سوبرمان، ما هي الشجاعة؟ يلزم أن تحس بالخوف أولًا لتكون شجاعًا، أليس كذلك؟ يضاف إلى ذلك الإشارات التي يعج بها الفيلم في حوارات السيناتور فينش وليكس لوثر، وبروس وين وكلارك كنت، ووين و"ووندر وومن"، وكلارك ووالده "حوار متخيل"، كل هذه الإشارات تقول بوضوح إن لا السلطة المطلقة ولا القوة التامة قمينتان بضمان العدالة. وإن الإنسان -على لسان بروس وين- فيه الخير "نعم نقتل ونخون، لكن دائمًا يمكننا إعادة البناء".

يقتل سنايدر سوبرمان في هذا الفيلم، يقتل الإله، بينما يعيش الإنسان "باتمان" والكائن الخارق الذي لم يضع نفسه مسؤولًا عن البشر "ووندر وومن". إلا أن ثمة ما يشي باحتمال قيامة أخرى لسوبرمان، قد نتأكد منها في الجزء المقبل "Justice League Part One" بعد عام، وربما لا.

اقرأ/ي أيضًا: 

8 أفلام تشاهدها مع من تحبه

"الهرم الرابع".. لو كان روبن هود من ميدان عابدين