25-يونيو-2023
الممثل توم هانكس

الممثل توم هانكس

لم تكن المقدمات التي شكلت سيرة الممثل الأمريكي توم هانكس تشير إلى أنه سوف يكون ذا شأن كبير، وسوف يصبح الممثل الأعلى أجرًا والأكثر طلبًا في شباك التذاكر.

اختار توماس هانكس الطريق التقليدي الصعب، والطويل، وتدرج ببطء، خلال مسيرة حياته الفنية. انخرط في بداياته في العمل في العروض المسرحية الشكسبيرية وتنقل كثيرًا بين حلقات المسلسلات التلفزيونية الشهيرة، كضيف حلقات منفردة، لكنه في كل هذا كان يراكم التجارب ويصنع كمًّا تجريبيًا سوف يقوده في النهاية إلى إظهار موهبته النوعية.

إنها قصة نجم سينمائي كبير، شكله العمل الدؤوب والجهد والمثابرة، وقصة صعوده إلى النجومية، تشكل إلهامًا معاكسًا للصدف الخارقة للعادة، وضربات الحظ المحولة للمسار، إنها قصة ممثل مؤمن بالعمل والانخراط فيه بكل صدق وجدية، حتى بلوغ الهدف المنشود.

تتميز أسلوبية النجم المولود في كاليفورنيا سنة 1956، بأنه يدعم أداءه دومًا بمسحة شكسبيرية، من حيث تعقيداتها الداخلية وعمقها، لكنه من جانب آخر، يجعلها مقبولة وتلقائية وطريفة، مثل شخصيات موليير. فتجمع شخصياته التي لعبها بمعظمها بين العمق وخفة الحضور والطرافة. وهذا ما يجعل أداءه بسيطًا وعميقًا في الوقت ذاته، بعيدًا عن الأنماط الأدائية الصارخة في ميلها نحو التأثير الدرامي المتعلقة بشدة بدورها الوظيفي في سياق الحكاية. إذ لا يجد أبدًا تعارضًا بين أن تكون الشخصية عميقة من خلال البحث السلوكي، وتتمتع بالطرافة أيضًا، ويمكن للمتتبع ملاحظة أن توم هانكس حقق هذه الثنائية في معظم الشخصيات التي لعبها في أفلامه، والتي صارت علامات فارقة في الذاكرة الإبداعية السينمائية على مستوى العالم.

وإليكم وقفة مع خمسة من أهم أفلام هذا الممثل العملاق، الحاصل على أوسكار أفضل ممثل لسنتين على التوالي، وهذا ما لم يحدث في تاريخ هوليود إلا نادرًا.


1- فيلاديلفيا

يقدم توم هانكس في هذا الفيلم أداء تراجيديًا ساحرًا، وينخرط في خلق جملة سلوكية وانفعالية، لشخصية مركبة تعاني النبذ والاضطهاد.إذ يلعب في الفيلم المنتج عام 1993 شخصية آندرو باكيت، المحامي الطموح "مثلي الجنس" والذي يكتشف إنه مصاب بالإيدز، ولا بد من الإشارة أن فيلم فيلادلفيا هو من الإنتاجات القليلة التي تناولت موضوع الإيدز بشكل جوهري ومباشر، على الرغم من المخاطر التسويقية التي ينطوي عليها الاشتغال على هذا الموضوع، بسبب الحساسية الاجتماعية المفرطة آنذاك من تناول هذا الموضوع بشكل قوي ومباشر، واشتباكه دراميًا مع موضوعة المثلية الجنسية، لكن أداء توم هانكس رفيع المستوى وشراكته الفنية المثمرة مع الممثل الأمريكي الكبير دينزل واشنطن، منحت الفيلم فرصة كبيرة في أن يكون واحدًا من أكثر الأفلام الدرامية قوة، لناحية الموضوع والنقاش العام الذي أثاره بعد عرضه.

يناضل آندرو باكيت، المطرود من شركة المحاماة التي يعمل لصالحها بسبب اكتشاف إصابته بالإيدز، من أجل تحصيل حقه، ويخوض معركة قضائية بمساعدة جو ميلر (دينزل واشنطن) المتدين ذي السمات المحافظة، يرفض في البداية، لكنه ما يلبث أن يعود ويتولى القضية، هذه القضية التي تحدث في داخله تحولات كبيرة، وتضعه أمام مواجهات فلسفية عميقة، حول الذات والآخر، التنميط والتقبل.

نال الفيلم ثلاث جوائز أوسكار، أفضل سيناريو أصلي، أفضل مكياج، وبالطبع أوسكار أفضل ممثل التي ذهبت هانكس.


2- فورست غامب

يعد هذا الفيلم واحدًا من أروع أداءاته التمثيلية على الإطلاق، إذ يقدم فيه أداءً مربكًا للمشاهد حول المعايير التي تقاس بها القدرات الذهنية، وأن لكل فرد منا فهمه الخاص لهذا العالم، وبالطريقة التي يفهم كل واحد منا هذا العالم، يصبح ممكنًا، ومن خلال فهم فروست غامب للعالم ببساطة وبراءة، صار العالم كله في الفيلم بريئًا وبسيطًا وممكنًا، هذه الملحمة الرومنسية السياسية التي جعلت من فورست صلة وصل بين العديد من الأحداث السياسية الكبرى، والتي غيّرت وجه العالم، مثل حرب فيتنام وفضيحة ووتر غيت، بالإضافة لثورة "الهبيز" منحت الفيلم فرصة لقراءتها وفق تصور فورست غامب وبعينيه.

يدعونا الفيلم في كل مشهد كي ننظر إلى الحياة ببراءة ومحبة، وإلى ترك المعايير القاسية التي تحدد مستوى القدرات الذهنية لفهم العالم، لأن ذلك لايحتاج إلى ذكاء من مستوى معين، بل يحتاج قلبًا كبيرًا مثل قلب فورست، الذي منحته الحياة كل شيء، لأنه لم يحاول فهمها، بل حاول أن يعيشها ويحبها.

نال الفيلم 6 جوائز أوسكار، منها أفضل ممثل لهانكس، وكانت من المرات النادرة التي يحصل فيها ممثل على الجائزة في سنتين على التوالي، كما حصد الفيلم جائزة أفضل، وأفضل سيناريو مقتبس، أفضل مخرج، أفضل مؤثرات بصرية وأفضل مونتاج.


3- كاست أوي

بعد عرض هذا الفيلم، صارت الجملة التعريفية لقدرات وموهبته هي "الممثل الذي جعلنا نبكي من أجل كرة".

انفرد في هذا الفيلم، بأداء مونودرامي آخاذ استطاع فيه أن يجسد الاضطراب والعالم النفسي لشخصية تصارع من أجل البقاء.

يتحدث الفيلم عن تشاك نولان، موظف شركة البريد الذي تسقط طائرته التجارية في المحيط، ويجد نفسه معزولًا في جزيرة مهجورة، فيصارع للبقاء على قيد الحياة، ويعيد اختبار طرق الإنسان في اكتشاف العالم حوله، كما يختبر قسوة الحياة البدائية بنفسه، وهذا سوف يُعلّمه الكثير عن حياته السابقة.

يحاول الانتحار أكثر من مرة، ونعرف ذلك من حديثه مع كرة الطائرة "ويسلون" التي اخترعها وبث فيها حياةً فبدت الكرة وكأنها حية، يقضي أربع سنوات في الجزيرة، قبل أن يقرر صناعة طوف ليحاول العودة فيه إلى الوطن، وفي واحد من أروع مشاهد الفيلم، يفقد تشاك نولان صديقه في البحر فيعود ويسبح لإنقاذه صارخًا باسمه، وما صديقه ذاك إلا كرة مثقوبة من الكاوتشوك، تنجح خطة نولان في عبور التيار وتنقذه سفينة تجارية ويعود إلى الوطن، لكن غيابه في تلك السنوات الأربع، جعلته يفقد حياته السابقة.

الفيلم أنتج عام 2000 ونال فيه نجمنا ترشيحًا للأوسكار عن فئة أفضل ممثل.


4- إنقاذ الجندي ريان

في رائعة المخرج ستيفن سبيلبرغ، قدم شخصية الملازم ميلر، خلال عملية إنزال النورماندي في الحرب العالمية الثانية.

تدور قصة الفيلم الذي يعد واحدًا من أعظم الإنتاجات السينمائية لأفلام الحروب، من ناحية تقنيات التصوير، والسمة شديدة الواقعية لتفاصيل المعارك، حول فرقة يقودها ملازم يحظى بحب واحترام وولاء جنوده، يتلقى رسالة من مكتب الرثاء، بأن هناك ثلاث أشقاء من عائلة ريان قتلوا في معارك متقاربة، بينما الأخ الرابع مفقود، وتقتضي مهمة الفرقة البحث عن الجندي لإعادته إلى الوطن، كي لا تفقد الأم جميع أبنائها في الحرب، تخوض الفرقة عملية بحث مضنية ومحفوفة بالموت والمخاطرة، لإيجاد الجندي. تنجح الفرقة أخيرًا في العثور على الجندي ريان، لكنه يرفض العودة ويصر على البقاء في مجموعته المقاتلة، ومع إصراره تضطر فرقة الملازم ميلر البقاء مع مجموعة ريان والقتال معهم لحماية جسر استراتيجي، فتقتل معظم المجموعة ومعظم الفرقة بما فيهم الملازم ميلر.

أنتج الفيلم عام 1998 وحصد خمس جوائز أوسكار، من بينها جائزة أفضل مخرج، وأفضل تصوير سينمائي.


5- أمسك بي إن استطعت

يعد هذا الفيلم التعاون الثاني بين سبيلبيرغ وتوم هانكس، وهو سيرة ذاتية مبني على أحداث حقيقة عن شخصية المحتال فرانك أباغنيل، الذي اشتهر في ستينيات القرن العشرين كواحد من أكثر المحتالين والمنتحلين الفارين من وجه العدالة.

يعد الفيلم تجربة كوميدية استثنائية في مسيرة المخرج سبيلبيرغ، تدور أحداثه حول الشاب اباغنيل الذي يقوم يتزوير شيكات وانتحال شخصيات نافذة، وأحيانًا مهن كطبيب ومحامٍ ومدرس، وبعد أن يتكاثر ضحايا الاحتيال، يلفت نشاطه نظر مكتب التحقيقات الفيدرالي ويتولى كارل هانراتي التحقيق والإمساك بالمحتال، وتبدأ سلسلة مشوقة وطريفة من المطاردة بين المحقق والمحتال، يفشل فيها المحقق في أكثر من مرة من الإيقاع به، ودائمًا ما يكون الاثنان قريبين من بعضهما البعض، ولا تفصلهما سوى خطوات قليلة.

قام بلعب شخصية فرانك أباغنيل ليوناردو ديكابريو. الفيلم نال إشادات واسعة من جمعية نقاد السينما، ومن نقاد عديدين، ونال الفيلم ترشيحين لجائزة الأوسكار، فضلًا عن عدد كبير من الترشيحات أو الجوائز خارج سياق الأكاديمية.