13-أكتوبر-2017

يطغى طابع بدوي وتقليدي على جزء من المجتمع الموريتاني إلى حد الآن (ليونال بونافتور/أ.ف.ب)

على عكس دول المغرب العربي الأخرى، لم تحظ موريتانيا سوى بقليل من لمسات التحديث خلال فترة الاستعمار، حيث لا تزال إلى اليوم تهيمن البداوة والنظم التقليدية على الحياة الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع الموريتاني، رغم كل مظاهر التحديث والعولمة المكتسحة اليوم لجل أرجاء المعمورة.

لا تزال المحظرة راسخة في تعليم المجتمع الموريتاني، وهي شبه مدارس تقليدية نبعت من الزوايا الصوفية، تعتمد على تحفيظ الصغار القرآن

العبودية.. لم تنقرض بعد في موريتانيا

تعرف موريتانيا كواحدة من البلدان القلائل في العالم، التي لا تزال تحتضن إلى اليوم ظاهرة العبودية القديمة، وتقول في هذا الصدد منظمة "وولك فري"، في تقرير لها يقيس مؤشرات العبودية حول العالم، "على الأقل ثمة %4 من سكان موريتانيا يرزحون تحت العبودية التقليدية، ومن %10 إلى %20 من الشعب الموريتاني معرضون للعبودية، أي حوالي 140 ألف موريتاني، في حين تذهب تقارير أخرى إلى أن عدد العبيد في موريتانيا يفوق ذلك.

ويورد تقرير الإدارة الأمريكية لسنة 2016 بشأن موريتانيا أن خبراء محليين ودوليين متفقون على أن العبودية الموروثة لا تزال متجذرة في الأرياف والمدن في هذه البلاد، موضحًا "منذ أجيال تعاقبت وعائلات الأسياد تستغل ضحايا العبودية الموروثة للعمل في رعي البقر والخدمة المنزلية دون أجر".

اقرأ/ي أيضًا: في الذكرى 171: كيف ولماذا ألغيت العبوديّة في تونس؟

المحظرة.. مدرسة تقليدية مستمرة

في الوقت الذي تنتشر فيه المدارس الحديثة في كل بقاع العالم، لا تزال "المحظرة" راسخة في تعليم المجتمع الموريتاني، وهي شبه مدارس تقليدية نبعت من الزوايا الصوفية، تعتمد على تحفيظ الصغار والشباب سور القرآن، مع تلقينهم أحيانًا بعض الدروس الدينية والأشعار والمتون، ويتكفل بهذه المهمة فقيه حافظ للقرآن يحظى بكثير من الإجلال والاحترام.

تبدأ الحصة الصباحية للمحظرة قبل طلوع الفجر، ثم حصة أخرى بعد الظهر وثالثة مع المغرب، يقوم فيها الطلاب بحفظ ألواحهم الخشبية المكتوبة بالصمغ الأسود، واستعراض محفوظاتهم أمام شيخ المحظرة.

وجاءت هذه المؤسسة البدائية للتعليم لتلبي حاجة القبائل المرتحلة ذات الثقافة الدينية، حيث تعد المحظرة مدرسة دينية تقليدية متنقلة، لا تحتاج إلى بنايات أو معدات حديثة، فقط بوسائل بسيطة تقوم بمهمة التدريس.

اقرأ/ي أيضًا: المحاظر الموريتانية في مرمى الإرهاب

التسمين.. الجمال للبدينات

لا يزال الرجال الموريتانيون يفضلون النساء الممتلئات، حيث تعتبر البدانة في موريتانيا علامة على الجمال

خلافاً لثقافة الجمال الحديثة، المرتبطة بالنحافة والرشاقة، لا يزال الرجال الموريتانيون يفضلون النساء الممتلئات، حيث تعتبر البدانة في موريتانيا علامة على الجمال، ما يدفع بأمهات الفتيات للجوء إلى عملية "التسمين القسري" لبناتهن خشية عليهن من تأخر زواجهن، من خلال برنامج غذائي يسمونه "لبلوح"، يقوم على نقل الفتيات إلى أماكن البدو خلال موسم تهاطل الأمطار، وإجبارهن تحت الإكراه البدني والنفسي على الإكثار من شرب ألبان الإبل والأبقار بكميات كبيرة إضافة لتناول أطعمة أخرى مشبعة بالطاقة والدهون.

وأفادت دراسة للوزارة الموريتانية المكلفة بشؤون المرأة، أن المتشبثات بظاهرة تسمين النساء لا يزلن يشكلن نسبة معتبرة بين نساء المجتمع الموريتاني، إذ أن %62 من النساء خضعن للتسمين قبل بلوغهن سن العاشرة، الظاهرة التي تنتقدها بعض الناشطات الجمعويات هناك بوصفها انتهاكًا لجسد المرأة.

اقرأ/ي أيضًا: البدانة.. جمال في العيون الموريتانية

الشاي.. مشروب الهوية الموريتانية

الشاي في موريتانيا أكثر من مشروب، إنه ثقافة أصيلة تدخل في صلب الهوية الموريتانية، حيث يكن له الناس هناك شغفًا استثنائيًا، بل إن الدبلوماسية الموريتانية تكرم وفود الأجانب والسفارات بكؤوس الشاي المنغمة، كتقليد راسخ في الضيافة الموريتانية.

وتكاد لا تخلو مجالس أبناء شنقيط من صينية الشاي، التي تجعل من الجلسة تجربة عتيقة تطيب النفوس فيها ويحلو الحديث على رشفات الكؤوس، وقد أظهرت دراسة أعدها الباحث عبدو سيدي محمد عن الشاي في موريتانيا أن %99 من المستطلعين صرحوا بمداومتهم على شرب الشاي، %64.4 من المستجوبين يتناولون الشاي أكثر من ثلاث مرات يوميًا، بينما %27 يتناولونه مرتين في اليوم، و8.4% يتناولونه مرة واحدة فقط في اليوم الواحد.

ومن شدة اهتمام الموريتانيين بالشاي، أصبح إعداد هذا المشروب حرفة بديعة لها آدابها وقواعدها وأصولها، ينبغي لمعد الشاي، أو كما يسمونه "القيّام"، أن يدركها ويجتهد في إتقانها، ليطيب الحديث في المجلس.

اقرأ/ي أيضًا: باعة الشاي في الجزائر.. أباريق مهاجرة

القبيلة.. محور الحياة الاجتماعية والسياسية

لا تزال القبيلة محور المجتمع الموريتاني، إذ لها حضور قوي وتتمتع بنفوذ واسع

لا تزال القبيلة محور المجتمع الموريتاني، إذ لها حضور قوي وتتمتع بنفوذ واسع، يجعل النظام السياسي ذاته يراعي التوازنات القبلية في تشكيلاته المؤسساتية، لتصبح التحالفات القبلية والمحاصصة الفئوية أساس توزع المناصب والسلط، مما ينتج تراتبية ومحسوبية قائمة على الانتماء القبلي، وهكذا باتت القبيلة في موريتانيا تعتلي مراكز صنع القرار وتفرض أجندتها وتوازناتها على حساب الدولة الحديثة.

هذه البنية التقليدية التي كانت تسود كل دول إفريقيا قبل الاستعمار، لا تزال تحكم عقلية الإنسان الموريتاني، الذي ظل حبيسًا لنظمها وقيمها الثقافية والفولكلورية، وأضحى الفرد يربط مستقبله المهني بالأصل القبلي الذي ينتمي له.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الخيمة تزاحم المباني في موريتانيا

موريتانيا.. الاعتداءات الجنسية في ارتفاع