15-يناير-2016

آخر ابتكارات كاميرا 360 درجة (Getty)

تحرك جهازك اللوحي، أو فأرة حاسوبك المكتبي، وتشاهد أبعاد المكان وكل زواياه، أمامك السماء والأرض وكل العناصر، كلها أمامك ومن الزاوية التي تريدها. هذا ما تتيحه لك تقنيات التصوير الحديثة التي غزت عالم الصورة في يومنا هذا، كأن ينقلك فيديو مصور بتقنية الواقع الافتراضي، أو تقنية 360 درجة، فتذهب أنت إلى هناك، إلى إحدى البلدات السورية التي سيكون بإمكانك مشاهدتها على يوتيوب في فيديو لدقائق يجعلك شاهدًا على دمار المكان، تتنقل بين الشوارع والأحياء.

تتيح لنا تقنية 360 درجة متعة مشاهدة الواقع قريبًا ومختزلًا، ومشاركة الآخرين نشاطاتهم 

وأيضًا يمكنك أن تطير في مكان آخر بالباراشوت مع مجموعة من هواة القفز المظلي، وتشهد السقوط الحر على الأرض، أو أن نركب الأمواج سويًا ونحن في بيوتنا، وهم في البحر ضمن توثيق لمغامرة لم نعشها من قبل. تقنيات المغامرات هذه تسمح لك بالالتفاف أثناء الجلوس أمام جهازك وهذه المشاهدة ستكون من النشاطات التي يمكنك القيام بها متى تشاء، ولكن السؤال الأجدى بالطرح اليوم أين الحساسية الخاصة في كل هذا؟ مامدى تأثير هذه التقنية على حساسية تلقي الصورة؟ 

تقنيات التصوير الحديثة التي لاقت استحسان الكثير من منتجي الأفلام ومصممي مقاطع الفيديو الترويجية، حتى بدؤوا بالفعل في إنتاج وتحميل مقاطع على المواقع التي تتيح مشاهدة تلك الفيديوهات، كيوتيوب التي تفردت عن غيرها من الشركات المنافسة في عرض هذا النوع من الفيديوهات، حيث إن يوتيوب تعتمد العرض لهذه الخاصية باستخدام تقنية الجيروسكوب، وهي خاصية المداورة أو جهاز حفظ التوازن والدوران حول نقطة ثابتة. فعندما يعرض مقطعًا بـ 360 درجة على يوتيوب، يمكّنك من الالتفات الى جميع الجهات، مع تغيُّر المشهد بناء على زاوية التفاتك، حيث تمكنك هذه الخاصية أيضًا من استخدام إصبعك للتوجيه دون الحاجة للدوران.

إذًا هي متعة مشاهدة الواقع قريبًا ومختزلًا، أو متعة مشاركة الآخرين نشاطاتهم حتى لو عبر تقنية تصوير. ما يجعلنا نتساءل، نحن محبي كرة القدم، ماذا لو لجأت على سبيل المثال شركات الإنتاج التلفزيوني المتخصصة بنقل مباريات كرة القدم مستقبلًا إلى البث بتقنية 360 درجة، هل يمكنك أن تتخيل أن الملعب بكامل محيطه تحت تصرفك، حيث بإمكانك مثلًا أن تغير زاوية الرؤية لترى المذيع الفلاني، على المدرج الخاص بالإعلاميين، بينما تسير أحداث المباراة بمعزل عن رغبتك بالمشاهدة؟ أو أن ترغب بمشاهدة ماذا يفعل مدرب الفريق الذي تشجعه والكادر الاحتياطي عند تسجيل فريقهم هدف أو العكس؟ أي أنك لن تنتظر بعد الآن مخرج المباراة ليختار لك ما يجب أن تشاهده من الملعب، ولك أن تتخيل جدلًا بعدها حال البث التلفزيوني لباقي الرياضات التي تحظى بجماهيرية واسعة وتبث ليشاهدها الملايين حول العالم!

لا أجوبة تحكم ولا استقراءات ممكنة، فمنا من قد يستمتع بذلك ومنا من لم يعرف بها بعد. ولكن مما لا ريب فيه أن تقنيات التصوير بدأت تذهب لمكان بعيد جدًا عن مهمة حمل كاميرا وتثبيتها واستغراق وقت طويل لتحديد زاوية جيدة، أو حتى محاولة إنتاج مشاهد بسيطة أو تصوير فيلم طويل، ولاستكشاف تأثير هذه العطايا التقنية، علينا ترك المجال للخيال بأن يسرح في أرشيف السينما والفيديوهات. ماذا لو أصبحت السينما العالمية واقع افتراضي متعدد الزوايا؟

كيف يمكن أن نرى فيلم "بيرسونا"، تحفة بيرغمان السينمائية، ونحن نشاهد غرفة المشفى بزاوية 360 درجة؟ 

لو أُتيح للمخرج السويدي انغمار بيرغمان (1917- 2007) أن يصور بتقنية 360 درجة؟ هل كان سيفعل؟ كيف يمكن أن نرى فيلم بيرسونا، تحفته السينمائية، ونحن نشاهد غرفة المشفى بزاوية 360 درجة؟ ومنزل البحر كذلك؟ كيف سنتأثر بعيون بيبي أندرسون التائهة في صمت ليف أولم المستفز؟ أين سيضيع التفاعل بين استدارة وجه المريضة والممرضة؟ أو مثلًا هل يقبل المخرج الروسي أندريه تاركوفسكي (1932- 1986) أن تُنقل أفلامه عبر تقنية الواقع الافتراضي، لنكون مع بطلته في فيلم "المرآة" أمام منزلها تستدير إلى المرج وتتحدث مع الغريب عن الطريق والقادمون منه؟ هذا المشهد الذي لا ينتهي تحليله، لنكون في المرج نتنقل فيه ونذهب بعيدًا نرى الوجه، أو ربما لا، فنفضل أن نرى البيت ونتركهما يكملان.

ربما يبقى هذا افتراضًا يمكن البحث فيه والإجابة عنه، ويمكن أن يكونًا شطحًا فرديًا أو التفافة غيورة على خصوصية السينما الجديّة أمام التطور المهول الذي وصلت إليه تقنيات التصوير والكاميرات الحديثة، ولكن في خضم الفوضى الصوريّة اليوم، ووصول كل هذه المنتجات من الصور والفيديوهات إلينا بتقنيات مختلفة، سيضيع لا محالة استمرار تأثير خصوصية سينمائية تأتي ورائها حساسية عين مفكر ومستلهم، أو أن تفقد العلاقة مع مشاهدة مباراة كرة قدم تلك الخصوصية مع المستطيل الأخضر لمجرد رغبة أخر بالتطوير المغامراتي. لربما سيُهلك هذا التطور مخيلة المتلقي ويرهقها أمام الزخم المتدفق من فضاء التكنولوجيا، أو ربما العكس.

اقرأ/ي أيضَا:

أفضل 11 فيلمًا لمارتن سكورسيزي على الإطلاق

إبراهيم جوابرة.. تلوين السعادة العائلية