20-ديسمبر-2015

إبراهيم جوابرة

في معرضه "مكان آخر" الذي أقيم مؤخرًا في "غاليري وادي فنان" في عمان، يقدمّ الفنان الفلسطيني إبراهيم جوابرة أعمالًا فنية لا يمكن وصفها، للوهلة الأولى، إلا بالزخرفة اللونية، لفرط الكرم اللونيّ الذي تجود به الأعمال. لكن جمعها في فسيفسائية، يجعلها تبدو سلسة متينة من المعرفة البصرية، وما بدا بذخًا لونيًا ما هو إلا معرفة بصرية، ومؤشر لقيمة مادية وحسية لا نشعر بقيمتها إلا وقت فقدانها، كما أنه انعكاس للأحلام التي تتشكل على هيئة صور ذهنية تتلاعب بمشاعرنا فرحًا أو حزنًا.

في لوحات إبراهيم جوابرة، إعادة تركيب حب العائلة تحتاج إلى كل هذا الاحتفاء اللوني

تُبنى أعمال جوابرة ضمن هندسة أكاديمية في صناعة الشكل، لكنه سريعًا ما يتحرر منها ويفتح شهيته للبعد الجمالي التعبيري، انطلاقًا من اللون مرورًا بموضوعه بإحساس طفولي عال، يذهب إلى التفاصيل اليومية والبسيطة وعلاقتها مع البيئة. لكن اللافت حقًا هو تعامل جوابرة مع أعماله بدرجة عالية من الذكاء اللوني الذي بات يغيب كثيرًا على حساب الموضوع عند فنانين آخرين، وهي ربما مبررات لا قيمة لها إن لم يحدث تكاملًا في العمل الفني مع اللون الذي يُعد قاعدة أساسية لنجاح العمل على سطح اللوحة 

تنفرد الألوان الربيعية على سطح لوحته متمركزة في عناصر ضئيلة، لكن غناها اللوني أعطاها ما يلزمها لتسجل نفسها بين التجارب الراسخة. التعامل مع اللون بهذه الطريقة يضع متلقيه في حيرة، أهي قادمة من خبرة طويلة الأمد، أم أنها عملية قوة الفطرة والسليقة؟

على مستوى الموضوع، تطرح علينا أعمال "مكان آخر" السؤال عن "نحن"؟ وعن علاقتنا مع ذكريات الطفولة البسيطة؟ وعلاقة ذلك كله بالأشياء المحيطة في المكان والبيئة؟ الأعمال التي يقدمها جوابرة هي دائرة لا منتهية، تُشع بالحركة والديمومة من خلال أطفاله الواقفين أمامنا والناظرين إلينا، مع ابتساماتهم الساذجة والكبيرة، يقفون في مكان كحارتهم ربما، أو على باب بيتهم، أو في الحديقة إذا توفرت، وكل أسلحتهم المقاومين بها لسطوة الحياة وقسوتها هي القطط والورد، والأيدي الممدودة للحب والعناق. هي مشاهد عائلية، تضج بالحميمية والدفء، لأسرة حقيقية أو متخيلة، تتكون من أب وأم وأبناء، هذه هي عناصرها التي يحركها هنا وهناك، ويلونها بكل هذا الدفء العادي.

إن إعادة تركيب حب العائلة بحاجة لكل هذا الاحتفاء اللوني، فرسم سعادة الإنسان في ظل عدم توفر شروط السلامة اليوم، وتفككها أمام هذه الماكينة التكنولوجية، يحتاج تعويضات لونية مضاعفة. إعادة الوعي إلى العائلة كموضوع فني، قد تسمح قليلًا لحمايتها من بعض شذوذ الزمن الذي يعمل على تآكلها يومًا بعد يوم، وهو سؤال بديهي نرى فيه عائلاتنا وأنفسنا مطلين على هذه الحظات المشرقة، حتى وإن كانت كصورة فقط.

اقرأ/ي أيضًا:

منذر جوابرة.. عودة إلى دفتر الانتفاضة

عدسات تبحث عن مدن لا مرئية