26-يناير-2018

نافورة عين الفوّارة في مدينة سطيف

جرت العادة لدى الزّملاء الإعلاميين أن يطرحوا أسئلة في نهاية السّنة تهدف إلى معرفة شخصية العام أو أهمّ إنجاز ثقافي خلاله. وقد أجبت بعضهم هذه المرّة بأنّ أهمّ شخصية جزائرية خلال عام 2017 من غير منازع، كما أرى طبعًا، هو الفتى السّلفي عبّاس بو مارطو أي أبو مطرقة.

تنبّأ ثلاثة فنّانين جزائريين بمصير تمثال "عين الفوّارة"، في سطيف،  من خلال إبداعاتهم

وقصدت به الشّابّ الذي أقدم مطلع شهر ديسمبر/ كانون الأوّل الماضي على اعتلاء منصّة تمثال المرأة العارية المعروفة بـ "عين الفوّارة" في مدينة سطيف، 300 كيلومتر إلى الشّرق من الجزائر العاصمة، وتحطيم أنفها وثدييها. وكان سيفعل أكثر من ذلك لولا تدخّل عناصر الشّرطة وإنقاذ منحوتة فنّية عمرها 120 عامًا، حتى أنّها انزاحت، في المخيال الشّعبي، قبل أن يُفخّخ بمقولات السّلفية الوهابية السّعودية، من كونها منحوتةً لامرأة عارية تمامًا، إلى قدّيسة تُزار وتُلتقط الصّور معها.

اقرأ/ي أيضًا: لأنّنا لا نستحق ألا تُغطّى التماثيل عن أعيننا

وكان منطلقي في اختيار عبّاس أبي مطرقة شخصية العام في الجزائر ثقافيًا صرفًا. فقد استطاع أن يثير جدلًا عنقوديًا في المجالس الجزائرية واقعيةً وافتراضيةً، بين الاستهجان والاستحسان. وهو ما لم يستطع فنّان من الفنّانين أو مثقف من المثقفين أو كاتب من الكتّاب أو إعلامي من الإعلاميين أو أكاديمي من الأكادميين أن يفعله. ونستثني ما أثاره الرّوائي رشيد بوجدرة، حين استغلّت قناة "النّهار" الخاصّة معطى إلحاده، في برنامج متخصّص في الكاميرا الخفيّة، وسبب الاستثناء، في نظري، هو كونه خان التّعاطف الذي حظي به بانتصاره للسّلطة، حيث قَصَرَ شكره على شقيق الرّئيس الذي حضر وقفة المساندة.

كما أنّ الفتى عبّاس الذي سُرّح بعد توقيفه بحجّة أنّه مختلّ عقليًا، استطاع أن يرسّخ مصطلح "بومارطو" أي أبو مطرقة، في القاموس الشّعبي الجزائري، ليصبح دالّا على الهدم لكلّ ما هو حرّ وجميل، حتى باتت الصّفة تطلق على كلّ شخص شبيه من طرف المستنيرين، وتطلق للتّخويف من طرف من ساندوه.

قبل الحادثة، تنبّأ ثلاثة فنّانين بمصير التّمثال من خلال إبداعاتهم. ولم يتمّ الانتباه إلى ما رسموه أو كتبوه في حينه، على عادة التنبؤات في الفضاء الجزائر، فمرّت مرور الكرام أو اللّئام أو العوام.

1. سعد بن خليف.. ارحل أيّها التّمثال

عام 2013 أطلق التّشكيلي والإعلامي سعد بن خليف لوحة لتمثال المرأة العارية، وقد تخلّت عن منصّتها التي وضعت عليها عام 1898، بعد أن وصلت من فرنسا، إلى وجهة مجهولة. فعلت ذلك ليلًا، بحسب ما يُستنتج من المشهد، الذي كان خاليا من البشر، في رغبة منها في الانعتاق.

يقول سعد بن خليف لـ"الترا صوت" إن الفكرة كانت ثمرة لملاحظته تراجعَ منسوب الانفتاح في الجزائر خلال السّنوات الأخيرة، "كبرت على زيارة المنحوتة رفقة أسرتي من غير أيّ حرج أو إشارة إلى عريها، وكذلك كان يفعل غيري. وأدهشني أنني بدأت أسمع يومها تعليقات تذهب إلى تحريم الأمر واعتباره خدشًا للحياء ومخالفًا لروح الدّين، فخفت على التّحفة الفنّية وقرّرت أن أنصحها بالمغادرة قبل تفجيرها أو تحطيمها أو تشويهها". يضيف: "أنا رسّام وأعتبر نفسي أولى النّاس بأن أنصح كائنًا فنّيًا".

بعد أربع سنوات، تحوّلت لوحة سعد بن خليف إلى أيقونة يتناقلها روّاد فيسبوك، ويعبّرون بها عن موقفهم ممّا اقترفه عبّاس أبو مطرقة.

2. محمّد علّاوة حاجّي.. من حقّك أن تخافي

في يوم 02 سبتمبر/ أيلول عام 2015 كتب القاصّ والرّوائي محمد علّاوة حاجّي في جريدة "العربي الجديد": "عاريةً كانت تقفُ في منتصف الشّارع، على بُعد خطواتٍ من المسجد العتيق. ودون أن يُشيحوا النظر عن انحناءاتها، كان الناس يمرّون أمامها، أو يقصدونها للارتواء من الماء المتدفّق تحت قدميها المرمريتين".

"لم يذهب عن الناس حياؤهم، لكن سكّان سطيف التي تُوصف بأنها مدينة "محافظة"، عرفوا كيف يتصالحون مع تلك القطعة الفنية، انطلاقًا من وعيهم بأنها قطعة فنيّة، ليس أكثر".

وختم صاحب كتاب "ستّ عيون في العتمة" مقاله: "هل رحل ذلك الزمن إلى غير رجعة؟ هل بإمكان الفاتنة أن تستمرّ واقفةً في أمان؟ كم هي مخيفةٌ تلك الصور القادمة من سورية والعراق، وكم هي مؤسفة تلك الأصوات التي يتعالى بعضها، دون حياء، عبر الشبكات الاجتماعية لإزالتها، بحجّة أنها "صنم" وأنها عارية".

محمّد علّاوة حاجّي: كنت أرى عبّاس أبا مطرقة يحوم حول المنحوتة في أعين الكثيرين، في الواقع وفي فيسبوك

كنت أرى عبّاس أبا مطرقة، يقول محمّد علّاوة حاجّي لـ"الترا صوت"، يحوم حول المنحوتة في أعين الكثيرين، في الواقع وفي فيسبوك. وانتابني الخوف عليها. في الحقيقة كان على السّلطات أن تتوقّع ذلك، فلديها من الآليات ما يسمح لها باستقراء الوضع، وتبادر إلى حماية المنحوتة بالوسائل اللازمة.

3. عادل صيّاد.. سيحطّمك تمثال أحمق

أقدم الشّاعر عادل صيّاد على إحراق شعره ودفنه عام 2010، في موقف وجودي أراد القول من خلاله إن العالم بات رديئًا إلى درجة أنّه من الإهانة للشّعر أن نكتبه فيه. وهذا ما تضمّنه ديوانه "لست بخير". غير أنّه ظل يكتب في الخفاء استجابة لـ"دودة الشّعر الخفيّة" كما أخبرني بذلك ذات سهرة في مدينة بجاية.

اقرأ/ي أيضًا: مطرقة التطرّف تطال تمثال المرأة العارية في الجزائر

في عام 2016، اختلس الشّاعر بوزيد حرز الله ما كتبه صديقه عادل صياد في خلواته، وجمعه في ديوان صدر عن دار "العين" المصرية تحت عنوان "ميّت على قيد فيسبوك". وممّا ورد فيه نص يقول: "شعرَ التّمثالُ الأحمق (يقصد شخصًا متطرّفًا" أنّ البنت المهجورة في "عين الفوّارة" من غير حجاب ولباس شرعي..، فاستسلم للواجب/ قرّر أنّ التّمثال لا يقتله إلا التّمثال، فهوى بالسّاطور على المرأة".

في النصّ المنشور قبل سنتين من الحادثة، تصوير لها كما حدثت فعلًا، "ذلك أنني أنتمي إلى جيل كان يرى في تمثال عين الفوّارة وفي تسامح الجزائريين مع عريه إشارة على روح فنية وحضارية ناضلنا من أجل البناء عليها لتكريس قيم الفنّ والحوار والإيمان بالتعدّد والاختلاف. غير أن ذلك لم يحدث"، يقول عادل صيّاد لـ"الترا صوت". يختم: "لطالما مارست الشّعر على أنّه رؤية/ رؤيا وليس شطحة لغوية".

حدثت تنبؤات في كثير من الأعمال الإبداعية الجزائرية، خاصّة في مجال الرّواية، غير أنّها تعلّقت بتحوّلات ومصائر تخصّ المكان والإنسان في الجزائر والعالم، بما جعل الانتباه إليها طفيفا بعد وقوعها، عكس ما ذهب إليه بن خليف وحاجّي وصيّاد، إذ تعلّقت تنبؤاتهم بحادثة معيّنة شكّلت نقاشًا عامًّا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مارلين مونرو المصرية.. عاهرة في الأوبرا!

لنهدم تماثيلنا بأيدينا