14-يناير-2016

(ارمند نيماني/أ.ف.ب/Getty)

في الكامب جدرانٌ كثيرة، لكلٍ منها ميزةٌ خاصّة. في داخل السياج المحاوط للكامب وبين جدرانه يعيش السوريون حالةً ليست بالغريبة عليهم لطالما عاشوها في بلادهم، قبل الحرب وخلالها، للأسف هذه الحالة تزيد من طين غربتهم ولجوئهم بلّة، ألا وهي العيش في حالة انتظارٍ دائمة.

في الكامب الهولندي يوجد رجل غريب الأطوار ينصح اللاجئين دائمًا بدراسة الهندسة النفطية!

لطالما كان السوري يتنقّل بين انتظار التسريح من الجيش إلى انتظار التخرج من الجامعة أو العكس حيث الثانية تسبق الأولى في بعض الأحيان، من بعدها يبدأ بانتظار فرصة عمل ومن ثم زودة بالراتب لكي يتمكن من بدأ انتظار انتهاء بناء بيته أو تسديد أقساطه، حتى يؤسس أسرة يراها تكبر وتنتظر سير خطى الحياة. 

الآن اللاجئون في الكامب يعيشون الحالة نفسها من الانتظار ولكن يختلف المُنتظر، فما ينتظرونه الآن على الدوام هو الخطوة القادمة من عملية اللجوء، بين البصمة والفحوص الطبيّة واتمام أوراقٍ رسمية ولقاء المحامي ومقابلات أولى وثانية وثالثة. 

في الكامب يوجد رجل غريب الأطوار بعض الشيء يعتقده البعض مجنونًا، يتحدث بلهجة قريبة من العراقية، يكلّم اللاجئين الأفغان بلغتهم الفارسية، والأكراد بالكردية، ويحدّث موظفي الكامب بالانجليزية. دائمًا ما تكون قصصه التي يرويها متعلّقة بحرب الخليج واجتياح العراق والحرب الدائرة في سوريا اليوم، ويقوم بإهداء الشباب نصيحة بأن يدرسوا هندسة النفط في الجامعة لأنها ستعلمهم التعامل مع كافة أمور الحياة حسب قوله. يلقبه شباب غرفته بالخال، الاسم المحبّب لدى غالبية السوريين.

حائط الفرج، هو حائط قريب من بوابة الكامب، يعلّق عليه لوائح بأرقام وأسماء اللاجئين الذين وصلهم بريد لإتمام إحدى خطوات اللجوء في الطريق إلى الاقامة

يشير الخال باصبعه قائلًا: هذا حائط المبكى وذاك حائط الفرج، تبيّن لنا فورًا ما قصده بحائط الفرج، فبادرت بالسؤال عن حائط المبكى، فأجاب: "لمّا تدرسوا هندسة نفط رح تفتهمون" ، ومشى مبتعدًا عنّا. فهمت ما كان مقصده بحائط المبكى عندما نظرت باتجاهه. بالقرب من هذا الحائط يتمكّن اللاجئون من الاتصال بشبكة انترنت، يتمكنون من خلالها بالاتصال بأهاليهم وأقاربهم وأصدقائهم في سوريا وشتّى بقاع الأرض، بالاضافة إلى متابعة أخبار بلادهم. طوال الوقت يقف عدة أشخاص أمام هذا الحائط حانين رؤوسهم باتجاه الحائط لكي لا تتبلّل هواتفهم بقطرات المطر الذي لا يتوقف، وهذا المشهد هو سبب التسمية التي أطلقها الخال على هذا الحائط، بالنسبة لحائط الفرج، فهو حائط قريب من بوابة الكامب، يعلّق عليه لوائح بأرقام وأسماء اللاجئين الذين وصلهم بريد لإتمام إحدى خطوات اللجوء في الطريق إلى الاقامة. 

يعيش أهل المخيّم الهولندي روتينًا يوميًا داخل سياج الكامب وبين جدرانه، يمضون يومهم بين الأكل في مركز توزيع الطعام الذي يسمونه مطعمًا، والتدخين ولعب ورق الشدّة والمجادلات السياسية والدينية العقيمة، لينهوا يومهم بالبحث عن أرقامهم وأسمائهم بين لوائح حائط الفرج، ليذهبوا من بعدها إلى حائط المبكى ربما كان لديهم  أخبار سارّة من حائط الفرج لإرسالها لذويهم، أو خيبة أمل تعيدهم للنوم بين أربعة جدران صامتة. سأتوقف عن الكتابة الآن، لأنه علي التحقق من حائط الفرج ربما أجد رقمي وأبدأ انتظار الخطوة التالية، من بعدها سأذهب لأرسل ما كتبت عبر حائط المبكى لنشره.

إقرأ/ي أيضًا:
الكامب ليس مخيمًا.. هولندا ليست اليرموك!
من باب الحديد إلى.. كوخ صغير بهولندا