26-يوليو-2015

رسم على ورق لـ(هبلدا حياري/ الأردن)

خوف

هل كنت خائفاً منه إلى هذا الحد؟ بالطبع. 
لقد ركضتُ.. ركضتُ أعواماً وأعواماً، ومن رعبي لم أشأ الالتفات إلى الخلف، قلت: ربما هو على مقربة مني، مما سيفاقم شعوري بالخوف.
ثم وصلت إلى نقطة البداية الأولى التي انطلقت منها قبل أعوام، لأجده قادماً صوبي من بعيد يركض.. بدا كهلاً مرعوباً مثيراً للشفقة.. وكان عليّ أن أكتشف أنه كان يركض بعكس اتجاهي لأنه كان خائفاً مني. وبالطبع لم يلتفت للخلف، لظنه أني على مقربة منه مما سيفاقم شعوره بالخوف.

من أين يتسرب كل هذا الحزن؟

 

شغف

"يا له من يوم!" 
تقول المرأة وهي تفرك جسدها الغض بالصابون وشعور جارف بالأسى ينتابها: "بإمكاني إنهاء الأمر وحالاً سأطرده". 
تتفقد شاماتها الثلاث وتقول لنفسها: "هذا الجسد كاملاً لي" وتبتسم. 

"من أين يتسرب كل هذا الحزن؟!" 
يسأل الرجل نفسه وهو يهم بغسل وجهه من أثر صابون الحلاقة. 

"سأتركها حالاً"، يمرر يده على ذقنه الناعمة وعلى شعر الصدر ويقول بانتشاء: "هذا جسدي كاملاً لي".

مطر يهمي على المدينة ويغسل الأرصفة والشوارع وخطى العابرين، فيثير مخاوف الزوار من أن تنساهم المدينة.. ويطرق بخبث نافذة المرأة التي تهذي منذ الصباح: "سيأتي وسأطرده..سيأتي وسأطرده"، ثم تحسم الأمر: "سأذهب إلى هناك وأخبره ألا يأتي!".  بعد دقائق معدودة تغلق المرأة بيتها وتخرج راكضة تحت المطر الذي اختلطت حبات منه بدموعها، الأمر الذي منحها فرصة البكاء في الطريق إليه دونما حرج.

 

اقتراح

بعد مشاحنات ومناكفات طويلة، اقترحنا على المتخاصمَين التحلّي بأخلاق رعاة البقر. اقترحنا عليهما أن يسيرا باتجاهين متعاكسين على خطّ نرسمه نحن، بحيث يقبض كل واحد منهما على مسدسه ليطلق النار عند آخر الخط. 

لم نأخذ في الحسبان أن ثمة قناصاً على أحد السطوح، أرداهما قتيلين بخفة ومهارة!

 

غياب

نجلس أربعتنا على أحد أرصفة القرية، نتبادل نكاتاً بذيئة وكلاماً فارغ المضمون لا طائل منه، ثم نضحك بكل ما أوتينا من خسارة. ويحدث أن يشتدّ الليل وتصبح العتمة حالكة أكثر مما ينبغي، فينتبه أحدنا إلى قطة بلا رأس تتمشى بالقرب منا، يشير إليها بسبّابته ويقول: انظروا! 
ويحدث أن ينفجر صوت فيروز آتيا من مكان بعيد، تغنّي: "راحوا".. فيسأل ذات الصديق الذي رأى القطة قبلنا: أين شاهدنا هذا من قبل؟! 
ويحدث أن ينهض خالد عن الرصيف ويقول بلهجة صارمة لم نعتدها منه: هذا يكفي.. وينصرف إلى المقبرة .. بلا وداع.

دوران

عندما تدربت في مركز الأمراض النفسية كان هنالك مجموعة من النزلاء يدورون في ساحة المركز الكبيرة بصورة متواصلة دوراناً لا علاقة له بالتصوّف على أية حال. دوران يومي لا نهائي ويبعث على الملل. وفي اليوم الأول كان علي أن ألاحق مريضي لأجري معه حواراً أفرغه في دفتري، وكنت أدور جنباً إلى جنب معه وأسأله سؤالاً واحداً كل يوم، وأكرره مرات ومرات حتى يجيب وكان عليّ التحلي بالصبر لأنجز عملي.

لا أعرف كم مضى من الوقت على تلك الحادثة، لقد نسيت اسم مريضي ونسيت ملامحه، فأعداد الناس الذين يدورون في الساحة أخذت تزداد بشكل ملحوظ. لكن ما أعرفه حقا أنني بدأت أستمتع في الدوران.. ننام باكراً وقد هدّنا التعب لنصحو قبل شروق الشمس ونمضي على عجل إلى ساحة المركز الكبيرة!