18-أبريل-2017

برنامج وين ما كنتو تكونو (يوتيوب)

منذ أن بدأ اللجوء السوري يغزو البلدان المجاورة، وعواصم الشتات الأوروبي، عمل مجموعة من السوريين على إنتاج برامج مصورة، سمحت بتداولها كثافة المنصات الإلكترونية، ووجود مواقع التواصل الاجتماعي، أهمها "يوتيوب"، لتطرح جوانب مختلفة من الحياة الاجتماعية ضمن بلدان تختلف فيها العادات والتقاليد، والحياة الاقتصادية المرتفعة التكاليف قياسًا بما كانت عليه في سوريا.

يحافظ عبد المعين عبد المجيد على حضوره في الذاكرة الشعبية السورية، لكنه لم يطور فكرة برنامجه الجديد لتتناسب مع الحاضر

حاولت معظم البرامج المصورة أو الإذاعية أن تكون قريبة من المتلقي السوري في تقديمها لما يناسب الذائقة الشعبية المعتاد عليها سابقًا، ومن المعروف أن نسبة كبيرة من هذه البرامج لم يكتب لها النجاح فحلت مكانها أخرى جديدة، ومنها نسبة ضئيلة استمرت لأنها حافظت على جمهورها المحدود، وهناك برامج أطلقت مطلع العام الجاري لا نعرف المصير الذي ينتظرها مستقبلًا.

اقرأ/ي أيضًا: تأكد.. أول منصة سورية لتصحيح الأخبار المغلوطة

موقع "عنب بلدي أونلاين" بدأ في الثاني من شباط/ فبراير الفائت عرض برنامج اجتماعي عبر موقعه الرسمي للإعلامي السوري، عبد المعين عبد المجيد، بعنوان "وين ما كنتو تكونو"، مستهدفًا اللاجئين السوريين المقيمين في مدينة إسطنبول التركية، يلتقي من خلاله مع شرائحهم المختلفة، مستهدفًا أماكن تواجدهم في المقاهي أو المحال التجارية ليتحدث معهم عن حياتهم، وظروف عملهم في بلاد الأناضول.

وعبد المعين عبد المجيد ليس إعلاميًا غريبًا على السوريين، فعندما تسأل أي سوري عن الرجل يبادرك بالقول: "التلفزيون والناس"، اسم برنامج من إعداده كان يبث على القناة السورية الأولى منذ عام 1988 تقريبًا، والذاكرة الشعبية السورية تحتفظ بأسماء كثيرة كانت تظهر على القناتين الوحيدتين.

البرنامج السابق "التلفزيون والناس" كان عبد المعين عبد المجيد يعتمد في تقديمه على عنصر المفاجأة في لقاءاته، ويستهدف الأماكن المكتظة بالناس، في مواسم الأعياد كانت عدسته تجول في الأسواق ليسأل الناس عن أسباب تواجدهم، وإذا لم يكن هناك أي موسم نراه يتوجه للمنتزهات أو الحدائق، ما جعله بالفعل راسخًا في ذاكرة السوريين، ونسبة كبيرة منهم لا تزال تحتفظ بذكرياتها عن البلاد التي تحولت للوحة سريالية من الدماء.

من الجميل أن يعود عبد المعين عبد المجيد للظهور مرة ثانية لمتابعيه، لكن المفارقة أن يعيد تقديم برنامجه السابق بإسقاطه على اللاجئين السوريين المتواجدين في تركيا، بدلًا من إعداد برنامج جديد يتناسب مع فورة البرامج الجديدة المقتبس معظمها عن المحطات الغربية، حتى في الإطار العام للأسئلة التي يطرحها على الجمهور نرى فيها تشابهًا واضحًا مع سلفه "التلفزيون والناس"، وأجوبتها معروفة لدى الجميع بعد أن أغرقت صفحات التواصل الاجتماعي بقصص اللاجئين، واختلاف البيئة الاجتماعية إلى ما هنالك من مصاعب أخرى.

في برنامجه "وين ما كنتو تكونو"، يستعيد عبد المعين عبد المجيد ببساطته المعتادة، مع الذين يلتقيهم، ذكرياتهم عن سوريا

وعبد المعين عبد المجيد ليس الوحيد الذي أعاد تقديم برنامجه في دول الشتات، فلدينا الكثير من التجارب التي لم يكتب لها النجاح، وهناك تجارب جرى اقتباسها عن برامج كانت تبث على المحطات السورية أعيد إنتاجها لتناسب ذائقة جمهور المعارضة، رغم أنها لم تكن تحظى بمتابعة السوريين أثناء بثها قبل عام 2011، وذلك بسبب دخول أجهزة الاستقبال لسوريا منذ عام 2000 تقريبًا، وتوجه السوريين للمحطات العربية التي كانت تملك رصيدًا هائلًا من البرامج المنوعة.

اقرأ/ي أيضًا: التدوين السوري في مهب الثورة

يستعيد عبد المعين عبد المجيد، ببساطته المعتاد عليها عند السوريين في "التلفزيون والناس"، مع الذين يلتقيهم ذكرياتهم عن سوريا؛ يذهب معهم في الأسئلة للحارات القديمة في مدنهم، يناقشهم في تفاصيل الحياة الاجتماعية، إن كانوا يرغبون في الزواج أو الهجرة، متمسكًا بأسلوبه القديم في الحوار دون أي تجديد، إذ يتطرق في معظم لقاءاته للوضع الاقتصادي، والاستقرار العائلي من ناحية الزواج، معتمدًا على اللهجة الشامية المحكية مع الأمثال العامية.

والجمهور يظهر تفاعلًا مع عبد المعين عبد المجيد في برنامجه، فيحدثونه بفيض من المشاعر عن ذكرياتهم وأوجاعهم في شتاتهم، ومنهم من يخبره بمشاريعه المستقبلية، فهو بعد أكثر من 15 عامًا تقريبًا استمر فيها ببث برنامجه القديم في سوريا، صار متقنًا لفن طرح الأسئلة، وأجوبتها التي تغص بها المواقع الإلكترونية السورية وغير السورية، نحن في "وين ما كنتو تكونو" أمام فيديوهات يبلغ طولها الزمني 20 دقيقة.

وإذا أجرينا فحصًا سريعًا على عدد مشاهدة الحلقات المعروضة عبر قناة "عنب بلدي" على موقع "يوتيوب"، نرى أنها بدأت تقل تدريجيًا منذ الحلقة الثالثة لتصل إلى 3184 مشاهدة للحلقة العاشرة، مع العلم أن النسبة العظمى من السوريين تنشط بشكل فعال على مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا دليل على عدم تفاعل نسبة كبيرة مع برنامج يبث من بلد يأوي مئات الآلاف من اللاجئين السوريين.

على أي حال ماد دام عبد المعين عبد المجيد يحافظ على حضوره في الذاكرة الشعبية السورية، وبما أن الجمهور يتفاعل مع أسئلته عندما يعود في ذاكرته لأيام الطفولة فإن هذا يعتبر أمرًا إيجابيًا، إلا أنه لو قام بتطوير فكرة "وين ما كنتو تكونو" لتتناسب مع طفرة التكنولوجيا التي يشهدها العالم، وكثرة المنصات الاجتماعية لكان أفضل، بدلًا من تعلقنا بإعادة إنتاج برامج سابقة حين نشاهدها نكتشف كم كان حقنا ضائعًا لحظة تجمهرنا مع العائلة أمام التلفاز للفرجة عليها رغمًا عنا.

اقرأ/ي أيضًا:

إعلام اليسار السوري من أيام "المناشير"

إضراب راديو روزنة..أي مستقبل لإعلام سوريا المعارض؟