02-أكتوبر-2021

سببت أزمة الكهرباء في الصين حالة من القلق العالمي (Getty)

ألتراصوت- فريق الترجمة

تتأثر الصين منذ عدة أسابيع بأزمة كهرباء كبيرة أدت إلى موجات من انقطاع التيار الكهربائي عن عديد المناطق حول الصين، من بينها مناطق صناعيّة، وهو ما شكّل ضربة موجعة للتعافي الاقتصادي في الدولة التي تعدّ ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وبشكل قد ينجم عنه أيضًا زعزعة سلاسل التوريد العالمية وزيادة فرص التضخّم في العديد من الدول خارج الصين.

عانت مناطق صينية كبرى من انقطاعات مفاجئة في التيار الكهربائي وبشكل متكرر لعدة ساعات، أو حتى لأيام

ماذا نعرف عن أزمة الكهرباء في الصين؟

عانت مناطق صينية كبرى من انقطاعات مفاجئة في التيار الكهربائي وبشكل متكرر لعدة ساعات، أو حتى لأيام في بعض المناطق، خاصة في المناطق شمالي شرق الصين. انقطعت الكهرباء عن العديد من المدن لفترات متقطعة طويلة، في وضع يذكّر بأزمة الكهرباء التي عاشتها الصين خلال حقبة الثمانيات، إبان طفرة التطوّر الاقتصادي الهائلة التي شهدتها البلاد وقتها، والتي فاقت قدرة شبكات توليد وتوزيع الطاقة.

وقد أدى الترشيد المقصود في استهلاك الطاقة الكهربائية في الصين مؤخرًا، إلى زعزعة أنشطة العديد من الشركات والمصانع، وهو ما فرض تحديات عديدة ولاسيما على الشركات المورّدة للقطع التقنية الدقيقة، وعلى نحو قد يهدّد النموّ والتعافي الاقتصادي في الصين، والذي يواجه بالفعل حالة من اللايقين.

وتعزى أزمة الكهرباء في الصين إلى عدد من العوامل مجتمعة، منها القفزة في أسعار السلع وحالة التعافي من كوفيد-19 والالتزامات البيئية التي أطلقها الرئيس الصيني تشي جين بينغ، وارتفاع أسعار الفحم، وغيرها من العوامل الأخرى التي دعت الحكومة الصينية إلى تقليص إنتاج الطاقة من أجل خفض مستويات استهلاكها.

فالرئيس الصيني تشي جين بينغ كان قد تعهّد مؤخرًا بتحوّل الصين إلى دولة "محايدة كربونيًا" بحلول العام 2060، وهذا يتطلّب تحوّلا كبيرًا في الدولة، التي يلبي الفحم فيها نصف احتياجاتها من الطاقة على الأقل. لكن مع ذلك، فإن المسؤولين الصينيين عازمون على التعامل مع المسألة بجدّية، واتخاذ ما يلزم من خطوات لتحقيق رؤية 2060، للرئيس الصيني جين بينغ.

وفي آب/أغسطس 2021، انتقدت الهيئة الوطنية للتنمية والإصلاح الصينية أداء عدة مقاطعات صينية، من بينها جيانغسو، وغواندونغ، وهوبي، لفشلها في الالتزام بأهداف الطاقة حتى منتصف العام 2021، وهو ما دفع السلطات المحليّة في تلك المقاطعات إلى الضغط على الشركات والمصانع، من أجل تقليص استهلاك الكهرباء. حيث أوصت الهيئة بخفض "كثافة الطاقة" لكل وحدة من إجمالي الإنتاج المحلي بنسبة 3 بالمئة مقارنة بالعام الماضي، وذلك من أجل الوصول إلى "ذروة الانبعاثات" في العام 2030، بحسب الأهداف التي أعلن عنها الرئيس الصيني فيما يتعلق بدور الصين في مواجهة التغير المناخي الكوني.

60 بالمئة من إمدادات الطاقة في الصين تعتمد على الفحم (Twitter)

هذه التوصيات التي أعلنت عنها الهيئة تعني عمليًا أن ينمو استهلاك الكهرباء بمعدل أقل من معدل نمو إجمالي الناتج المحلي، إلا أنّ ذلك لم يتحقق في النصف الأول من العام 2021، حيث ارتفع استخدام الكهرباء بنسبة 16.2%، فين حين ارتفع إجمالي الناتج المحلي بنسبة 12.7%، مع توقعات بانخفاض النموّ حتى نهاية العام 2021. 

لكنّ الأمر لا يتوقّف على هذا السبب، فهنالك انقطاعات في الكهرباء في الصين تعزى إلى القفزة الكبيرة في أسعار الفحم والغاز خلال الأسابيع الماضية، إضافة إلى زيادة الطلب على الكهرباء، بسبب ارتفاع درجات الحرارة في مناطق مثل غواندونغ، وحالة التعافي التي شهدتها العديد من القطاعات بعد تراجع تأثير كوفيد-19، والتي رفعت من الطلب على الكهرباء في الصين وزادت من الضغط على الشبكات المزوّدة.

وبالنظر إلى أسعار الوقود الحاليّة (الفحم والغاز تحديدًا)، فإن محطات توليد الكهرباء ستخسر 0.15 يوان عن كل كيلوواط/ساعة كهرباء يتم توليدها وفق السعر الحالي للوقود، وهو ما يعني أن محطات توليد الكهرباء في الصين لن تكون مندفعة لشراء المزيد من الوقود بالأسعار الحالية، خاصة وأنّ الزيادة الحاصلة في السعر لا يمكن تعويضها عبر رفع أسعار الكهرباء على المواطنين، نظرًا إلى أنّ أسعار الكهرباء تخضع لتسعيرة وطنيّة ثابتة مدعومة من الحكومة.

وقد دفعت هذه الظروف إلى إعلان العديد من الشركات توقف منشآتها عن العمل لعدة أسابيع الشهر الماضي (حتى نهاية أيلول/سبتمبر)، من بينها 10 شركات تصنّع أشباه الموصلات. كما تضررت عدد من الشركات التي تورّد أجزاء تقنية دقيقة لشركة آبل الأمريكية وغيرها من الشركات الكبرى حول العالم، مثل فورد وفولكسفاغن، وهو ما يهدّد في حال استمرت الأزمة في تأخر صدور عدد من المنتجات، إلا أنّه، ووفق مصادر مطلعة تحدثت إلى وول ستريت جورنال ما يزال من المبكّر تقدير حجم الخسائر وأبعادها.

تهدد أزمة الكهرباء في الصين سلاسل التوريد العالمية في عدد من القطاعات (Nikkei)

من جهتها نفت هيئة التنمية والإصلاح الصينية أن تكون أزمة الكهرباء الحالية في الصين والانقطاعات الحاصلة ناجمة عن الضغط على الشركات من أجل الالتزام بالأهداف المتعلقة بنسبة استهلاك الكهرباء مقارنة بنمو إجمالي الناتج المحلي، وأوضحت وكالة التخطيط الاقتصادي في مقاطعة غواندونغ يوم الإثنين الماضي، 27 أيلول/سبتمبر بأن انقطاعات الكهرباء فيها ناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة وضعف قدرات توليد الطاقة بما يوازي الزيادة الحاصلة في الطلب.

كما قالت شركة الكهرباء الوطنية الصينية إنها ستتخذ عددًا من الإجراءات لضمان تلبية احتياجات السكان الأساسية من الكهرباء وتجنب حصول انقطاعات في الإمدادات الكهربائية قدر الإمكان، وتشمل هذه الإجراءات نقل الطاقة الكهربائية عبر المقاطعات وتطوير خطط الطوارئ.

إلا أنّ المشكلة الأكبر في العديد من نواحي الصين تتمثل في الارتفاع الحاصل على أسعار الفحم، وذلك بسبب تزايد الطلب العالمي على البضائع المصنعة في الصين، والذي تزامن مع استمرار الحملة الوطنية في الصين لخفض إنتاج الفحم في البلاد وحظر استيراد الفحم من أستراليا، والذي تم فرضه العام الماضي على خلفية أزمة دبلوماسية بين البلدين، بعد أن دعت أستراليا إلى مساءلة الصين عن مصدر فيروس كورونا وإطلاق تحقيق دولي في هذا الشأن. وتمثّل الطاقة التي يتم توليدها بالاعتماد على الفحم حوالي 60 بالمئة من الطاقة المستهلكة في الصين، لكن ما ارتفاع أسعاره الفترة الماضية، أحجمت محطات التوليد عن توليد فائض من الكهرباء، وهو ما أدى إلى تفاوت بين المتوفّر من الطاقة والمطلوب منها.

حين تقلق الصين لا ينام العالم

تفاعلت أزمة الكهرباء في الصين على نطاق غير مسبوق منذ أكثر من عقد، وهي تكشف على نحو جليّ كيف أن أيّ تغيّر في سياسات بكين المحليّة، حتى فيما يتعلق بالحدّ من بصمتها الكربونية، يمكن أن يترتب عليها آثار واضحة على الاقتصاد العالمي، الذي يمرّ أصلًا في حالة من الزعزعة وإعادة التشكّل بسبب الظروف التي خلقتها جائحة كوفيد-19.

مايك بيكهام، المؤسس الشريك والرئيس التنفيذي لشركة "سيمبل موديرن" الأمريكية، والتي تصنّع عبوّات ماء حافظة للبرودة وحقائب للظهر، يقول في حديث مع وول ستريت جورنال: "لقد بدأنا للتوّ إدراك تبعات ما يحصل في الصين، وقد تبين لنا أنه على الأرجح أكبر من أي شيء شهدناه في مسيرة شركتنا". فالشركة التي تورّد المواد الأساسية لشركة السيد بيكهام، تواصلت معه مؤخرًا وأوضحت بأن أيام العمل ستتقلص إلى أربعة أيام بدل ستة، وأنّها مضطرة للالتزام بحدّ أعلى من استهلاك الكهرباء، وهو ما سيؤدي إلى تراجع القدرة التشغيلية للمصنع بحوالي الثلث.

انقطعت الكهرباء في الأسابيع الماضية عن العديد من المناطق في الصين (بلومبيرغ/ياهو فاينانس)

ويتوقع السيد بيكهام أن تشهد أسعار العديد من المنتجات في الأسواق الأمريكية زيادة قد تصل إلى 15% الربيع المقبل، وخاصة مع استمرار حالة التعافي في القدرة الشرائية المتوقّعة.

هذا العجز في ميزان الكهرباء في الصين، يعود كما أوضحنا إلى مجموعة من العوامل، من أهمها ارتفاع أسعار الفحم بسبب تراجع الموارد المحلية المتوفرة من الفحم، والتي تفاقمت أكثر بسبب حظر استيراد الفحم من أستراليا ومنغوليا. وقد دفع ذلك محطات توليد الكهرباء إلى خفض الإنتاج من أجل الحدّ من الخسائر، وذلك لعدم قدرتها على رفع أسعار الكهرباء التي تخضع لرقابة حكومية شديدة.

كما أن بكين تسعى إلى الوفاء بوعودها بخصوص ترشيد استهلاك الطاقة، الأمر الذي دفع ببعض الرسميين إلى فرض تخفيضات باستهلاك الكهرباء في بعض القطاعات.

إلا أن ذلك كله ترافق مع زيادة في الطلب على الكهرباء منذ نيسان/أبريل 2020، حين أعلنت الصين عن رفع حالة الإغلاقات التي تسببت بها جائحة كورونا، حيث كانت شهية المصانع مفتوحة لتعويض ما فاتها من الإنتاج وتلبية الزيادة في الطلبات من الأسواق العالمية، خاصة في الولايات المتحدة والغرب، إضافة إلى موجة الحر التي ضربت في عدة مدن ونجم عنها زيادة كبيرة في استهلاك الطاقة في المنازل والشركات والمرافق الأخرى. 

اقرأ/ي أيضًا: زيادة كبيرة في عدد شركات السيارات الكهربائية في الصين وتوجّه رسمي للدمج بينها

الصين والحياد الكربوني

في أيلول/سبتمبر 2020 أعلن الرئيس الصيني تشي جين بينغ أن الصين تسعى إلى الوصول إلى ذروة الانبعاثات الكربونية قبل العام 2030، وهو هدف عام يصبّ في مصلحة تقليص استهلاك الطاقة عبر نطاق واسع من الجهود والإجراءات. وقد اتجهت الأنظار أساسًا إلى قطاع إنتاج الفحم في الصين، والذي كان يشهد تقلبًا في أدائه بالفعل، بسبب عديد الحوادث التي ضربت مناجم التعدين. لكن الصين مع ذلك، حتى العام الماضي، كانت تولّد 60 بالمئة من طاقتها بالاعتماد على الفحم.

تبدو الصين عازمة على الاستمرار في تقييد إنتاج واستهلاك الفحم في توليد الطاقة الكهربائية 

لكن هذا سيكون خلال سنوات أمرًا من الماضي في الصين، والتي تبدو عازمة على الاستمرار في تقييد إنتاج واستهلاك الفحم في توليد الطاقة. ورغم ذلك، حصلت طفرة في الطلب على الفحم مطلع العام الجاري، بنسبة 20 بالمئة على الأقل مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، وذلك بسبب حالة الانتعاش التي ترافقت مع رفع حالة القيود والإغلاق بسبب كوفيد-19. ويتوقّع خبراء أن أزمة الكهرباء في الصين قد تزيد من حالة الضغط الحاصل في قطاع الطاقة عالميًا، وهو ما قد يؤدي إلى إرباك التعافي الذي بالكاد بدأ في مرحلة ما بعد كوفيد-19 في عدد من الدول الصناعية الكبرى، ضمن واقع معولم يقرّ فيه الجميع بالاعتماد الكبير على الصين عالميًا في مختلف القطاعات.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

ارتدادات كورونا الاقتصادية الطويلة الأمد

زيادة كبيرة في عدد شركات السيارات الكهربائية في الصين وتوجّه رسمي للدمج بينها