26-سبتمبر-2021

كاريكاتير لـ أموريم/ البرازيل

المحللون الاقتصاديون مهمومون بالأرقام. هل تنجح إيفر غراند الصينية في تخطي أزمتها؟ وكيف يمكنها أن تؤمن نحو ما يقارب 100 مليون دولار خلال أسبوع لسداد فوائد الديون المستحقة؟ وهل ستتدخل الحكومة الصينية لمنعها من الانهيار؟ وما الذي سيفعله مصرف الشعب الصيني غير ضخ المزيد من الأموال في السوق المالية؟

هل صحيح أن الأزمة التي تعانيها الشركة الصينية العملاقة إيفر غراند جاءت نتيجة سياسات متشددة للحكومة الصينية؟

كل هذه الأسئلة تتعلق بالأرقام. وأيضا ثمة الرقم اثنين الذي تتصف به الصين بوصف اقتصادها ثاني أكبر اقتصاد في العالم. والأرقام أيضا تتكلم من الجهة الثانية من المحيط، هل يؤثر انهيار الشركة العملاقة على الاقتصاد الأول في العالم؟ وإلى أي مدى؟ وعليه تزخر شاشات القنوات الأمريكية ببيانات الأرقام التي تظهر حركة مؤشرات الأسهم صعودا وهبوطا. إنما لا أحد يسأل ما الذي جرى حقا؟

اقرأ/ي أيضًا: العنف والدولة.. جدليات العلاقة

هل صحيح أن الأزمة التي تعانيها الشركة الصينية العملاقة جاءت نتيجة سياسات متشددة للحكومة الصينية؟ وبكلام آخر، هل تؤدي إصلاحات وطموحات الرئيس تشي إلى انهيار في الأسواق الصينية؟

وثمة سؤال آخر متعلق بالصراع المعلن بين الولايات المتحدة والصين، والذي تمتد حقبته على مدى ثلاثة عهود رئاسية حتى الآن. هل بدأت آثار الكباش بين الدولتين تظهر على شكل انهيارات قد تتلاحق في الصين، أم أن كل ما يجري ليس أكثر من تراكم أخطاء إداريين في قمة هرم الشركة؟

كل هذه الأسئلة مشروعة، وكلها تتضمن جانبا من الصحة. لكن المسكوت عنه حقًا هو الآثار البعيدة المدى لوباء كورونا. وقد لا يكون من قبيل الصدفة البحت بدء علامات الانهيار في شركة تطوير عقاري. فالوباء في حد ذاته كان له أبلغ الأثر على هذا القطاع، وهو في الصين بمثابة شريان الاقتصاد الأبهر. ومنذ أن عرف العلم طريقة العدوى بهذا الوباء، بات جميع سكان الأرض يخشون الاكتظاظ. وأصبح امتلاك بيت خاص هو الدرع الأول لمواجهة هذا الوباء، في وقت يتعرض المتشاركون في المصاعد نفسها والمساحات المشتركة نفسها، في المدن المكتظة والعمودية كما هي حال المدن في الصين، إلى ارتفاع نسب إصابتهم بالعدوى بشكل لافت. وطردًا يمتد الأمر مباشرة إلى وسائل النقل العام، وهي وسائل شديدة الاكتظاظ في المدن الكبرى. مما يدفع القادرين إلى هجرة المدن والسكن في أماكن أكثر رحابة واتساعًا، وهذا أمر لا تتوقف آثاره ما أن ينتهي الوباء حكمًا، فمن اشترى بيتًا في مكان بعيد نسبيًا عن المدينة لن يتركه للريح والمطر بمجرد أن تنتهي محنة الوباء.  

كذلك الأمر، ومرة أخرى تأسيسًا على طبيعة العدوى، نشطت في الدول الغربية حركة بيع السيارات بوصف السيارة الخاصة هي الدرع الثاني من حيث الأهمية في مواجهة الوباء. وارتفعت أسعار الجديد منها والمستعمل بطريقة لم يسبق لها مثيل.

الوباء الذي قد يتغلب العلم عليه قريبًا، لن يغادر سلوكنا وأنماط حياتنا بالسهولة نفسها التي قد ينجح الطب معها في وقف انتشاره

وواقع الأمر أن الصين لا تستفيد مطلقًا من نهوض قطاع صناعة السيارات، حيث إنها حتى اليوم لم تنجح في منافسة جيرانها الأصغر منها، اقتصادًا وسكانًا، في هذا القطاع. ناهيك عن تخلفها المديد عن أوروبا والولايات المتحدة في هذا المجال. وهذا الواقع يفرض انتقالًا للأرباح بشكل لافت من البلاد المستهلكة إلى البلاد المصنعة. هذا الانتقال كان حتى الأمس القريب يسير بطريقة معكوسة، تشكو منه الدول الغربية وتسر به الصين.

اقرأ/ي أيضًا: نظام الجدارة الديمقراطي

لكن ارتدادات الوباء الأكثر خطرًا على الاقتصاد العالمي والصيني منه على وجه الخصوص تتعلق بالانخفاض الملحوظ في الاستهلاك على السلع غير الأساسية. ذلك أن المحجورين طوعًا أو كرهًا طوال سنتين ونيف ليسوا بصدد استئناف متعتهم السابقة القاضية بمعاينة الجديد والمعروض وتجربته ومحاولة شرائه. وهذا سلوك يبدو أنه سيستمر لفترة لا بأس بها إلى أن ينجح الناس في كل العالم في استعادة الألفة مع الأماكن العامة. وهي فترة انتظار مكلفة على أي حال.

في هذه الأثناء، تنمو صناعات وتجارات وتبور أخرى على نحو لا راد له. وتنشأ علاقات اجتماعية من نمط جديد وتخبو علاقات أخرى كنا ألفناها من قبل. والحق أن الوباء الذي قد يتغلب العلم عليه قريبًا، لن يغادر سلوكنا وأنماط حياتنا بالسهولة نفسها التي قد ينجح الطب معها في وقف انتشاره. سيبقى الوباء منتشرًا في نفوسنا لمدة طويلة، وسنبقى نخاف من الآخر، ونتوجس منه بوصفه ناقل عدوى إلى وقت طويل. وانعكاسات هذا السلوك، غير الإرادي أحيانًا، على اجتماعنا وثقافتنا ستلازمنا وقتًا طويلًا، وقد تدمر، والأرجح أنها دمرت، كل ما كنا قد راكمناه من مشاعر اللطف والكياسة تجاه الآخر والغريب، وحس التضامن مع الضعيف والمحتاج على نحو لا رجعة فيه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كتاب "نموذج الصين".. الجدارة السياسية وحدود الديموقراطية

"الذئب المحارب".. دبلوماسية الصين الرقمية