09-يوليو-2016

وودي ألين أثناء تصوير 'To Rome With Love' في أيطاليا (Getty)

هذه مقابلة أجريت مع المخرج والمسرحي والقاصّ والساخر وودي ألين في موقع "The Talks"، الذي عمل في الفنّ والسينما منذ أكثر من ستين عامًا. يعدّ ألين من ألمع الشخصيات وأكثرها إثارة للجدل في هوليوود، وقد حاز على العديد من الجوائز العالميّة المرموقة منها أربعة جوائز أوسكار في فئة الإخراج والنص، علمًا أنّه رفض في المرّات الأربع حضور حفل توزيع الجوائز، ولعل هذا عائد إلى فلسفته المتشائمة والوجوديّة التي تسّلط هذه المقابلة الضوء عليها.


  • سيّد ألين، هل تعتقد حقًّا أنّ السعادة في الحياة ضربٌ من المستحيل؟ 

نعم، لطالما نظرت إلى الحياة من هذا المنطلق، وهو منطلق شديد الكآبة والتشاؤم، ولقد رافقتني هذه النظرة طويلًا، منذ صباي، وأعتقد أنّها على ما هي عليه منذ ذلك الحين، ولم تزدد شؤمًا بسبب العمر أو أي شيء، فهي على ما كانت عليه. أعتقد أنّها تجربة كئيبة مؤلمة كابوسية بلا معنى وأرى أنّ الطريقة الوحيدة للسعادة تكمن في أن تخبر نفسك بعض الأكاذيب وأن تعيش في خداع وأوهام. 

وودي ألين: الطريقة الوحيدة للسعادة تكمن في أن تخبر نفسك بعض الأكاذيب وأن تعيش في خداع وأوهام

اقرأ/ي أيضًا: مورغان فريمان.. أسعى لتحقيق السعادة والسكينة

  • أليس صحيحًا أنّ معظم النّاس يختلفون مع رأيك هذا؟ 

ولكنّي لست أولَ من قال ذلك، ولست طبعًا أكثر قدرة على البيانِ ممّن تبنّوا هذه الفلسفة. لقد كانت هذه طريقة نيتشه، وتكلّم عنها فرويد، ومن بعده يوجين أونيل. لا بدّ للإنسان أن يعيش في أوهامه. لو نظرت إلى الحياة بمنتهى الوضوح والتجرّد ورأيتها على ما هي عليه حقًا لعرفت أنّها أمر لا يطاق، لأنّك ستقرّ حينها أنّ الحياة شأنٌ شديد البؤس. 

  • من الصعب عليّ أن أتصوّر وودي ألين يعيش حياة تعيسة على نحو ما يصف... 

لقد حظيت بفرص عديدة ولديّ مهارة مكّنتني من أن أعيش حياة فيها الكثير من الإنتاج، ولكنّي لست جيّدًا في بقيّة الأمور في حياتي، فليست لديّ مهارة التأقلم مع الحياة حتّى في أتفه الأمور. ما يفعله الآخرون بكل سهولة قد يكون عذابًا حقيقيًا لي. 

  • هل لك أن تعطينا مثالًا على هذا؟ 

حين أقطع التذكرة في المطار أو أدخل إلى فندق لأحجز غرفة، إدارة علاقاتي مع الآخرين، الذهاب إلى مكان ما لأتمشّى، شراء بعض الأشياء في المتجر... إنني أستخدم آلة كاتبة من نوعية أوليمبيا منذ أن كنت في السادسة عشرة من عمري، ولا تزال هذه الآلة تبدو جديدة لي كلّما شرعت باستخدامها. لقد كتبت جميع أفلامي على هذه الآلة، ولكنّي لم أتعلّم تغيير شريط الحبر إلا منذ فترة قصيرة جدًا، حتّى أنّي كنت أضطر إلى دعوة بعض الأصدقاء للعشاء أحيانًا كي تتاح لي الفرصة لأطلب من أحدهم تغيير الشريط. إنّها مأساة. 
 

  •  هل لديك تخوّف من الأشياء الجيّدة في الحياة؟ 

الحياة مليئة باللحظات الجيّدة -ورقة يانصيب فائزة، رؤية امرأة جميلة، عشاء فاخر- ولكنّ الحياة برمّتها أمرٌ تراجيدي. 

وودي ألين: يبقى الناس مع بعضهم أحيانًا من منطلق ضعف وخمول، لأنّهم لا يطيقون التغيير، ويخافون من الوحدة

اقرأ/ي أيضًا: أودري تاتو.. من هو الفنّان؟

  • هل تمتلك النظرة المتشائمة نفسها حين تفكّر في شأن الحب؟ 

الأمر يعتمد على الحظّ أكثر مما تتخيّل. بعض الناس يقولون إن العلاقة الجيّدة تحتاج إلى أن تسعى وتعاني من أجلها. ولكنّهم لا يقولون الأمر ذاته عند الحديث عن شيء نحبّه حقًا، كالذهاب في نزهة في القارب أو الذهاب لمشاهدة مباراة كرة قدم، فأنت تذهب لأنّك ترغب في الذهاب لا لأنّك تحاول إقناع نفسك بذلك.

فلا يعقل أن نجتهد من أجل علاقة ما، هذا أمر لا نستطيع التحكّم به. يجب أن تمتلك حظًّا جيدًا وتسير في حياتك، وإن لم تكن محظوظًا فعليك أن تستعدّ لشيء من المعاناة. ولهذا السبب تبدو معظم العلاقات صعبة وتنطوي على مستوىً ما من المعاناة. يبقى الناس مع بعضهم أحيانًا من منطلق ضعف وخمول، لأنّهم لا يطيقون التغيير، ويخافون من الوحدة، أو لأنّ لهم أطفالًا. 

  • هل يمكن للرجل أن يحب امرأتين في وقت واحد؟ 

وأكثر من امرأتين (يضحك). أعتقد أنّ هذا ممكن، وهذا ما يجعل الحبّ أمرًا صعبًا ومؤلمًا، بل بالغ الصعوبة والتعقيد. يمكن أن تكون برفقة زوجتك، وأنتما سعيدان في زواجكما، وتلتقي بامرأة أخرى وتقع في حبّها. ولكنّك تحبّ زوجتك أيضًا. وقد يحصل الأمر مع زوجتك، فهي تحبّك ولكن قد ترى شخصًا ما وتشعر بالحبّ تجاهه أيضًا. هذا أمر قد يحدث، لمَ نحصر الحبّ في شخص واحد؟ 

  • ألا ترى أن الأمر قد يصبح فوضى لو اتبع الناس رأيك؟ 

من المهمّ أن يتحكّم الإنسان بنفسه بالتأكيد، لأنّ الحياة تصبح أكثر تعقيدًا لو لم نفعل ذلك، ولكنّي أقول إنّ هذا الشعور موجود لدى الناس في كثير من الأحيان. البعض يقول إنّ على المجتمع أن يكون أكثر انفتاحًا في هذا الشأن، ولكن هذا ليس حلًا أيضًا. أعتقد أنّه ما من حلّ مثاليّ لهذه المعضلة. فلو قررت أن تمضي في حبّ تلك المرأة الأخرى، فأنت خاسر لأنّك ستخسر حبيبتك أو زوجتك، ولو كنت في علاقة مفتوحة فالأمر لن يكون جيدًا كذلك. في النهاية، لا سبيل للسعادة إلا بأن تكون إنسانًا محظوظًا جدًا. 

  • هل يمكن أن تبكي؟ 

أنا أبكي في السينما دائمًا. ربما تكون السينما المكان الوحيد الذي أبكي فيه، لأني أجد صعوبة في البكاء. في فيلم "Hannah and Her Sisters" كان يفترض بي أن أبكي في أحد المشاهد، وحاولنا كثيرًا بشتّى السبل كي أبكي، ولكن كان ذلك مستحيلًا. حتّى أنّهم نفخوا بعض الأشياء في عيني ولكني لم أستطع البكاء. أمّا في السينما فأبكي بكاء شديدًا. الأمر أشبه بالسحر. أبكي حين أرى المشهد الأخير من فيلم "Bicycle Thieves" أو "City Lights". أبكي في السينما فقط، ولا أبكي في المسرح أبدًا وأكاد لا أبكي في حياتي أبدًا سوى في السينما. 

  • لقد اعتدت أن تظهر في معظم أفلامك التي تخرجها، ولكنّك توقفت عن ذلك في السنوات القليلة الماضية، ما السبب؟ 

لم يكن لي دور مناسب، هذا كل ما في الأمر. لقد أديت دور بطل الفيلم في عدد من الأفلام، ولكن هذا لم يعد مناسبًا الآن لأني تقدمت في العمر، وليس ممتعًا أن لا تؤدّي الدور الذي تحصل فيه على الفتاة في الفيلم. لك أن تتخيل حالي حين أخرج أفلامًا تظهر فيها سكارليت جونسون أو ناعومي واتس ويحصل بطل الفيلم على واحدة منهما وأنا أكتفي بالمشاهدة من موقعي في الإخراج. وأنا لا أحب ذلك، بل أحب أن أكون أنا الذي أجلس مقابل سكارليت أو ناعومي في المطعم، أنظر في عيني إحداهما وأخبرها بعض الأكاذيب. أما إن لم أستطع ذلك فأي متعة تتبقى في التمثيل. 

وودي ألين: حين تكون فنّانًا فأنت ستسعى لتحقيق إنجاز عظيم ما، ولكنّك تشعر أنّك غير قادر على الوصول إليه

اقرأ/ي أيضًا: بيتر دنكليج.. لا أعرّف نفسي بناء على حجمي

  • وما رأيك في التقدّم في العمر؟ 

أمر سيئ، لا نفع في أن تصبح كبيرًا. لن تصبح أذكى ولا أكثر حكمة، ولن تكون أكثر لينا أو لطفًا حينها، لا شيء جيّد في الكبر. تزداد آلام الظهر، وعسر الهضم يصبح أعسر، وبصرك يضعف وستكون في حاجة لسمّاعة لأذنيك. التقدّم في العمر شيء سيئ ولا أنصحك به إن كنت تستطيع تجنبّه. لا شيء رومانسيّ في ذلك. 

  • هل تفكّر في التوقّف عن صناعة الأفلام؟ 

أنا ببساطة أجد المتعة في عملي، ولا أتصوّر مجالًا آخر أطوّر فيه طموحي. حين تكون فنّانًا فأنت ستسعى لتحقيق إنجاز عظيم ما، ولكنّك تشعر أنّك غير قادر على الوصول إليه. حين تصوّر فيلمًا ما فإنك ترى دومًا مجالًا باقيًا للتحسين، ثم تحاول مجددًا، ثم تفشل. أجد ذلك ممتعًا أحيانًا، فأنت لا تكفّ عن النظر إلى هدفك. أنا لا أقوم بعملي من أجل المال ولا من أجل جني أكبر الأرباح في صندوق التذاكر، إنني أستمتع بتجربة الأشياء. ما الذي سيحدث لو حققت الكمال في لحظة ما؟ ما الذي سأفعله بعدها؟ 

اقرأ/ي أيضًا:

ميريل ستريب: أنا لست دومًا سعيدة

بشار إبراهيم.. الأمل معلّق بالسينما المستقلة