18-نوفمبر-2021

(Getty Images)

في مستشفى حكومي يحمل اسم الأميرة رحمة بمدينة إربد الأردنية، توفي الطفل أمير الرفاعي (12 عامًا)، المصاب بمرض التلّيف الكيسي، بعد معاناة لسنوات، ومناشدات للحصول على الرعاية الطبية الخاصة اللازمة للتعامل مع مرضه المزمن والفتّاك، لكن بلا جدوى. 

يعاني مرضى التليف الكيسي في الأردن من إهمال شديد وضعف بالوعي بخطورة المرض واحتياجات مرضاه من العناية الخاصة 

وفاة أمير مساء الثلاثاء أثارت غضب رواد مواقع التواصل الاجتماعي وحزنهم لا سيما أنه ليس التفاعل الأول لهم مع حالته، إذ تضامن الكثير منهم على مدار السنوات الفائتة بمناشدة الحكومة لتقديم المساعدة، دون جدوى أيضًا.

وبحسب ما تناقلت وسائل إعلامية محليّة، عزا والد أمير سبب وفاة طفله إلى إهمال وزارة الصحة، وتقاعس الأطباء عن  تقديم الدعم اللازم لأمير وعائلته التي فقدت الأمل بتوفير العلاج لطفلها بمستشفيات البلد أو مساعدتها على تسفيره للخارج، خصوصًا أن ثلاثة من أشقاء أمير توفوا من قبل بنفس المرض.

ما هو مرض التليّف الكيسي؟

التليف الكيسي (Cystic Fibrosis) هو مرض وراثي يؤثر على أعضاء أساسية في جسم المصاب به كالرئتين والبنكرياس والكبد والأمعاء، وهو ناجم عن خلل جيني، ويشكل تهديدًا على حياة المصابين به بسبب الالتهابات الشديدة والمتكررة التي تصيب الرئتين، وما يؤدي إليه من انسداد الشعب الهوائية.

وهو إلى جانب ذلك يعد مرضًا تفاقميًا، أي أن أعراض المرض تتفاقم مع الزمن وتصبح أكثر وضوحًا وشدة، من الالتهابات الصدرية التي تسبب تلفًا دائمًا، إلى خسارة الوزن المفرطة، وضعف النمو والبنية، والإسهال وصعوبة التنفس الشديدة، والارتداد المعوي، وحرقة المعدة وفقدان الشهية وغيرها، عدا عن أنظمة التغذية الخاصة والحاجة الدورية للإدخال إلى المستشفى ولفترات تمتد غالبًا إلى أسابيع.

وكان موقع "ألترا صوت" قد سلط في وقت سابق الضوء على معاناة مرضى التليّف الكيسي في الأردن والصعوبات البالغة التي تواجهها عائلات المصابين بتأمين الأدوية والأجهزة الطبية الضرورية اللازمة لمواجهة المرض.

اقرأ/ي أيضًا: مرضى التليّف الكيسي في الأردن.. وحيدون في مواجهة المرض والمجتمع

ويغيب في الأردن الدعم المادي والنفسي للمريض وذويه أمام مرض لا ينال المصابون به أي اعتراف بحقهم في العلاج المختص والرعاية الكاملة، فلا تتوفر عيادات خاصة لمرضى التليف الكيسي، ولا أدوية ومكملات غذائية، أو أجهزة طبية منزلية لا يمكن استغناء المصاب عنها.

رئة خضراء

فوق سرير الطفل أمير لوحة رسم عليها حلمه، كما لو أنه كان يعرف أن الرئة المزدهرة ذات الألوان الزاهية في لوحته، صعبة المنال في بلده، وأن رئته ستتوقف عن التنفس دون أن تهتز ذمم المسؤولين الصحيين هناك اتجاه حياة طفل بقي يعاني الألم لسنوات. لكن ضيق الحال وضعف المستوى الاقتصادي وما يرافقه من تهميش اجتماعي، حرم الطفل أمير الرفاعي من الحصول على الرعاية اللازمة له كي ينجو من الموت المبكّر بسبب مرض التليّف الكيسي. 

 

حق وليس مكرمة

قصة أمير على مدار أعوام طوال، تضمنت العديد من الوسوم، كوسم #أنقذوا_أمير_طفل_الاردنيين_والأنسانيه ووسم #أمير_يستغيث_بجلالة_الملك_وولي_العهد وآخرها حملت اسمه #أمير_الرفاعي الذي لخّص حكايته المتعبة والقاسية، دون أن تتفاعل السلطات مع حالته بالشكل اللازم. 

 

 

وعلى إثر خبر وفاة أمير، تعالت الأصوات المطالبة بمحاسبة المسؤولين، باعتبار أن تلقي العلاج حق يولد مع الإنسان أي كان منصبه أو منصب ذويه، وليس مكرمة تقدم من قبل المسؤولين في البلاد، الذين يولد أبناؤهم مع حقوق كاملة وطاغية أحيانًا.

 

 

الرسام الأردني رأفت الخطيب تفاعل مع الحادثة، وعبّر عن حالة النسيان الرسمي التي تحلّ بمثل هذه القصص الإنسانية في الأردن، حيث يسود الادعاء بأنّ "الأردن بخير"، على الرغم من ضعف الخدمات الأساسية للمواطنين، من التعلم والصحة والعمل. 

 

ونعى الأردنيون أمير باستذكار عبارة "سأخبر الله بكل شيء" التي قالها شاكيًا ألمه ومرضه وقلة حيلة والده الفقير، ليرحل بعدها مهددًا طمأنينة والديه الذين رزقا بتوأم ذكور قبل أسبوعين، ومنذرًا أهالي المصابين بمرض التليف الكيسي في بلده بخطر فقد أبنائهم.

 

 

 

 

وتفتح نهاية أمير المأساوية الباب مجددًا على تساؤلات عديدة عن وضع القطاع الصحي في الأردن، وانتشار الفساد وتنصّل المسؤولين من مسؤولياتهم وضعف القدرة على مساءلتهم.

ولا توفّر وزارة الصحة الأردنية أي معلومة طبية حول مرض التليّف الكيسي عبر موقعها الرسمي أو بيانات تتعلق بعدد المصابين بهذا المرض أو خدمات خاصة تقدمها لهم، إلا أن الإحصائيات غير الرسمية تقدر أعداد المصابين في البلاد ما بين 600 إلى 1200 حالة معظمهم من الأطفال، نظرًا لأن المرض قاتل وفتّاك.

يبلغ متوسط العمر المتوقع لمرضى التليف الكيسي 37 عامًا، إلا أن بعض الدول تشهد تطورات كبيرة في الرعاية الصحية الخاصة لهم جعلت متوسط أعمار المصابين بالمرض ترتفع بشكل كبير

ويبلغ متوسط العمر المتوقع لمرضى التليف الكيسي 37 عامًا، إلا أن بعض الدول تشهد تطورات كبيرة في الرعاية الصحية الخاصة لهم جعلت متوسط أعمار المصابين بالمرض ترتفع بشكل كبير، كما هو الحال في كندا والولايات المتحدة الأمريكية، حيث ارتفع متوسط أعمار المصابين بالمرض إلى الـ50 في كندا والـ40 في الولايات المتحدة.  أما في الأردن فلا تتوفر معلومات رسمية عن متوسط أعمار المصابين بهذا المرض، لكنه لا يتجاوز 25 عامًا في أحسن الأحوال وفق تصريح خاص لأخصائية الأمراض التنفسية للأطفال، سماح عوض حصل عليه موقع "ألترا صوت" في وقت سابق.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

بعد تعرضها للتنمر: تضامن واسع مع زهراء كودايي وانتقادات لاتحاد الكرة الأردني

عفو ملكي خاص عن المحكومين في قضايا "إطالة اللسان" في الأردن