14-أبريل-2017

تواصل تهميش المغرب العميق يثير غضب المغاربة (عبد الحق سنا/أ.ف.ب)

توفيت الطفلة "إيديا" بإحدى مستشفيات المغرب، وطفى من جديد ملف الصحة على سطح المشهد العام بالبلد، في ظل ما يسجله القطاع من ترد في الخدمات الطبية، حسب البعض، وهو ما يهدد حياة آلاف المغاربة.

يعاني "المغرب العميق" من التهميش والحرمان من عديد الخدمات الأساسية ومنها الصحية وهو ما اعتبره البعض سببًا في موت الطفلة إيديا

عمرها لا يتجاوز الثلاث سنوات، ولدت "إيديا فخر الدين" في منطقة "تنغير"، المنتمية لجغرافيا ما يعرف بـ"المغرب المنسي" و"الغير النافع"، حيث يحضر التهميش والحرمان من الخدمات الطبية اللازمة. أصيبت بنزيف دماغي إثر ارتطام رأسها بالأرض، يوم السبت الماضي، أدى ذلك إلى نقلها على وجه السرعة إلى مستشفى تنغير، لكن غياب التجهيزات الطبية اضطر والدي الطفلة إلى توجيهها إلى المستشفى الجهوي بالرشيدية، جنوب شرق المغرب، حيث تم إخضاعها للفحص بأجهزة التصوير الطبقي، إلا أنها لفظت أنفاسها الأخيرة بعد نقلها إلى مستشفى مدينة فاس، التي تبعد حوالي 470 كيلومتر عن منطقة تنغير.

وفاة الطفلة "إيديا" أثارت استياء المغاربة وعبروا عن غضبهم تجاه ما اعتبروه تهميشًا متواصلًا لمناطق "المغرب العميق"، التي لا تتوفر على تجهيزات طبية كافية لإنقاذ حياة المئات من المرضى.

اقرأ/ي أيضًا: كيف دخل الفيروس القاتل لأطفال مصر؟

الكاتب عبد العزيز الراشدي، دوَّنَ على "جداره الفيسبوكي": "تُريد الدولة، عبر سياستها في الصحة، أن يعود الجنوب الشرقي إلى زمن القمل والصيبانة ومرض السوّاح". وأضاف في سطوره: "في كلّ الدول التي تحترم نفسها، يحظى التعليم والصحّة بأولوية خاصة، ويتمّ الاهتمام به كحقّ من حقوق الإنسان الأولية. لكن الجنوب الشرقي سيبقى في الركن المنسي حتى إشعار آخر. وستتواصل الفجائع والآلام وتموت الحوامل ويموت الأطفال. ولا غرابة، فقد مات الضمير".

تفاعل الكاتب عبد العزيز الراشدي

أما الصحفي هشام أبو عليا فتساءل في سطوره الفيسبوكية، "مواطنتي الصغيرة، أي مقدار من الوجع أن تموتي بكسر بسيط، وقد بلغ تقويم الميلاد ألفين وسبعة عشر عامًا؟ فقط لأن في منطقتك الشاسعة يحتاج الناس جهازًا طبيًا فلا يجدونه؟ هل ثمة ما يدعو إلى الحسرة، في يوم الناس هذا؟ ألم ينقض كل شيء بموتك؟ فلا مقعد دراسيًا سيحتضنك بعد يوم، ولا هي دمية ستتقلب في يديك؟ ما النفع في أن نبكي أو نتحسر؟ أ لن يشغلنا خبر ضحية أخرى عن مأساتك، غدًا أو بعد غد؟".

تفاعل الصحفي هشام أبو عليا

من جهتها، صرحت شبكة جمعيات تنغير للتنمية والديمقراطية أنه "كان بالإمكان إنقاذ حياة الطفلة إيديا لو توفرت الشروط الأساسية للتدخلات المستعجلة في مستشفى تنغير أو في الرشيدية"، مضيفة أن "عائلتها اضطرت إلى نقلها بسيارة إسعاف لا تصلح حتى لنقل الجثث المتحللة إلى المستشفى الجامعي بفاس، لتلفظ الطفلة أنفاسها بسبب نزيف دماغي لم يتمكن أطباء تنغير ولا الرشيدية من رصده".

اقرأ/ي أيضًا: تلامذة لبنان يشربون مياهًا ملوثة!

إثر وفاة الطفلة إيديا، طالب جزء من المغاربة باستقالة وزير الصحة لحسن الوردي بينما نفت الوزارة أي إهمال أو تقصير طبي

وأضافت ذات الجمعية في بيان اطلع عليه "ألترا صوت"، أن "حالة إيديا ليست حالة عارضة أو استثناء، بل أضحت طفولة إقليم تنغير ومواطنوها بصفة عامة يعيشون تهديدًا يوميًا يمس بأغلى حق من حقوق الإنسان، وهو الحق في الحياة والعيش في ظروف صحية سليمة". واستنكرت الجمعية "تردي الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين والمواطنات في إقليم تنغير وفي جهة درعة تافيلالت عمومًا"، واعتبرت ذلك "تكريسًا لمفهوم المغرب النائي، أو المفهوم "الكولونيالي" الذي يقسم المغرب إلى نافع وغير نافع".

أما حزب "تامونت للحريات"، وهو حزب أمازيغي حديث التأسيس، فطالب "باستقالة وزير الصحة "لحسن الوردي" تفعيلًا لمبدأ ربط المحاسبة بالمسؤولية بما فيها المسؤولية السياسية والأخلاقية، مع فتح تحقيق قضائي وإداري نزيه ومستعجل حول ملابسات وفاة الطفلة وتحديد المسؤوليات الإدارية والقانونية".

وبدوره حمَّل حزب الأصالة والمعاصرة المعارض المسؤولية فيما وصفه بـ"التقصير"، وزارة الصحة في وفاة الطفلة "إيديا"، كما أدان ما سماه في بيانه "سطحية السياسات الحكومية"، مؤكدًا أن "كل ما قامت به الوزارة الوصية وحكومتها السابقة كانت مجرد فقاعات دعائية الهدف منها التهرب من التعامل مع القضايا الجوهرية والأساسية لصحة المواطنات والمواطنين".

وزارة الصحة، من جهتها، نفت أن تكون وفاة الطفلة "إيديا" بسبب "تقصير أو إهمال طبي"، مؤكدة أن الحادثة "ناتجة عن تأخر والديها في نقلها". وقال عبد الرحيم الشعيبي، المدير الجهوي لوزارة الصحة بجهة درعة تافيلالت، في تصريحه لأحد المواقع المحلية أن "الطفلة وقعت من مرتفع، ولما فحصها الطبيب بمستشفى تنغير أخبر أبويها بضرورة نقلها على وجه السرعة إلى مستشفى الرشيدية، من أجل القيام بتشخيص دقيق، الأمر الذي لم يتم حيث ظلت العائلة مترددة، رغم توفير سيارة الإسعاف".

لكن والد الطفل ذكر رواية مغايرة تمامًا، موضحًا أن "الطبيب الذي استقبل الطفلة بالمستشفى الجهوي طمأنه بأن حالتها عادية، وأنها أصيبت بكسر صغير في الجمجمة، ناصحًا إياه بنقلها إلى فاس للعلاج، إلّا أن إيديا توفيت ساعة بعد وصولها". ومع تضارب التصريحات، يبقى الأمر الأكيد الوحيد أن منطقة تنغير وغيرها من مناطق المغرب العميق تعاني الكثير من النقص في الخدمات والتجهيزات وتتطلب وقفة عاجلة.

اقرأ/ي أيضًا:

الصحة.. صداع المواطن الجزائري

لقاحات الأطفال القاتلة تهز قطاع الصحة في الجزائر