30-أكتوبر-2016

تنشط حركة فن الشارع في الدائرة الـ13 في باريس

يحقق الـ"ستريت آرت"، أو ما يعرف بفن الشارع، ثورته على سياقات المؤسسة الفنية. كونه يعد أكثر المساحات قدرة على كسر الـ"تابوهات" الفنية ومدارسها، ويتماشى مع نزق الأجيال الشابة ونزعاتها نحو التحرر والخروج من الأطر والأنماط المعتادة. لا سيما ان الفنون التقليدية لم تكن تشكل مزاجًا عامًا لمختبري فنون ما بعد الحداثة.

يتحدى فن الشارع الفنّ نفسه ومؤسساته التقليدية

ولعل باريس، كمدينة ثقافية لا تزال تمثل حراكًا فنيًا ومكانًا تجريبيًا للفنانين في العالم، تحاول بعض المبادرات إطلاق العنان لفن الشارع ليكون واحداً من أبرز وجوه مدينة الأنوار. وأحد صناعة مؤسساتها، بما يعني "مأسسة" هذا الفن، وإخراجه من بيئته الأولى، ورعايته ضمن ما يعرف "مؤسسة المعارض". أي تكريس العمل الفني وتأطيره في جوهر تسويقه كعمل مرئي ومباع. وهو ما دفع الى الإعلان مؤخرًا عن افتتاح أول مكان عرض دائم لـ"ستريت آرت"، على يد صاحب مؤسسة "فري" للاتصالات، كزافييه نيل، وهو سابع أغنى رجل في فرنسا.

يموّل المعرض الدائم لفنون الشارع احد أغنى رجال فرنسا كزافييه نيل وهو صاحب شركة "فري"

يتحدى فنانو الشارع الفن نفسه. يضعونه عرضة للناس. ولا يطمحون إلى تغيير تعريف عملهم الفني، وإنما يشككون على الدوام في هوية العمل ورسائله، فهم يعتمدون على التواصل مع الناس العاديين حول موضوعات تهمهم، من دون التركيز مليًا بالنواحي الجمالية. إذًا هذه المحاولة، تتعارض بعض الشيء مع ماهية فن الشارع وأنموذجيته، كفن متفرع من بيوت الناس وهواجس المارة وعيونهم وصورة عن مشكلاتهم وتعبيرًا عن الشباب من دون رقابة.

أقرأ/ي: فن الشارع.. سؤال الهيمنة المضادة

كان فن الشارع، انطلق في نهاية ستينيات القرن الماضي مع رسوم في قطارات الأنفاق ثم مع موجة فن الـ"غرافيتي"، وارتبط لفترة طويلة بالتخريب والحركات الاحتجاجية، إلا أنه فقد منذ ذلك الحين جزءًا من سمعته المتفجرة هذه. وقد عزز هذا الميل مع افتتاح متاحف لهذا الفن في أمستردام خصوصًا، وفي سانت بطرسبرغ وبرلين العام المقبل.

انطلق فن الشارع في نهاية ستينات القرن الماضي مع رسوم قطارات الأنفاق ومع موجة الغرافيتي

وفي مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية "فرانس برس"، يقول مؤرخ الفن المعاصر بول أردين أنه "ينظر الى فن الشارع اليوم على أنه تجسيد للحرية، إلا أن في الأمر خطأ كبيرًا"، مشيرًا الى أن صورة "الفنانين الذين لا يلجمهم شيء ويعملون ليلًا مع احتمال أن توقفهم الشرطة"، عائدة "إلى تخيلات".

ويؤكد نيكولا لويرو لاسير، الذي أعار 150 عملًا من مجموعته الخاصة لتأسيس أول موقع مكرس لهذا الفن في باريس لـ"فرانس برس" أن "جوهر الستريت آرت هو الجدران المناضلة، إنما في موازاة ذلك ثمة عمل في المحترف".

ويبيع الفنانون أعمالهم ليعتاشوا ويتمكنوا من السفر ليتركوا بصماتهم على الجدران في أنحاء العالم، كما يؤكد الخبير الشغوف بهذا الفن.

وقد اختار البعض مثل فوتورا 2000، وهو من رواد الـ"غرافيتي" ويعرض أعماله منذ الثمانينيات، عمدًا الانتقال من جدران الشوارع إلى جدران قاعات العرض. وعلى مر السنوات، حقق لاسير مجموعة تضم لوحات الـ"سريغرافيا" والصور وأعمال فنانين مثل شيبارد فيري (ملصق "هوب" لباراك أوباما) و"بلو" المعروف بأنه غطى أحد أعماله الجدارية في برلين بطلاء أسود حتى لا يساهم في المضاربات العقارية أو سبايس إنفايدر وأعماله الفسيفسائية.

يعدّ بانكسي وجي ار من أهم المشتغلين في فن الشارع

ومن بين هؤلاء الفنانين، الكبيران "بانكسي" و"جاي ار"، فضلًا عن فنانين ناشئين لا يعرفهم الجمهور جيدًا. وبعدما قدمت هذه الأعمال لفترة طويلة في معارض، ستعلق من الآن وصاعدًا على جدران المدرسة الرقمية التي أسسها كزافييه نيل. وهو خيار خارج عن الدروب المعتادة. ففي وسط صفوف الدراسة، علقت أعمال تبلغ قيمتها آلاف اليوروهات، ويمكن محبي هذا الفن أن يطلعوا عليها مجانًا خلال زيارات منظمة. وتقوم الفكرة على اكتشاف الأعمال والمكان على حد سواء.

وترى ماغدا دانيش، وهي صاحبة صالة عرض للفن المعاصر في باريس وشنغهاي، أن فن الشارع لا يزال يعاني على رغم هذه الواجهة الجديدة، "نبذًا معينًا من المؤسسات"، مضيفة: إنه "على صعيد الاعتراف، ما زلنا ننتظر المعرض الكبير حول هذا الموضوع". وتؤكد أن "فن الشارع لا يقتصر على ثلاثة رسوم غرافيتي في أرض خلاء. إنه ظاهرة فنية نجحت في تزيين كل جدران العالم". مؤكدة أن "الشارع يبقى أساسيًا لهؤلاء الفنانين ومصدر إلهامهم. ثمة الكثير من الأماكن في العالم حيث فن الشارع لا يزال غير مشروع" أو "موضع تنديد".

وتستقطب الدائرة 13 في باريس، أعمال الفنانين الشباب والهواة في الستريت آرت. ويحاول الفنان الفرنسي - التونسي، مهدي بن شيخ، في نقل هذه التجربة الى مدن صغيرة محيطة بالعاصمة.  وكان فنانو الشارع قد أعادوا الحياة الى "برج باريس 13"، الذي كان مآله الدمار الى معرض لكل محبي هذا الفن.

أقرأ/ي ايضًا:

بانكسي في ميونيخ.. درس الشارع وفنونه

بيروت الغاضبة برسم أبنائها