23-مارس-2017

عبد العزيز بوتفليقة في بوفاريك غرب العاصمة الجزائرية في آذار/مارس 1999 (Getty)

قال جمال ولد عبّاس رئيس الحزب الحاكم في الجزائر، منذ الاستقلال الوطني عام 1962، أي أنّ الطفل الذي ولد يومها يستعدّ لأن يُحال على التقاعد، إنّ المعيار الأوّل الذي اعتمده في قبول ملفات المترشحين باسم حزبه للانتخابات التشريعية التي ستُجرى يوم الرّابع مايو/أيار القادم، كان الولاءَ لرئيس الجمهورية، معترفًا بأن نسبة معتبرةً من المترشحين الذين قبلت ملفاتهم أمّيون أو أصحاب مستوى تعليميٍّ محدود.

المتحدّث نفسه، كان وزيرًا للتضامن الوطني، قبل سنوات قليلة، وكان يقول في كلّ خرجة من خرجاته إنه وزّع هذا الشيء على المواطنين بأمر من رئيس الجمهورية، فقد كان يقولها حتى حين يُوزّع خمسين محفظةً على التلاميذ اليتامى، أو ثمانين قفّةً على المحتاجين في شهر رمضان.

الطفل الذي ولد يوم اعتلاء الرئيس الجزائري لسدة الحكم، بات طالبًا جامعيًا، يدرس مبدأ التداول على السّلطة في الأنظمة الديمقراطية

وهو بهذا حوّل رئيس الجمهورية من شخص انتخبه الشعب ليسهر على خدمته وحماية الدستور، ومعرّضًا للمحاسبة والمساءلة، مثلما ينصّ هذا الدستور نفسه، إلى شخص يختصر الشعب والتاريخ والوطن، ولا يمكن أن يحدث أمر من الأمور إلا بإذنه، بما في ذلك توزيع محافظ وقفاف الفقراء، حتى بات سائدًا أنه لا يجوز التفكير في مستقبل البلاد خارج كونه رئيسَها، رغم أنه لم يقل لشعبه "صباح الخير" منذ عام 2012.

إن الطفل الذي ولد يوم اعتلاء الرئيس الحالي لسدّة الحكم عام 1999، بات طالبًا جامعيًا، يدرس مبدأ التداول على السّلطة في الأنظمة الديمقراطية، والطفلة التي ولدت في اليوم نفسه باتت مؤهلةً لأن تعقد قرانها قانونيًا في المحكمة، كما أنّ عدد الجزائريين الذي ولدوا خلال عهداته الأربع يمثلون 40% من إجمالي سكان البلاد البالغين 40 مليونًا، أي أن ستة عشر مليون جزائري لم يعرفوا في حياتهم رئيسًا سواه.

اقرأ/ي أيضًا: الغموض يلف المشهد السياسي في الجزائر

كلّ ذلك حدث، ويبقى مفتوحًا على احتمال أن يستمر، في ظلّ تغنّي جميع من في السّلطة، بدولة المؤسسات والقانون والدستور والحريات العامّة، وكأنّ الشعب الجزائري كلّه لا يملك عقولًا يُفكر بها، وهو الذي يتوفّر على عدد من الطلبة الجامعيين يتفوّق على عدد سكان 60% من الدول العضوة في هيئة الأمم المتحدة.

سيُقال إن هذا العدد من الطلبة الجامعيين يُشكّل وحده دليلًا دامغًا على نجاح سياسة الرّئيس، وهنا تكمن المشكلة، فالعقلاء لا ينكرون أنّ الرجل قام بإنجازات كثيرة، وإن فعلوا فستكذّبهم الأرقام، لكنه أنجز على مستوى الشّكل، بينما العبرة بالمضمون، إذ ما معنى أن أفخر بإنجاز ثمانين جامعةً مثلًا، وأنا خارج قائمة أفضل مائة جامعة في العالم، وداخل قائمة أكثر عشر جامعات لا تحترم الأمانة العلمية فيه، إلى درجة أن وزير التعليم العالي نفسه راسل رؤساء الجامعات يطالبهم بأن يكفّوا عن حماية الغشّ والغشّاشين؟

ما معنى أن أفخر بإنجاز ثمانين جامعة جزائرية مثلًا، وأنا خارج قائمة أفضل مائة جامعة في العالم

ثم إنّ هذا المنطق الاختزالي الذي كرّسه محيط الرّئيس برضاه، جعل الرّاغب في أن يبقى في السّلطة يحتمي بإعلان الولاء له، وهو السّلوك الذي يفعله الرّاغب في الالتحاق بها، ممّا جعل الكفاءة والخبرة من المعايير التي بات الجزائري يُخفيها حتى يبقى في منصبه أو يُحصّل منصبًا، بل إنه أسّس لمفهوم مقلوب للوطنية، فهي لم تعد تعني الولاء للوطن ولرهاناته، بل الولاء للرئيس ومحيطه.

هنا، على الرئيس أن يُدرك أنّ منطق "أنا الكل في الكل"، يُحمّله تاريخيًا وأخلاقيًا وسياسيًا المسؤولية عن كلّ الخرابات والاختلالات والنقائص والفرص المجهضة، التي حدثت خلال فترة حكمه، والتي كانت مؤسسات ومنظومات ووجوه أخرى ستتحمّلها معه، لو سمح لها بالتفكير والتخطيط والتنفيذ، في إطار التعددية والتكامل اللذين يقتضيهما الحكم الديمقراطي، فكيف ضحّى الرّجل بتاريخٍ لا يُمحى، من أجل نزواتٍ ستزول؟

اقرأ/ي أيضًا:
الحكومة في الجزائر.. طوبى للفاشلين
الرئيس الجزائري يفصل في قانون التقاعد