30-مارس-2016

هشام جنينة

في ساعة متأخرة من مساء الاثنين، صدر قرار رسمي موقع باسم عبد الفتاح السيسي بإعفاء المستشار هشام جنينة من منصبه كرئيس للجهاز المركزي للمحاسبات ردًا على خدمته لأكثر من ثلاث سنوات مسؤولًا عن أهم جهاز رقابي في الدولة، أصدر خلالها تقارير فساد، ووثَّق وقائع ومستندات وعمليات قذرة من جانب أغلب الجهات غير الرسمية، والرسمية، التي أرّقته، ولاحقته، هو وعائلته، بحملات تشويه لم يسلم منها، ويُعتقد أنها السبب الرئيسي في خروجه -قبل أشهر من موعد معاشه الطبيعي- أغلبها من طرف أمن الدولة، ورجال أعمال نظامي مبارك والسيسي.

لم يقدم هشام جنينة فروض الولاء والطاعة لانقلاب "30 يونيو" وقائده، ظلَّ صامتًا، تعامل مع الأمر بميكانيكية شديدة، راح رئيس وجاء غيره

ومرَّ مشوار "جنينة" في المركزي للمحاسبات بـسبع محطات كانت السبب الرئيسي في الإطاحة به، وهي:

خلية نائمة

قبل السادس عشر من أيلول/سبتمبر 2012، كان اسم هشام جنينة معروفًا كأحد رموز تيار استقلال القضاء وكرئيس لمحكمة استئناف القاهرة. يومها، أصدر الرئيس الأسبق محمد مرسي قرارًا بتعيينه لمدة 4 سنوات رئيسًا للجهاز المركزي للمحاسبات الخاضع مباشرة لرئاسة الجمهورية، وذلك بعد استقالة جودت الملط في مارس 2011، ومرور رئاسة الجهاز بـ"فترة انتقالية".

منذ ذلك الحين، وُصِم "جنينة" بالتبعية لجماعة الإخوان، البعض قال إنه أحد خلاياها النائمة في جهات حكومية، لكن ذلك الاتهام يتجاهل أن الرجل هو ابن خالص للدولة المصرية، فهو ضابط سابق، درس القانون ثم تحول من الشرطة إلى القضاء، وتدرج فيه حتى أصبح رئيسًا لمحكمة استئناف القاهرة.

غموض "30 يونيو"

لم يقدم هشام جنينة فروض الولاء والطاعة لانقلاب "30 يونيو" وقائده، ظلَّ صامتًا، لا تصريح علني عن موقفه، لا كلام عن قبوله، أو تشجيعه، أو رفضه حتى، تعامل مع الأمر بميكانيكية شديدة، كأنه لا شيء حدث، راح رئيس وجاء غيره، وإن كانت صحف نقلت -من باب النميمة- تعاطفه مع الإخوان سرًا في الغرف المغلقة، والأحاديث الجانبية مع المقرَّبين منه. وفق صحف مصر، التي نقلت موقف جنينة عبر مصادر مجهّلة، فإنه "يؤيد منح الجماعة الفرصة الكاملة للحكم دون التعجيل بإسقاطها، متعهِّدًا بالقيام بعمله غير المسيَّس فقط".

اقرأ/ي أيضًا: نواب القاهرة تحت الحصار..9 مشاهد من المظاهرات

تقارير ضد السيسي ونظامه

وفق تصريحات صحفية منشورة للمستشار "جنينة"، فقد تقدَّم بكافة التقارير الرقابية لمؤسسة الرئاسة في عهدي المؤقت عدلي منصور، والدائم عبد الفتاح السيسي، ولم يتلق ردًا. وقال إنه توجه للنائب العام الراحل هشام بركات لفتح تحقيقات في تقارير الفساد التي توصل إليها، ولكن دون جدوى.

لا مشكلة في ذلك. المشكلة -بالنسبة إلى نظام السيسي- أن الرجل لم يفتح أي أحاديث عن الفساد في عهد مرسي.

وحول انتمائه للإخوان، أكد جنينة: "ليس كل من حمل المسؤولية في عهد مرسي يعمل لصالح الإخوان، الدولة اعترفت بمرسي رئيسًا للجمهورية وانتخب انتخابًا حرًا نزيهًا، فكيف لا أتعامل معه!"، ولكنه لم ينكر أبدًا أنه كان متعاطفا معهم في يوم من الأيام، ولكنه يرى دائمًا أنه عندما رأى حجم الفساد في مؤسسات الدولة تمنى ألا يكون في منصب رئيس الجهاز، موضحًا أنَّ كشفه للفساد في قطاعات الدولة المختلفة سبب "اتهامه بالانتماء للإخوان"، وليس العكس.

وردًا على ذلك، أو ما اعتبر ردًا عليه، أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قرارًا بقانون رقم 89 لسنة 2015 بشأن حالات إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم.

وينص القرار، الذي نشر في الجريدة الرسمية فورًا (!) على أنه "يجوز لرئيس الجمهورية إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم" في أربع حالات حددها القرار، وكلها كانت تشير إلى أن القانون "تفصيل" للإطاحة بـ"جنينة".

جحيم الـ600 مليار جنيه

في حدث غير مألوف بالنسبة لشخص يشغل رئاسة "المركزي للمحاسبات"، دعا "جنينة" وسائل الإعلام إلى مؤتمر صحفي، وفجر قضايا الفساد للرأي العام على مرأى ومسمع من الجميع، وبدا ذلك دون استئذان من مؤسسة الرئاسة.. حدث ذلك في عهد عدلي منصور.

تكرر الأمر للمرة الثانية في عهد السيسي، الذي كان أكثر قسوة في رد الفعل، حين أكد للإعلام أن الفساد "شرس، وكبير جدًا، ووصل إلى 600 مليار جنيه في 2015 فقط".

أورد "جنينة" ذلك الرد مشفوعًا بمحاولة استقواء بالرئيس السيسي، الذي أشاع في أكثر من مناسبة أنه يتواصل معه، وراضٍ عن أدائه، خاصة بعد صدور قرار بمنح الرئيس الحق في عزل رؤساء الأجهزة الرقابية، قائلًا: "أنا متأكد من قدرات رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء في محاربة الفساد.. وواجبي الخروج للرأي العام، المال العام يخصّ الشعب، الشعب أو دفاع حقيقي عن فلوسه عشان نواجه الفساد".

بعد هذا التصريح مباشرة، صدر قرار بتعيين نائبين لـ"جنينة" هما: هشام بدوي، ومنى صلاح الدين.

اقرأ/ي أيضًا: السيسي والمثقفون..الرئيس يبحث عن رجاله

في قضية هشام جنينة، بدلًا من محاسبة الفاسدين، قررت السلطات المصرية معاقبة من أخطأ في تقدير حجم الفساد

محاسبة مستشار "المحاسبات"

أصدرت رئاسة الجمهورية بيانًا، أكدت فيه، أنه فى إطار متابعة التصريحات التي نشرتها بعض وسائل الإعلام بشأن تجاوز تكلفة الفساد داخل مؤسسات الدولة 600 مليار جنيه خلال عام 2015، وجه الرئيس عبد الفتاح السيسى بتشكيل لجنة برئاسة رئيس هيئة الرقابة الإدارية وعضوية ممثلين عن وزارات (التخطيط والمالية والداخلية والعدل) والمستشار هشام بدوى نائب رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، لتقصي الحقائق ودراسة ما جاء في هذه التصريحات.

وتقوم اللجنة، وفق بيان الرئاسة، بإعداد تقرير عاجل للعرض على الرئيس وإطلاع الرأى العام على نتائج أعمالها فى إطار من الشفافية الكاملة.

"جنينة" متهمًا بـ"تضليل الرأي العام"

بدلًا من محاسبة الفاسدين، قررت السلطات المصرية معاقبة من أخطأ في تقدير حجم الفساد. قالت اللجنة الرئاسية المشكلة للتفتيش وراء فساد جنينة، إنها اتصلت به للاستفسار عن حقيقة تصريحاته بـ600 مليار جنيه فساد، وقال إنه أعدّ دراسة بواسطة لجنة فنية أمدته بذلك الرقم الهائل عبر دراسة بعنوان "تحليل تكاليف الفساد بالتطبيق على بعض القطاعات في مصر".

وبناء على عدة معطيات، انتهت اللجنة إلى تقرير من خمس مواد يتهم جنينة بـ"تضليل الرأي العام"، جاء فيه:

التضليل والتضخيم لحجم وقيمة ما سمي بالفساد، بتكوين وتجميع بعض الأرقام أكثر من مرة وتحت مسميات عدة في أكثر من موضع، وامتدادًا لأسلوب التضليل والتضخيم تم احتساب مبلغ 174 مليار جنيه تمثل تعديات بمدينة السادات كأموال مهدرة على الدولة، على الرغم من إثبات إزالة أجهزة الدولة لتلك التعديات بالكامل عام 2015.

فقدان المصداقية حينما يتم ترتيب وتجميع مفتعل لوقائع حدثت منذ عشرات السنوات وإثبات استمرارها دون تصويب كذريعة لإدراجها المغرض ضمن عام 2015.

الإغفال المتعمد في ما تم اتخاذه من قرارات حيال ملاحظات سبق إثباتها في تقارير الأعوام الماضية وتم الرد عليها، وإحالة بعضها لجهات التحقيق، سواء النيابة العامة أو النيابة الإدارية، وتم اتخاذ إجراءات حاسمة إما بالحفظ أو الإحالة للمحاكمات، وصدر أحكام في بعضها بالبراءة أو الإدانة والأمثله أيضا عديدة."

النيابة تحقق.. والسيسي يعزل

طلب مجلس النواب جنينة للمثول أمامه أكثر من مرة، إلا أن البرلمان قرر إحالة تقرير لجنة تقصي الحقائق إلى النيابة، وصدر قرار حظر نشر في القضية، إلى أن أصدرت نيابة أمن الدولة بيانًا قالت فيه إن تصريحات المستشار هشام جنينة بشأن الـ 600 مليار جنيه تكلفة الفساد فى مصر خلال عام 2015، غير موافقة للحقيقة.

وقالت التحقيقات إن تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات محل التحقيقات، تضمن احتساب مخالفات سابقة على عام 2012، كما أنه احتوى على أخطاء تمثلت في تكرار قيم الضرر.

وبعد ساعات من أول جلسة تحقيق من النيابة، أصدر عبد الفتاح السيسى قرارًا جمهوريًا بإعفاء المستشار هشام أحمد فؤاد جنينة من منصبه وتعيين نائبه هشام بدوي خلفًا له.

اقرأ/ي أيضًا: 

الطائرة المصرية المخطوفة..ضربة جديدة للسياحة

جوليو ريجيني..كيف ظهرت الحقيبة؟