08-فبراير-2024
(Getty) حديقة حيوانات رفح

(Getty) حديقة حيوانات رفح

فتك القصف النازي على بلغراد بحديقة حيواناتها. وفي فيلم "تحت الأرض" (Underground)، رسم المخرج أمير كوستوريتسا صورةً رثائية فريدة لتلك الحيوانات، حين راح حارس الحديقة، إيفان المسكين والمتلعثم، يبكي عليها بما يليق بأرواحها المفقودة.

وفي الحرب على قطاع غزة، حيث يحاول الأهالي البقاء والصمود، فإنّ الحيوانات تفعل ذلك أيضًا، لأن الحرب غير المتكافئة لا تستهدف فقط البشر، بل الكائنات والبيئة بأسرها.

لذا لم نتوقّف، خلال مجريات هذه الحرب الضروس، عن رؤية مشاهد تبدو وكأنها خارجة من مجزرة حديقة الحيوانات في ذلك الفيلم، وبدلًا من حارس الحديقة الذي يحمل قرده الصغير ويهرب به، شاهدنا أطفالًا يحملون قططهم المرتجفة من خوفها وحيرتها خلال نزوحهم.

ومع اشتداد فصول المأساة وانقطاع الطعام، انتشر فيديو لطفل يشارك قطةً طعامه بكل رضا وسعادة، وكأنه يقول لكل من يراه: يجمعنا الطبق كما المصير!

ورأينا أبقارًا أبادها القصف في حظيرتها. ومنذ أيام فقط، شاهدنا خروفين يتعرضان للاغتيال بالرصاص من قبل جنديٍّ يبدو أنه لم يعد يجد ما يقتله. ونشر جنديّ آخر فيديو لضربه حصانين بقذيفة ثقيلة. وبالتوازي معه، قام جنديّ مهووس آخر بنشر فيديو يُدمر فيها المناحل ببهجةٍ وانشراح.

صور متتالية للتدمير والتخريب لا يسعها كلام عابر، لكنها تقول صراحة إن إسرائيل تخوض حربًا مع الطبيعة في غزة، ولا تريد لهذا المكان سوى أن يكون مقبرة.

في الحروب، تعاني الحيوانات مثلنا من التشرد نتيجة تدمير موئلها الطبيعي، وتتأثر بنقص الغذاء والمياه، وتصاب بجروح جسيمة، وتتعرض للتلوث بسبب الأسلحة والمتفجرات والمواد الكيميائية

نعرف معنى حدوث هذا لنا ولحيواناتنا، وندرك قسوة هذا الفتك بالبيئة والمكان والكائنات. لكن ماذا بوسع الحيوان أكثر من أن يخاف حتى الموت، أو أن يموت بعبثٍ مغلف بالسادية؟

تعيش الحيوانات نكبتها غير المدركة في الحروب التي تدمر حياتها أينما وجدت، سواء في البراري أو المنازل أو حدائق الحيوان. فتموت أوتتشرد، وحتى لو نجت فإن تدمير بيئتها الطبيعية وتلوثها يتركها في مواجهة مصير قاتم.

هي مثلنا تعاني التشرد نتيجة تدمير موئلها الطبيعي، وتتأثر بنقص الغذاء والمياه، وتصاب بجروح جسيمة، وتتعرض للتلوث بسبب الأسلحة والمتفجرات والمواد الكيميائية.

وهي مثلنا تتعرض للاضطهاد، إذ أصبحت هدفًا مباشرًا للتدمير، أو نشر الترويع، أو تأكيد السيطرة على المنطقة، أو التسلية لقتلة يستمتعون بنشر فيديوهات فيها شكل جديد من الموت.

في السنة الماضية، نشرت وكالة "صور غيتي" (Getty Images) صورًا لحيوانات حديقة رفح، التي تديرها عائلة جمعة، وقالت الوكالة: "تكافح الأسود والقرود والببغاوات للعثور على الطعام والعلاج الطبيّ بينما تعيش في ظروف قاسية في حديقة الحيوان بسبب الهجمات الإسرائيلية المستمرة في رفح بغزة في 2 كانون الثاني/يناير 2023. ومات بعض الحيوانات بسبب الجوع".

واليوم باتت حديقة رفح مركز إيواء يحتمي به العشرات من الفقراء النازحين، الذين بنوا خيامهم البلاستيكية بين أقفاص القرود والببغاوات والأسود، الجائعة مثلهم، والمريضة مثلهم. واليائسة أيضًا مثلهم.

ومرةً أخرى يتأكّد التقاء المصائر وتشابكها في لحظة واحدة، كما حدث عند طبق الطعام المشترك بين الطفل والقطة، وكما ما زال يحدث في الموت المجاني في كلّ مكان.

الأمر الواضح هو أنّ من فكّر بحياة الحيوان وحاول حمايته، بقدر الممكن والمستطاع، هم الفقراء الجوعى النازحون، في حين أن جيش الاحتلال عمل على قتله والفتك به. وهذا يعيدنا إلى مثال فيلم "تحت الأرض"، والمقاربة التي تفرض نفسها أنّ أهل غزة هم إيفان الشفاف المتلعثم، الباكي لمصير حيواناته، في حين أن جيش الاحتلال ليس سوى الغزاة النازيين الذين قتلوا النمور والدببة والإوز والقرود.